تشهد الأوضاع الأمنية في سيناء ترديًا وتراجعًا ملحوظًا منذ أن أعلن الجيش المصري الحرب على “تنظيم الدولة” بعد أحداث الثالث من يوليو 2013.
ورغم مرور ثلاثين شهرًا على حرب الجيش ضد تنظيم الدولة في سيناء؛ إلا أنه – الجيش – لم يستطع حسم الصراع لصالحه، وإنما ازدادت الأوضاع الأمنية سوءًا، خاصة بعد مبايعة أنصار بيت المقدس لزعيم “تنظيم الدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي؛ فتشهد سيناء هذه الأيام حالة غير مسبوقة وتطورًا غير متوقع نتيجة سيطرة التنظيم على بعض المناطق والقري الجنوبية بشرقها، وأيضا نتيجة عملياته العسكرية اليومية ضد قوات الجيش المصري، فبشكل شبه يومي يُقدم عناصر “تنظيم الدولة” على تفجير مدرعات للجيش والشرطة في شوارع العريش ورفح والشيخ زويد.
ولا يتوقف الأمر على ذلك، ولكن يهاجم عناصر التنظيم أيضا الحملات الأمنية والارتكازات العسكرية بالعربات المفخخة، وانفجرت آخر هذه المفخخات بفندق “سويس إن” بشارع البحر بمدينة العريش، وأسفرت عن مقتل وإصابة عدد كبير من القضاة المشرفين عن الانتخابات البرلمانية في هذا الوقت.
وتؤكد شهادات متطابقة وثقتها شبكة “رصد” من شمال سيناء أن التنظيم أصبح يهاجم الجيش والشرطة بشكل شبه يومي، وأصبح يتفوق على القوات في الاشتباكات المسلحة التي تحدث مع عناصره، بالقرى الجنوبية لرفح والشيخ زويد.
الاشتباكات الأعنف في تاريخ سيناء
يؤكد أحد أهالي جنوب الشيخ زويد ويدعى “سيف” -اسم مستعار- أن إحدى الحملات العسكرية وقعت العام الماضي في كمين لـ”تنظيم الدولة” قرب مطار الجورة؛ إذ هاجمهم مسلحو التنظيم، وقاموا بالاستيلاء على ثلاث سيارات رباعية الدفع من نوع “هامر” وفجروا دبابة ثقيلة للجيش.
ويضيف “سيف”، في تصريحات خاصة لـ”رصد”: “كنت جالسًا في منزلي بقرية الجورة جنوب الشيخ زويد، وإذ بي أسمع أصوات اشتباكات وانفجارات ضخمة، قرب منطقة المطار “التابع لقوات متعددة الجنسيات”، وبعد أن هدأت أصوات الاشتباكات، قمت بالاتصال على أحد أقاربي قرب المنطقة المذكورة، فأكد لي أن “تنظيم الدولة” قام بمهاجمة حملة عسكرية كانت تمشط منطقة قريبة من المطار، وقاموا بتفجير دبابة “برج” بصاروخ، وقاموا بإطلاق قذائف أخرى على عدد من السيارات رباعية الدفع من نوع “هامر” التابعة للجيش؛ ما استدعى الجنود للهرب فرارًا بحياتهم، تاركين السيارات غنيمة في أيدي أفراد التنظيم الذين قاموا بإحراقها بعد أن قاموا بالاستيلاء على ما بها من أسلحة.
المفخخات.. سلاح فتاك
ويؤكد أحد الباحثين في شأن “تنظيم الدولة” أن أقوى أسلحة التنظيم في سيناء هو سلاح السيارات المفخخة، كونه السلاح الفتاك في معاركه مع الجيش المصري، ويعتبر الباحث أن السيارات المفخخة والتي يسهل قيادتها، ويصعب وقفها، هي التي ترسم ميدان المعركة لـ”تنظيم الدولة” في سيناء.
وأضاف الباحث، الذي رفض ذكر اسمه، في تصريح خاص لـ”رصد” أن “التنظيم أقدم على استعمال هذه المفخخات مرات عديدة ضد ارتكازات أمنية، ومعسكرات، وفنادق، ومواقع شديدة التحصين، وكانت النتيجة دائمًا هي خسائر للجيش والشرطة، وتدمير هذه المقرات، وسقوط العشرات بين قتيل وجريح، والكل شاهد بأعينه حادث كرم القواديس في أواخر عام 2013، إذ قام التنظيم بمهاجمة الارتكاز الأمني بسيارة مفخخة ثم انقضت عناصره على الارتكاز وقتلوا كل الجنود، ولذلك فـ”تنظيم الدولة” يعتبر أن سلاح المفخخات هو سلاحه الاستراتيجي، في كل معاركه حتى في العراق وسوريا”.
عبوات ناسفة ضد الجيش والشرطة
ويقول أحد الباحثين من أهالي سيناء: إن “تنظيم الدولة” يعتمد بشكل رئيسي منذ بدء الحرب العسكرية في سيناء على سلاح العبوات الناسفة، ويقدم على استهداف المدرعات والآليات العسكرية بالعريش والشيخ زويد ورفح، وهو ما يؤدي إلى مقتل وإصابة العديد من قوات الجيش والشرطة، وأيضا يستخدم هذه العبوات ضد أفراد الجيش أثناء حملات التفتيش والمداهمة.
وأوضح “إبراهيم” -اسم مستعار- وهو أحد أهالي جنوب الشيخ زويد، أن “تنظيم الدولة” قتل عددًا كبيرًا من قوات الجيش المصري في حملات المداهمات والتفتيش أثناء ترجلهم على الأقدام، من خلال قيامه بتفجير عبوات ضدهم، وقتلت إحدى هذه العبوات 4 جنود وضابطًا اثناء إحدى المداهمات بالقرب من قرية الجورة، وبعدها بأيام سمعنا عبر وسائل الاعلام أن من بين هذه القوه ضابطا برتبة مقدم اسمه محمد هارون.
وأضاف “إبراهيم” في تصريح خاص لـ”رصد” أن التنظيم يستخدم سلاح العبوات دائما وتحديدا أثناء الحملات الأمنية، ففي قرية المقاطعه جنوب شرق الشيخ زويد منذ شهور، فتكت إحدى هذه العبوات بضابط و4 مجندين كانوا يستقلون سيارة رباعية الدفع من نوع “هامر”، وفي التوقيت نفسه قُتل مجندان وظابط في قرية شيبانة جنوب رفح بعبوة ضد الأفراد؛ إذ قاموا بالدخول إلى إحدى المزارع، وزرع عبوات ناسفة أعدها عناصر التنظيم مسبقًا، ثم قاموا بتفجيرها عن بعد فقتل الجنود والضابط.
الحملات العسكرية على القرى الجنوبية:
وبات من المؤكد -حسب مصادر من أهإلى سيناء- أن قوات الجيش المصري تقوم بشن حملات أمنية على قرى جنوب رفح والشيخ زويد بشكل شبه يومي؛ إذ تخرج الحملات من معسكر الزهور بالشيخ زويد، ومعسكر الساحة بحي الصفا بمدينة رفح.
لسنا كلابًا ضالة
يقول “عواد الرميلات” -اسم مستعار- وهو من أهالي جنوب رفح: “كل يوم يخرج عدد كبير من الآليات العسكرية قاصدة قرى جنوب رفح؛ حيث يتم مداهمة عدد من المنازل بقري “المهدية – الوفاق – جوز ابو رعد – الماسورة – الخرافين”.. وغيرها”، حيث اعتبرها الحملة الأكثر إجراما، على حد وصفه.
ويضيف “الرميلات” -في تصريح خاص لـ”لرصد”- أن الحملات تقوم بتجريف المزارع وتفجير المنازل بالقرى، وفي بعض الأوقات تقابل بنيران عنيفة من التنظيم، ففي أواخر العام الماضي قام التنظيم بمهاجمة حملة عسكرية مكبرة بسيارة مفخخة، ورأينا بأعيننا تحول مستقلي إحدى الآليات إلى أشلاء كاملة، وكان رد الجيش -بعد انسحاب قواته- أنْ قصف المنطقة بكاملها بالقذائف المدفعية، وقتل عددًا كبيرًا من الأهالي، “فماذا فعلنا نحن المدنيين بالجيش؟”- هكذا يتساءل “الرميلات”، ويتابع: فالجيش عليه أن يحارب من يحاربه فقط، وأن يتوقف تمامًا عن قتل أهلنا، وعن تصفية المعتقلين وإلقائهم فى الطرقات؛ ويضيف -موجهًا رسالته للجيش: “لسنا يا جيش مصر كلابًا ضالة، وعليكم أن تعوا ذلك جيدًا”
“الزهور” تهاجم المدنيين.. وتترك “التنظيم”
حملة الزهور -هكذا يطلق عليها “يوسف” وهو اسم مستعار لاحد أهالي الشيخ زويد- تخرج يوميًا بحسب قوله من معسكر الزهور بالشيخ زويد، وتتخذ طريقها مسرعة إلى القرى الجنوبية، وتتدخل إلى مناطق وقرى كالظهير والمقاطعه وغيرها من قرى جنوب شرق المدينة، وتتجه أحيانا إلى مناطق الجورة وبعض التجمعات السكنية القريبة منها.
ويتابع “يوسف” متعجبًا -في تصريح خاص لـ”رصد”-: “لماذا لا تدخل حملة الزهور إلى مناطق جنوب غرب المدينة، والكل يعلم أن هذه مناطق يسيطر عليها التنظيم؟”، مضيفا: “في أواخر عام 2015 وبعد اشتباكات عنيفة مع الجيش أثناء محاولة الأخير بناء ارتكاز أمني قرب قرية اللفيتات، لم يستطع منذ هذا اليوم أن يدخل إلى هذه المنطقة، بل يقوم عناصر التنظيم بشكل شبه يومي بمهاجمة الارتكاز القريب من اللفيتات، وهو كمين “العزبات”، أو كرم القواديس الجديد”.
ويطالب “يوسف” الجيش بأن يرحمهم من القصف المدفعى وقصف الطائرات الحربية لأنهم مدنيون، وللاسف هذا القصف لا يصيب “تنظيم الدولة” بقدر ما يصيب المدنيين.
قصف لا يتوقف
وقد أفاد عدد من أهالي جنوب الشيخ زويد ورفح أن القصف بالمدفعية الثقيلة لا يتوقف نهائيا من الارتكازات العسكرية بجنوب المدينة وغربها؛ حيث يتم قصف القرى والمنازل على رءوس ساكنيها، ويعتبر أحد الشهود أن ارتكاز “أبو رفاعي” جنوب المدينة هو الكمين الإجرامي في القصف، إضافة إلى كمين “جرداة” شرق العريش؛ بسبب أن هذه الارتكازات لديها مدفعية ثقيلة ذاتية الحركة، وحين تسقط قذيفة واحدة على منزل يُقتل كل من فيه.
أبو زماط لا يرحم
“كمين مدرسة “أبو زماط” جنوب رفح يقصف كل يوم قرى المدينة، وهناك أحد القناصين المتمركزين أعلاه يقوم بقتل أي شخص يتحرك، بالقرب منه ليلا أو نهارا”.. كانت هذه كلمات “مصطفى” -اسم مستعار- الذي كان أحد ضحايا هذا الكمين.
ويتابع “مصطفى” شهادته -في تصريح خاص لـ”رصد”- قائلا: “كنت في طريقي إلى منزلي القريب من مدرسة أبو زماط، مستقلا سيارتي، وإذا بقناص الكمين يطلق رصاصته الغادرة على السيارة بدون أسباب، وبالرغم أنى كنت بعيدًا جدًا عن منطقة الكمين، إلا أن القناص لم يرحم أحدًا، فهو يطلق النيران ويقتل ويصيب كيفما يشاء بدون رادع له”، مضيفا: “أُصبت برصاصة فى الكتف وظللت أنزف فترة طويلة بسبب رفض الجيش نقلي إلى المستشفى، إلا أنهم وافقوا في نهاية الأمر”.