مدينة الإسكندرية التي تقع على الشاطئ الشمالي لمصر، لا تزال واحدة من المواقع السياحية الأكثر طلبًا ولا سيما من المواطنين المصريين والسياح من دول الخليج، ممن يرغبون في الابتعاد عن الحر الشديد في دولهم في أيام الصيف الحارة. منتجعات، ازدهرت في التسعينيات على طول شاطئ مرسى مطروح غربي الإسكندرية، أصبحت هدفًا مطلوبًا للمستثمرين المصريين والأجانب، ممن توقعوا أن تزداد حركة السياح باستمرار. وبالنسبة لمقربي الرئيس المخلوع حسني مبارك كان قاطع الشاطئ الطويل هذا مصدر جذب، أثار ضمن أمور أخرى إحدى قضايا الفساد الكبرى.
قبل نحو خمس سنوات، علم أن الحكم المصري باع بسعر قليل أجزاءً من قاطع الشاطئ هذا لشركة تسمى “كاتو”، يترأسها إبراهيم كامل، المقرب من عائلة مبارك. إحدى المدن التي تطلع إليها هؤلاء المستثمرون هي الضبعة، التي تقع على مسافة نحو 170 كيلو مترًا غربي الإسكندرية. غير أن للنظام هدف آخر مستقبلي لهذه المدينة؛ حسب الخطة التي أقرها النظام منذ العام 1981، فقد اختيرت لأن تكون موقعًا يقام فيه المفاعل النووي لإنتاج الكهرباء.
ولكن خطة إقامة المفاعل النووي في الضبعة تعرقلت وبقيت في جوارير البيروقراطية على مدى نحو 30 سنة، ولا سيما بسبب نقص التمويل والقوة البشرية الكفؤة والخبيرة، التي يمكنها أن تبني، تشغل وتصون المفاعل المستقبلي. واحتج وزير الطاقة المصري حسن يونس في 2010 على مجرد فكرة استثمار 8 مليارات جنيه مصري لإقامة مفاعل “فقط من أجل ساعتي كهرباء تنقصان للمواطنين المصريين”. وقرر يونس في تلك السنة بأنه “إذا وفرت كل عائلة 5 في المئة من استهلاكها للكهرباء، سنتغلب على العجز في الكهرباء”.
ورغم مناشداته، اعتقد مبارك بوجوب مواصلة الخطة، بل دعا في تلك السنة ممثلي الشركات وستنجهاوس، روستوم، أريبا وإيه.آي.سي.آي، كي يعرضوا عليه قدراتها لبناء مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء. ولكن لم يخرج أي شيء من هذه المداولات، وأصبحت الضبعة بندًا آخر في قائمة الخطط الكبرى التي لم تتحقق.
منذ تلك المحاولات وقعت الثورة، خلع مبارك ووزير طاقته، يونس، اتهم باضطرابات ألحقت خسائر بمليارات الجنيهات المصرية في سلطة الكهرباء. وزعم ضمن أمور أخرى بأنه نقل عطاءات بحجم 700 مليون جنيه مصري لشركة أقامها ابنه.
والآن يسعى عبدالفتاح السيسي، إلى استئناف مشروع النووي المصري وفي نوفمبر وقع اتفاق بين روسيا ومصر لبناء أربعة مفاعل نووية في منطقة الضبعة. ومقابل المداولات العقيمة التي جرت على مدى عشرات السنين، يبدو أن هذه المرة سيحقق عبدالفتاح السيسي الخطة وسيتصدى لاحتياجات الدولة من الكهرباء، بسكانها الذين يبلغ عددهم 90 مليون نسمة ويستهلكون نحو 30 ألف ميجا وات من الكهرباء، استهلاك يقترب من حدود قدرة الإنتاج المصري.
ويضاف إلى حافة قدرة الإنتاج للكهرباء أيضًا، الكلفة الهائلة التي يفرضها الدعم الحكومي على الطاقة؛ فثلث ميزانية الدولة على الأقل يذهب إلى الدعم الحكومي، ومنه نحو 75 في المئة يذهب لدعم النفقات على الوقود والكهرباء. في مارس، وبهدف تخفيض استهلاك الكهرباء بشكل كبير، قرر السيسي في خطوة استثنائية تقليص نحو 30 في المئة من الدعم الحكومي للوقود، ولكن الخطوة لم تنجح. فالغاز الذي اكتشف في حقل زوهر في المياه الاقتصادية المصرية كفيل بأن يحل جزءًا من المشكلة، ولكن يبدو أن الأمل الكبير هو المفاعلات النووية، التي عندما تستكمل، كفيلة بأن توفر نحو نصف استهلاك مصر من الكهرباء.
في المرحلة الأولى ستبنى أربعة مفاعلات كل واحد منها سينتج في غضون 12 سنة نحو 1.200 ميجا وات، ولاحقًا ستبنى أربعة مفاعلات أخرى. كلفة المرحلة الأولى تقدر بـ25 مليار دولار، ستمولها روسيا بقرض تعطيه لمصر لفترة 35 سنة، مع فترة إعفاء من 11 سنة. في إطار الاتفاق ستؤهل روسيا القوة البشرية المصرية المهنية التي يمكنها أن تحل محل الخبراء الروس الذين سيبنون ويشغلون المفاعلات.
من أجل إظهار جديته من الخطوة، أمر السيسي بدفع تعويضات لأصحاب الأرض المصريين ممن صودرت أراضيهم لأغراض المشروع وقد حصلوا على نحو ألف دولار للدونم، رغم أن هذه أراضي دولة أعطيت لسكان المنطقة لأغراض الزراعة. أما التفاصيل الكاملة عن مضمون الاتفاق فلا تزال سرية ويبدو أنها ستبقى هكذا؛ إذ إنه حسب أوامر الرئيس لا ينبغي نشر أية تفاصيل عن مشروع الضبعة “دون تلقي إذن مسبق من محافل الأمن المخولة”.
على الورق تبدو خطة تطوير النووي كخيار جدي وضروري لحل مشاكل الكهرباء في مصر، ولكنها يجب أن تتغلب على عدة مشاكل أساسية. إحداها هي مدة البناء الطويلة التي يتعين على مصر فيها أن تتصدى لنقص الكهرباء، مما سيثير احتجاج الناس. والثانية هي تعلق الدولة والاقتصاد بروسيا، التي يمنحها مشروع النووي مكانة جديدة في دولة طردت منها في 1972 ومنذئذ لم تصلح علاقاتها بشكل كامل، حتى صعود السيسي إلى الحكم.
المشكلة الثالثة التي تنشأ في أعقاب خطة تطوير النووي هي تركيز قسم جوهري في إنتاج الكهرباء في موقع جغرافي واحد، من شأنه أن يشكل بؤرة جذب للهجمات الخارجية. في عهد مبارك كان الخوف من هجوم إسرائيل على الضبعة، يعطل بناء المفاعلات. يمكن التقدير بأن الخطط هذه المرة تمت بالتشاور بين روسيا وإسرائيل بل بين مصر وإسرائيل لضمان ألا تصبح المفاعلات هدفًا إسرائيليًا. ولكن في ضوء التصريحات الماضية من المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم الوزير أفيجدور ليبرمان، الذي بين الحين والآخر كان يقترح قصف سد أسوان، ستكون على ما يبدو حاجة إلى اتفاقات مستقرة أكثر بكثير.
على أية حال، في الجانب الإستراتيجي فإن بناء مفاعلات نووية في مصر كفيل بالذات أن يعزز العلاقة بين إسرائيل ومصر. ويتبقى الآن للمواطنين المصريين أن يحصوا السنين إلى أن يتمكنوا من الكف عن التخمين متى سيتوقف تيار الكهرباء في بيوتهم.