يعقوب تاجر المجوهرات المخضرم الذي لا يحتاج الى أكثر من نظره واحده للجوهرة فيثمنها الثمن الصحيح، وكأن عينه عدسه لفحص المجوهرات، لم يخطأ يوما في تثمين أي جوهره وبدون استعمال أي اداه من أدوات فحص المجوهرات، حتى شاع صيته بين الجميع، فكان يقال ( عين كعين يعقوب ). وبالرغم من أنه ورث مهنته أبا عن جد الا انه قد فاقهم نجاحا وتميزا بشهادة كبار تجار المجوهرات.
كان يعقوب في متجره الفاخر عندما رن جرس الهاتف، وبعبارات الترحيب استهل يعقوب مكالمته، انه صديقه المقرب اليه رجا، يؤكد عليه ضرورة حضوره على العشاء الذي اعد على شرف صديقها الثالث عمرو “وهو تاجر مجوهرات مشهور ايضا” ، أكد له يعقوب حضوره، فهو أكثر منه شوقا للقاء صديق العمر الذي سافر منذ خمس سنوات وعاد لتوه.
اقترب موعد العشاء فبدأ يعقوب الجواهرجي بتحضير نفسه، فلبس أجمل ما عنده من ثياب، وتعطر بأغلى عطوره، وخرج قاصدا المطعم.
وصل يعقوب الجواهرجي للمطعم، وكأن ثواني الساعة مضبوطة على خطوات أقدامه، وصل بالموعد المحدد بالثانية، كان أول الواصلين، جلس ينتظر الاخرين وما هي إلا 10 دقائق حتى حضر من كان ينتظر، صديقاه اللذان كانا معا بسيارة واحده، وجلسوا يتبادلون أطراف الحديث بكثير من الود والحب، فهم نعم الأصدقاء، تربطهم سنين طويله فيها الكثير من المواقف التي أضافت لروابط الصداقة بينهم الشيء الكثير، وبعد قليل نظر يعقوب إلى صديقه رجا مداعبا يسأله: لما لم تطلب العشاء حتى الآن أدعوتنا للعشاء أم للحديث؟ فضحك رجا وأخبره أن هناك ثمة زوار ينتظرهم لم يحضروا بعد أنهم أخته وزوج أخته، استكملوا الحديث حتى وصل باقي المدعوين، رفع يعقوب رأسه للسلام عليهم ، وإذا بأخت صديقه رجا أمرأه فاتنة الجمال صغيرة السن، وكأنها نجمه سنيمائية، كل ما فيها ملفت للنظر، قمه في الأناقة، يبدو عليها ترف الحياه ورغدها، سلم يعقوب على كلاهما، وبجميل الحديث استقبلهما.
حضر العشاء وأثناء تناوله وجه يعقوب بعض عبارات المدح والمجاملة للسيدة الوحيدة على المائدة، وأشاد بأناقتها وذوقها قائلا ( أنك أمرأه صاحبة ذوق رفيع، كل ما فيك يتكلم عن أناقتك، حتى العقد الذي تلبسينه، يشهد على ما أقول، أنه أكثر من رائع، فلا يقتني جوهره كهذه إلا أمرأه مثلك). شكرت السيدة يعقوب بكل ذوق ولطف، فرد زوجها عليه بأنه يبالغ بالمدح فالعقد جميل وقيمته لا تتعدى أنه قطعه جميلة التصميم، رد يعقوب : لا يا سيدي أنها جوهره ذات قيمه محاطه بالألماس النقي جدا، أي أن العقد ثروه بحد ذاته. أخد الزوج عبارات يعقوب بشيء من الاستهزاء على أنه بالغ في المجاملة، فقال: ثروه؟ وكم قيمة هذه الثروة؟ فأجابه يعقوب تحديدا لا يقل ثمنه عن مئتي ألف دولار. ما أن قال يعقوب هذا الثمن حتى ذهل الجميع، ماذا تقول أنك تمزح؟ كيف لك أن تدعي ذلك؟ أنك تبالغ. نظر رجا إلى صديقهما الثالث عمرو قائلا: ألست جواهرجي مثله ؟ فقل كلمتك. حدق عمرو الجواهرجي كثيرا في عقد السيدة لكنه تردد قليلا قبل الحكم، وتحت الحاح رجا وزوج السيدة قال: لا أستطيع تحديد قيمة العقد بالضبط حتى أفحصه جيدا بأدوات فحص الجواهر، إلا أني لا أتفق مع يعقوب فقد بالغ كثيرا في سعره، فسعر ما فيه من جواهر بالتقدير الأولي لا يزيد عن ثمانين الف دولار. إلا أن يعقوب الذي أصبح في موقف قد يسيء اليه، أصر بشده على ما قال سابقا، وقال : معي في سيارتي حقيبة فيها كل أدوات فحص الجواهر سأجلبها لأثبت صدق قولي، فرد عليه صديقه عمرو : أوافق ولكن على شرط من يثبت خطأ تكهنه عليه أن يدفع خمسة الاف دولار للآخر، رضي يعقوب بالاتفاق وشهد الحاضرون.
أحضر يعقوب حقيبة الأدوات، وطلب زوج السيدة من السيدة أن تنزع العقد وتعطيه ليعقوب الجواهرجي لفحصه، وما هي إلا نظره واحده بعدسة الفحص، حتى رفع يعقوب رأسه ونظر الى وجه كل فرد على الطاولة، ثم قال: أعترف أني خسرت الرهان، وأخطأت في تقدير ثمن الجواهر في العقد، صاح صديقه فرحا معتدا بنفسه، فقد أنتصر على يعقوب الذي لم يخطأ البت في التثمين بحياته. أخرج يعقوب دفتر الشيكات وكتب شيك بقيمة الرهان لصديقه، وأعاد حقيبة الأدوات إلى السيارة، انتهت دعوة العشاء وعاد كل إلى بيته. وما أن وصل يعقوب إلى بيته وأغلق الباب خلفه حتى قرع الجرس فعاد لفتحه، وإذا به شخص يعطيه ظرف مغلق ويخبره أنه من السيدة التي كانت معه على العشاء، فتح يعقوب الظرف فوجد شيك بقيمة عشر ألاف دولار.
أي نوع من الرجال هذا؟ أنه العالم الذي أدعى الجهل، حتى لا يفضح ما ستره الله، نعم كان العقد ثمين جدا كما قال يعقوب، لكنه رضي أن يخسر الرهان، ويدفع مبلغ كبير من ماله، وينصر غيره عليه بغير حق، مقابل الا يفضح امرأه لمح في عينها أنها تخفي شيئا قد يعيبها لو ثبت صدق ادعائه. فرضي أن يكون جاهلا في عيون الجميع وهو الذي لم يكن يوما بجاهل، وحفظ لأخت صديقه وصديقه ماء وجههما.