جاءت الفتاة الأيزيدية، في إعارة إلى القاهرة؛ لتجميل وجه نظام قبيح، استقبلها عبدالفتاح السيسي في القصر الرئاسي، جلس أمامها ملطخًا بكل مساحيق الادعاء والتمثيل الركيك. ها هو رجل الإنسانية يكفكف دمع ضحية الدواعش، ويبلسم جراح اغتصابها.
خارج القصر الرئاسي، كانت عشرات من العائلات المصرية لا تستطيع الحصول على تصريح زيارة بناتها، المحبوسات والمعتقلات، بعضهن تعرضن لانتهاكاتٍ لا تقل بشاعةً عما حدث للفتاة الأيزيدية التي دار بها نظام السيسي على جميع الفضائيات والصحف، كي تردد نشيدًا وحيدًا في روعة وعظمة الجنرال الذي استقبلها في قصره، بإنسانيته الفياضة. في واحدة من أسوأ صور دعايات التجارة بالألم، العابرة للحدود.
“اشكروا ربكم، يا شباب المسلمين، على نعمة الدولة، وعليكم مساعدة باقي الدول التي بحاجة لكم، وأجدد شكري للرئيس عبدالفتاح السيسي”.
هكذا تحدثت نادية مراد بصفتها الهاربة من جحيم “داعش” إلى جنة السيسي، في حضرة مذيع من “الدولتية” المحترفين، عمرو أديب، والذي يعبر عن فلسفة سياسية جديدة، تقوم على مبدأ “اصنع دولة بأي شكل، حتى وإن كانت من مسحوق عظام المواطنين”.
ربما لا تعرف الأيزيدية المغتصبة، أن مصرياتٍ في عمرها تعرّضن للاغتصاب على أيدي زبانية “رسول الإنسانية والمحبة” الذي استقبلها في القصر. لا توجد أرقام موثقة، لكن توجد حالات مؤكدة، جلهن رفضن الحديث لاعتبارات اجتماعية وعائلية، غير أن هناك حالة صارخة، تحدثت وفضحت جريمة “دواعش نظام السيسي”، والتي لا تقل بشاعةً عما روته الأيزيدية.
ما بين “نادية الأيزيدية” و”ندى المصرية”، لا توجد فروق كبيرة في التفاصيل؛ الأولى اغتصبها “أعضاء تنظيم”، والثانية اغتصبها “رجال نظام”، لتنمحي وسط فظاعة السيناريو الفروق بين تنظيم على رأسه أبو بكر البغدادي، ونظام على قمته عبدالفتاح السيسي.
نادية استقبلها عبدالفتاح السيسي، وشبع تصويرًا معها، باعتباره رجل البر والرحمة، قبل نحو أسبوع، أما ندى، فقد قرر قضاؤه العادل النزيه حبسها عامًا بتهمة التظاهر.
ندى أشرف، طالبة في جامعة الأزهر، اغتصبها ضابط شرطة داخل مدرعة، تقف على أبواب الجامعة، بمساعدة جنود مساكين يصدعون للأوامر.
كان ذلك في صيف 2014، حين كان ضابط شرطة يتعدّى على طالبة بالضرب، فانبرت زميلتها ندى تدافع عنها، وتقول للضابط إن الرجولة ليست أن تهين فتاة وتعتدي عليها. لحظتها، قرّر الضابط، كما حكت ندى بصوتها، أن يريها رجولته، فأمر بالقبض عليها، والإتيان بها إليه داخل المدرعة، ليثبت رجولته، وينفذ تعاليم “الخليفة السيسي”، وفي القلب منها “مفيش ضابط هيتحاكم”.
اتهمت حركة “نساء ضد الانقلاب”، التي تأسست في محاولة للتصدي للانتهاكات بحق النساء في سجون الانقلاب، اتهمت جهاز الشرطة بممارسة جريمة اﻻغتصاب، داخل أماكن اﻻحتجاز والسجون والأقسام، بشكل ممنهج.
وقالت منسقة الحركة، آية علاء، في تصريحات صحفية، بعد مرور عام واحد فقط على الانقلاب، إن هناك 50 حالة اغتصاب لنساء، تم توثيق 20 منها حتى ذلك التاريخ. وأوضحت أن حالات قامت بعمل تقارير طبية موثقة، بل ذهبن إلى مصحات متخصصة للعلاج، وحالات تحدثن، بشكل مباشر، عما وقع معهن، ووثقت ذلك الحركة.
“التأخر في الكشف عن هذا يرجع لصعوبة الحديث في هذا الأمر، لحساسية المجتمع من جرائم الاغتصاب”. قالت آية علاء، مع الوضع في الاعتبار أن هذه الأرقام أقل من الواقع “إحدى الحالات قالت إنها، بعد اغتصابها في وضح النهار، من عناصر الشرطة، تم نقلها إلى أحد أماكن الاحتجاز، فوجدت في المكان أكثر من 40 شابًا وشابة، وتحدّث كثيرون منهم عن الاعتداء الجنسي عليهم”.