سيقولون لك: لا تذهب للتظاهر الآن، لأن ميزان القوى في صالح سلطة القمع والاستبداد المجنونة.
قل لهم: وهل كانت الكفة تميل لصالح الداعين للتظاهر في يناير 2011؟
ذكّرهم بأن من الذين حجزوا أماكن بارزة في متحف أيقونات ثورة يناير، بعد نجاحها في خلع مبارك بالطبع، كانوا من المعترضين على فكرة التظاهر، في ذلك اليوم المشهود، وكانوا ممّن يحبطون الشباب ويثبطون الهمم، ويسخرون من دعوة الخروج أصلًا.
سيقول العاطلون، المعطلون، المرجئون من الثوار الانتهازيين، أولئك الذين يقعدون في حجر فاشية عسكرية، ويسبون ويلقون الحجارة على ما يزعمون أنها فاشية دينية، سيقولون إن اللحمة الثورية ليست جاهزة الآن، والصف الثوري غير مستعد بالشكل الكافي، وإن الخروج الآن انتحار.
هؤلاء “البكوات” أو من يمكن أن تطلق عليهم طبقة الإقطاع الثوري، لا يتصورون أن غضبًا يمكن أن يفور، من دونهم، وأن ثورةً يمكن أن تستيقظ، إذا كانوا هم يفضّلون النوم، ويؤثرون السلامة، ويمنّون النفس بخطوات أكروباتية خادعة من السلطة القاتلة، تجعلها ترتدي أقنعة إنسانية وديمقراطية، بشكل مؤقت، فيعودون إلى حجرها الدافئ، يمرحون في ملاهي المعارضة المنصوبة بحدائقها الخلفية.
هؤلاء يحتقرون صمودك، ويسخرون من حراكك وتضحياتك، على مدار ثمانية عشر شهرًا، هي عمر الجريمة التي حرّضوا على ارتكابها، وشارك بعضهم فيها، بل منهم من لا يطيق أن ينجح هذا الحراك في تحقيق أهداف، أو بعض أهداف ثورية، فلا يكتفون بالقعود، بما يليق بعاطلين عن الغضب، وإنما يمارسون دور المعطلين، ويؤدون وظيفة مكابح (فرامل) الثورة، وهم يرسمون على وجوههم علامات القلق والخوف على المتظاهرين، من مذابح جديدة، غير أنهم، في واقع الأمر، يقومون بمهمةٍ لا تقل في وضاعتها، ولا أخلاقيتها، عمّا يفعله ما يسمى “مرصد الفتاوى” التابع لدار الإفتاء، والذي يقوم بعمل يجعله أقرب إلى “وكر” لتزييف الأحكام الشرعية، لخدمة المستبد، أو كمين أمني لاصطياد المعارضين.
التهويل والتضخيم في توقع المخاطر والمذابح، خطيئة بحق الثورة، وإهانة للقدرة على الفعل، ولا يقل عن ذلك خطأ وخطيئة التهوين مما هو متوقع من أجنحة السلطة، بحيث يروج بعضهم بحسن نية حواديت “الانقلاب على الانقلاب” التي لا تعدو كونها مهدئات ومسكّنات ثورية، قد تؤدي بمن يتعاطاها إلى الغيبوبة.
إنهم يبيعون لك “كفتة فاسدة”، لا تختلف في نوعيتها عن “كفتة الأوهام القومية الكبرى”، وأظن أن تجارب السنوات الصعبة علّمتك ألّا تتوقف كثيرًا عند كل أشكال اللهو الثوري، سواء من جانب العاطلين المعطلين، أو من أولئك الذين يفعلون بالثورة والثوار ما فعله الدب بصاحبه، فترى بعضهم منسحقًا، منحنيًا، يلملم المتساقط من زجاج بناية الثورة المضادة، المهشّم بفعل فاعل يختار التوقيتات بدقة، ويتوهّم أن هذا الحطام جدير بالاحتفاء والتصفيق، ويصلح لصناعة نوافذ ثورية جديدة، بينما هو، في حقيقة الأمر، يمارس “بيزنس غسيل التاريخ”، ويضفي شرعية أو أخلاقية على أشخاص جسّدوا نوعًا مخيفًا من الليبرالية المزوّرة التي شاهدناها تتعجّل إبادة معتصمي رابعة، بمخالب وحوافر وألسنة أكثر حدّة من سيوف البلطجة، وقلوب أقسى من الغرانيت.
مثل هؤلاء يفعل ثوار إلكترونيون، حسنو النيّة بالطبع، يروّجون أغنية لمطربة تونسية، متقاعدة، هي صوفيا صادق، من كلمات زين العابدين فؤاد وألحان الشيخ إمام، باعتبارها أغنية الثورة المصرية القادمة، من دون أن ينتبهوا إلى أن هذه هي مطربة نظام الديكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي، والمغنية الرسمية لحفلات عيد انقلابه 7 نوفمبر من كل عام.
ألقت بها أمواج “ثورة الياسمين” على شواطئ النسيان والغياب، لكن هناك من يأبى إلا أن ينتشلها، ويعيد تأهيلها كصوت لثورة مصرية ضد “بن علي المصري” لمجرد أنها قدمت واحدة من أغنيات الشيخ إمام، على الرغم من أن الجمهور التونسي، نفسه، أسقطها من حساباته منذ سنوات، واحدة من مطربات الاستبداد والطغيان.
وللمرة الألف: نقّوا غضبكم من الشوائب، واحموا ثورتكم من “ملوّثات الكفتة”.