يبدو أن نتنياهو يستعد فعليا لإطلاق عدوان حربي جديد على غزة، يتوقع أن يكون الأشد ترويعا من كل ما سبق، والأغلب أن يتبعه أو يجعله متزامنا مع اجتياح واسع للضفة الغربية، وأن يتخذ خلالها إجراءات أشد عدوانية ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
من يتابع الآلة الإعلامية الإسرائيلية يلحظ دورانها لتهيئة الأجواء لشن مثل هذا العدوان الجديد، ويلحظ أنها انتقلت من وضعية التهيئة العامة إلى حالة الإعلام الحربى -وفق قواعد الإعلام الحربى- الذي يحدد خطوات تهيئة الرأي العام للحرب قبل الحرب مباشرة.
لقد شهدت الشهور الأخيرة، إطلاق أخبار مجهلة عديدة تتحدث عن أن حماس استعادت بناء قدراتها التي كانت تضررت جراء العدوان الإسرائيلي خلال عام 2014 ، وفي ذلك جرى إبراز بعض التصريحات لقادة فصائل المقاومة التي تطلق لطمأنة الرأي العام الفلسطيني، مع تغيير اتجاه تأثيرها لتظهر كأنها حالة من حالات القوة الزائدة والرغبة في إطلاق الحرب. لكن الأيام الأخيرة شهدت قفزة في هذا الاتجاه؛ إذ يجري نشر أخبار من مصادر عسكرية إسرائيلية جرت صياغاتها وفق قواعد الإعلام الحربي في الإعداد للحرب.
أولى تلك القواعد هو أن يتحدث الطرف الذي يستعد للحرب عن أن خصمه هو من يريد إشعال الحرب وهو من يستعد لها وأن استعداداته ذات طابع هجومي، ليظهر هو -وهو من يستعد للعدوان- في وضع من يدافع عن نفسه ومن يخوض حربا دفاعية، وأنه لا يريد الحرب.
لقد جرى نشر تصريح لمصدر عسكري إسرائيلي-قيل إنه لم يذكر اسمه- ورد فيه هذا المعنى تحديدا، حتى إن الصحف العربية نشرته تحت العنوان ذاته المستهدف «حماس مستعدة للحرب المقبلة»، قال نص الخبر المنشور في الصحف العربية: « أقرّ مصدر عسكري في جيش الاحتلال الإسرائيلي أنّ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استعادت قوتها، وباتت جاهزة للمواجهة المقبلة إذا اقتضى الأمر، فقد أعادت حماس ترميم الأنفاق الهجومية ومنظومتها الصاروخية، وجمعت المعلومات اللازمة، وهي جاهزة لساعة الصفر».
من يقرأ نص هذا التصريح جيدا يجده معدا في غرف الإعلام الحربي، إذ هو يدفع للناس بفكرة أن حماس بدأت اتخاذ إجراءات عسكرية هجومية -أنفاق هجومية- كما يتحدث عن أن حماس جاهزة لساعة الصفر، ومن لديه ساعة صفر في الحرب هو من سيبدأ الحرب، بطبيعة الحال.
نتنياهو يستعد للحرب منذ وقت طويل، وهناك تصريحات تحريضية وصلت حد الحديث عن اغتيال كل قادة حماس دون استثناء، لكن توقيت الحرب لم يكن تحدد بعد، والآن يبدو أن خيار شن العدوان على غزة، قد وضع على طاولة القرار.
نتنياهو يرى أن الجبهة الشمالية لم يعد بإمكانها أن تتحرك، وأنه ليس بحاجة لخوض معركة هناك لا الآن ولا غدا، سواء لدخول عامل الوجود العسكري الروسي على خط القرار الإيراني -ومليشيا نصر الله- أو لأن نصر الله قد أنهك قوته في سوريا، أو لأن رد نصر الله على العملية الإسرائيلية الأخيرة باغتيال سمير القنطار، قد طمأن نتنياهو إلى حد كبير.
وهو يواجه حالة خطرة الآن في عموم الأراضي الفلسطينية، بل خطرة للغاية. فهناك حالة المقاطعة للمستوطنات وحالة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومن ناحية ثانية صار الفلسطينيون داخل الخط الأخضر في وضع أقوى داخليا ودوليا، والأهم والأشد خطرا أن حياة المجتمع الإسرائيلي تكاد تصاب بالشلل الدائم.
لقد فشلت أجهزة أمنه وصار ظهرها للحائط في مواجهة حالة الانتفاضة الدائمة التي يشنها فلسطينيون أفراد. وهو قد هدد السلطة الفلسطينية بالهدم والتفكيك، للضغط عليها أكثر لتبذل جهدا أكبر لحماية إسرائيل، لكن أجهزة السلطة تبدو عاجزة مثل أجهزته، وبذلك لم يعد أمامه إلا مواجهة النموذج الملهم للانتفاضة، وأن يشن حربا على غزة، تكون مقدمة لحرب واسعة على الضفة، وخلالها يقوم باتخاذ إجراءات شديدة العدوانية تجاه الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
الأغلب أن هذا هو القادم.