اتهم الكاتب والباحث السياسي، حسام شاكر، الدول الأوروبية بالعودة من جديد إلى عادتها القديمة في دعم الديكتاتوريات والتغاضي عن الانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان.
وقال -في مقال منشور بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني-: إن الأنظمة الاستبدادية والفاسدة في الشرق الأوسط دفعت جيلًا من سكان هذه البلاد بالمخاطرة والهجرة بطريقة غير شرعية والتعرض للغرق في البحر أو الوقوع فريسة للدعاية التي يبثها “تنظيم الدولة”.
وأضاف “أضرم محمد بو عزيزي، بائع متجول شاب، النار في نفسه بعد أن أهانته الشرطة التونسية التي منعته من مصدر رزقه الضئيل، وتوفي بعد أيام قليلة ولم يعلم أنه أشعل غضب رفقائه التونسيين، وفي النهاية أطاحوا بالرئيس الاستبدادي زين العابدين بن علي، الذي هرب بسبب الخوف عندما سمع شعبه يهتف “ارحل”.
وتابع الكاتب: استمر “بن علي” في حكم تونس 23 عامًا بمساعدة قوات الشرطة الوحشية، ومع ذلك فإنه حصل على المديح من أوروبا، وكان يتمتع بسمعة طيبة في وسائل الإعلام بما لديه من علاقات عامة تقوم بالخداع، وهو ما دفع أوروبا للاعتقاد أنه شريك يمكن الوثوق به دون النظر إلى إرداة شعبه.
وأردف: على الرغم من وفرة تقارير حقوق الإنسان المستقلة فيما يتعلق بالقمع والتعذيب، وإسكات حرية التعبير خلال حقبة “بن علي”، فإن صورته ظلت غير ملوثة إلى حد كبير في تغطية وسائل الإعلام الأوروبية، وحصل على ترحيب رسمي كبير من العواصم الأوروبية، وفشلت التحقيقات الجريئة التي نشرت خلال الأعوام الأخيرة من حكمه في تبديد الاعتقاد السائد بأنه الرئيس المثالي للعالم العربي.
واستطرد: في الرابع عشر من يناير، احتفل التونسيون بنجاحهم الكبير في الإطاحة بزعيمهم الاستبدادي، وفجأة أشاد العالم بالتونسيين وسيطرت صور الحشود التونسية على الصفحات الأولى، وأخيرًا بدأ السياسيون والمعلقون الأوروبيون يتحدثون عن بشاعة الحكم الاستبدادي، واعترف المسؤولون الأوروبيون بأن سياستهم الخارجية كانت خاطئة بتفضيلهم دعم الأنظمة الديكتاتورية بهدف الحفاظ على المصالح الغربية في الشرق الأوسط عن احترام التزامهم بمعايير الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وإرادة الشعوب.
وتساءل الكاتب ماذا حدث بعد ذلك؟ استمر الثناء الغربي للربيع العربي لما يقرب من عامين، ثم عادت لغة التواطؤ مع الحكام الاستبداديين وبخاصة في مصر.
ويكمل شاكر: يبدو جليًا الآن أنه ليس هناك قيمة فعلية للعديد من التقارير الحقوقية والتحقيقات المستقلة فيما يتعلق بالانتهاكات الشنيعة للأنظمة التي تنتهك القواعد الديمقراطية، على الرغم من حقيقة أن السفارات الغربية شاهدة على طريقة سحق وذبح المعارضين في الميادين، واستأنفت أوروبا هواية استقبال الحكام الديكتاتوريين بالبساط الأحمر مرة أخرى.
ويوضح أنه يجب أن ينسى الجميع الشعارات الجميلة، والمبادرات، والإستراتيجيات المقترحة من قبل الساسة الأوروبيين خلال الربيع العربي، فمن يتذكر اليوم سياسة الجوار الجديدة التي أعلنتها “كاثرين أشتون” في مايو 2011، والشراكة من أجل الديمقراطية والرفاهية المشتركة مع جنوب المتوسط التي أعلنها الاتحاد الأوربي في مارس 2011.
ويؤكد الكاتب أن الديمقراطية قد أجهضت وسحقت بالعديد من الحجج التي أطلقت لتنفيذ هذا الإجهاض الوحشي الذي لم يكن ليحدث من دون ضمان الإفلات من العقاب، مضيفًا “وليس هناك شك من أن الساسة الأوروبيين ومعظم التغطية الإعلامية والتعليقات تجنبوا إدانة ما حدث بدءًا من يوليو 2013 وما تلى الانقلاب العسكري من أحداث، وإعادة إنتاج الاستبداد بسلوك وحشي، وارتفاع مستوى بشاعة العنف إلى الحد الذي وصل إلى ارتكاب المذابح الجماعية في الميادين ضد المتظاهرين السلميين، واستخدم الاستبداد الجديد حملات العلاقات العامة لتضليل أوروبا والعالم.
أشار الكاتب إلى أن هناك من يدعي أن السياسة الخارجية الأوروبية تهدف بالفعل إلى نشر الديمقراطية لكنها إلى حد ما تعمل وفق منطق المصالح والأمن القومي، وأن الالتزام الأوروبي بالعمل على دعم الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان ليس له أي قيمة في الأوقات الصعبة.
وختم: يجب أن أذكر الجميع أن الاستبداد والأنظمة الفاسدة هم من أنتجوا القنابل الموقوتة الاجتماعية والاقتصادية، هم من فشلوا في توفير فرص العمل للملايين من شبابهم كل عام، وهذه الأنظمة هي من سحقت آمال شعوبهم، وخلقت الشعور العام الذي يولد وينتج ثقافة العنف والتطرف، ويدفع أجيال الشباب العربي لاتخاذ قرارات عمياء مثل المخاطرة بحياتهم من أجل السفر إلى أوروبا بشكل غير قانوني، أو السقوط فريسة لدعاية “تنظيم الدولة”.
– حسام شاكر، هو باحث ومؤلف مقيم بالنمسا، يعمل كمستشار إعلامي وعلاقات عامة لعدد من المنظمات الأوروبية.