انتهى الاسبوع وجاءت نهايته، إنه الخميس، وخميس هذا الأسبوع ليس كأي خميس انه موعد لقائي بصديقاتي هذا الموعد الذي أستغرق تحديده أكثر من أسبوعين ليجمع البعيده منا والقريبه، العاملة وربة المنزل، العزباء فينا والمتزوجه. حددنا المطعم الذي سيجمعنا ولولا ذلك القرار التعسفي الذي اتخذته أنا لما اجتمعنا، فلكل منا رأيها المختلف تلك تراه بعيد، وهذه تقول بسيط ، وأنا أراه مناسب.
كانت طاوله كبيره يدور حولها عشرة صديقات، يجمعهن سنين دراسة جامعيه حلوه حتى أصبحت أحداهن محاميه و مهندسه و موظفة بنك، مديرة علاقات عامه، وحتى ربة المنزل. قررنا أن نشرب شيء قبل الغداء فجلستنا لا زالت في أولها، وحديثنا طويل، طلبت كل منا ما شاءت من عصير البرتقال والتفاح والقهوة والشاي والنسكافيه، لم تطلب أيا منا ، فبدأت أول مناكفاتنا وجدالاتنا وتعليقاتنا ، شو الي بتشربيه هاد؟ الله يسم بدنك كيف بتشربيه، ولك هاد مو منيح لصحتك، يا عيني صايره تشربي كاباتشينو الله يرحم أيام ستك، لا تشربي قهوة بطلعلك شوارب، وكأن اعمارنا التي كبرت وحياتنا التي أختلفت عادت مرغمه لأيام كنا فيها بعمر الزهر لا مسؤولية فيها ولا هموم.
دار شريط الذكريات الذي كنا نحن أبطاله، قالت أحدنا فاكرين محاضرة الثقافة؟ اه اه هداك الدكتور المعقد الذي لا يتقن شرح الماده، لا حرام لم يكن معقد كان غبي بس، بالعكس كان ممتاز هذه الماده الوحيده التي كنت اتمتع بحضورها فأسلوبه كان جذاب جدا ومتمكن، الله أكبر هذا الدكتور متمكن؟ يا شيخه كان نص أهبل.
مضى وقت قليل فقررنا أن نطلب الغداء، وقفت احدانا لحظة لحظة!! يا بنات يا بنات عندي فكره، فقال الجميع تفضلي افتي ، قالت نطلب مشاوي لنا جميعا مع سلطات وحمص ومتبل وغيره، فشدتها أخرى من ثيابها فجلست وقالوا لها يا ريتك ما حكيتي خلي المشاوي الك. ولأن لكل منا هواها قررنا أن تتولى كل واحده أمرها، كانت طاولة الطعام مليئه بأصناف مختلفه، بيتزا، باستا، سي فود، كبسه، محاشي، بيرغر، وغيره وغيره.
وأثناء تناول غدائنا، قالت أحدانا يا ريت الجامعه ما خلصت كانت أحلى أيام، لا والله أحلى أيام أيام الشغل وتحقيق الذات، أي ذات يا هبله والله الشغل كله هم وتعب، طيب بس بس لو كنتي ست بيت كان طفشتي، أنا نفسي ارتاح من الشغل وأخد زوجي وأولادي ونسافر شوي حاسه بملل، اسمعي مني واتركي شغلك احسنلك يا شيخه كيف عارفه توفقي بين شغلك وبيتك؟ لا لا أياكي تغلطي غلطت عمرك وتتركي شغلك مثلي، والله احسن شي انتي خليكي هيك بلا زواج بلا هم، لا حبيبتي أن شاء الله بتزوج.
انتهى الغداء وجاء نادل المطعم ينظف الطاولة ويأخذ الأطباق الكثيرة ويلم بقايا الأكل، فبدأت كل منا تنظر إلى ساعتها وكأنها تستعد للمغادره، لكني قلت بصوت عالي اتركوا ساعاتكم جانبا فلا زال لدينا وقت كثير، راقت لهن العبارة فقررنا أن تطول جمعتنا لساعات اخرى.
عادت الطاولة كما كانت أول جمعتنا نظيفه لا شيء عليها، لكننا لم نعد كما كنا أول جمعتنا وكأن كل منا أدركت أن ما سرقناه من ساعات جميله ملأتها الضحكات والمناكفات والسعادة أوشك على نهايته،وأقترب وقت الرجوع للحياة المتعبه، والواجبات اليوميه، والدولار الحياه، فانخفضت أصواتنا العاليه قليلا، وهدأت ضحكاتنا المجلجله في أرجاء المكان، لقد بدأ وقت الموعضة والنصيحه، كل تنصح الاخرى، انتي لازم تتركي بيتك خلص صار صغير، اذا نويتي تسافري لا تروحي على البحر روحي على اماكن جبلية،انتي ليش لهلا مو متحجبه خلص كبرتي، هاي التنوره قصيره لازم تلبسي طويل، الصبغه السوداء مو حلوه عليكي لا تصبغيها مره تانيه.
على باب المطعم كان اخر جمعتنا فتفرقنا بالقبلات والسلام والوعود بلقاء آخر، ركبت سيارتي ومعي ذكرى حلوه من ساعات ملأها أختلاف صديقات لم تفرقهن الأيام بما حملته لكل منهن، فلم يجمعنا لا رأي، ولا صنف طعام أو شراب، ولا وجهة نظر، ولا حتى نمط حياة، كل منا كان لها مملكتها من فكر وشخصية وعادات وأسلوب حياه، كنا كباقة ورد كل زهره فيها من بلد، جمعتنا فازة أسمها الحب والصداقة، نعم نختلف حتى آخر نفس، ويجمعنا حبنا حتى آخر يوم، باختلافنا نتكامل لا نتفاضل.