تعد الرغبة في أن يدفن الإنسان في مسقط رأسه قوية، عند الكثيرين من أبناء الجيل الأول من المهاجرين الأفارقة في بريطانيا، ويُعد الإقبال على هذه العادة كبيرًا جدًا بين البريطانيين من أصل مغربي، ووفقًا لمسؤولين رسميين بالسفارة المغربية في لندن، فإن نحو 95 % على الأقل من أبناء الجيل الأول من المهاجرين يدفنون في المغرب.
ويقوم نحو 80 % من المهاجرين الجزائريين المقيمين في فرنسا، بدفن جثمان أقاربهم في بلدانهم الأصلية على دفنهم في بلد المهجر الذي يقيمون به، وأفادت وكالة الأنباء الفرنسية نقلًا عن الباحث في المركز الفرنسي للبحث العلمي عثمان عقون قوله إن نحو 80 % من الموتى الذين تعود أصولهم إلى دول المغرب العربي كالجزائر والمغرب وتونس تعاد جثامينهم إلى بلدانهم.
وترى السلطات الفرنسية أن إقبال المهاجرين على دفن موتاهم في بلد المهجر أو عدمه مؤشر على مدى اندماج المسلمين في بلد يتخذ من العلمانية منهجًا لتسيير شؤونه، إلا أن مسجد باريس الكبير القريب من دوائر السلطة في فرنسا، يرجع إعراض الجزائريين ونظرائهم المغاربة عن دفن موتاهم إلى ”القاعدة السائدة التي تقوم على دفن المسلمين في مدفن مسلم وهو ما يفسر رغبة غالبية الأسر في إعادة الجثامين إلى البلد الأصلي”.
حلم العودة بعد الموت
حققت نادية، التي ولدت وكبرت في غربي لندن، حلم والدها حينما أعادت جثمانه إلى المغرب العام الماضي، ليدفن في العرائش، وهي قرية صغيرة تعتمد على نشاط الصيد شمالي المغرب.
وتقول نادية في تقرير نشره موقع (بي بي سي) العربي: “لقد كانت لندن دائما موطنه، لكن المغرب كانت دوما في قلبه”، وأضافت: “لقد كان حلم والدي أن يدفن في مسقط رأسه، وأن يرتفع صدى دعوات المصلين فوق قبره”.
ووجد “إيبنزير كومودور” صعوبة، في إعادة جثمان عمه المتوفى إلى بلده الأصلي غانا، خلال العام الجاري، وعلى الرغم من أن عمه عاش في لندن طيلة ثلاثين عاما، إلا أن عائلته ضغطت على ابن أخيه لكي يعيد جثمانه إلى مسقط رأسه.
ويقول: “اتصلت بي جدتي وقالت لي: أعد جثمان ولدي إلى بلده. لم يكن بإمكاني أبدًا أن أناقش رغبة رأس العائلة. لا أستطيع مطلقا”، ولذلك فإن كومودور اضطر لإيجاد طرق لتدبير النفقات، وفي النهاية تمكن من تدبير 7500 دولار، وأعاد جثمان عمه ليدفن في بلده الأصلي.
وفي مثل هذه الحالات، يضطر الكثير من أبناء الجاليات للاحتفاظ بجثامين أحبائهم في المشرحة لشهور طويلة، حتى يتمكنوا من تدبير نفقات نقلها لبلادهم.
وأعادت شانكيرا البالغة من العمر 44 عامًا، والتي كانت تعيش مع زوجها مارتن في مانشستر طيلة 16 عامًا، جثته إلى زيمبابوي عام 2014.
وقالت: “لو كان مارتن قد دفن هنا كنت سأزور قبره أسبوعيًا، لكن الآن لا أستطيع ذلك، إني أعود الآن إلى منزلي لأجده فارغا، لكن لماذا؟ فقط بسبب التقاليد”، وأضافت: “لو كان لدي أطفال ربما استطعت مقاومة رغبة عائلة زوجي، لكني استسلمت لرغبتهم بسبب الضغوط النفسية.
وأوضحت: “عائلاتنا في بلداننا الأصلية بحاجة إلى أن يفهموا أن حياتنا هي في بريطانيا الآن، أنا أعلم أنني حين أموت سألتقي مارتن مرة أخرى، بغض النظر عن المكان الذي سأدفن فيه”.
نفقات العودة
تقول سعاد تالسي، من مجلس الجالية المغربية بالخارج: “هناك ثلاثة بنوك مغربية تقدم خدمة نقل الجثامين مجانا، وكذلك تذكرة طيران مجانية لأحد أقارب المتوفى، الذين يساعدون في نقل الجثمان إلى المغرب”.
وتضيف: “أنه إذا كان الشخص المتوفى غير مسجل لدى بنك مغربي، فإن أحد أقربائه يمكنه أن يذهب إلى السفارة المغربية، وستتكفل هي بتكاليف إعادة الجثمان، والتي يمكن أن تصل إلى 10500 دولار”، لكن بالنسبة لكثير من الجاليات الأفريقية الأخرى في بريطانيا، فإنه لا يوجد في الغالب أي دعم مالي، ويعاني الكثير منهم لتدبير نفقات إعادة الجثامين.
ويقول “فورتشن هوروفا”، الذي ينسق جهود جمعية أهلية لإعادة جثامين جالية زيمبابوي في مدينة مانشستر شمالي انجلترا: “هذا الانتظار مرهق للغاية، بالنسبة لهؤلاء الذين ينتمون لثقافات تعتقد بضرورة دفن الميت في أسرع وقت ممكن”.
وساعد هوروفا، بحسب تقرير bbc، في تأسيس هذه الجمعية العام الماضي، بعد مطالبات قوية من جالية زيمبابوي، الذين يعيشون بمناطق متفرقة من بريطانيا، ويحاولون يائسين إعادة جثامين ذويهم إلى بلادهم، ويقول: “لقد وجدنا حالات لأشخاص انعزلوا حينما فقدوا أحد أحبائهم، وأصيبوا بالإحباط بشأن كيفية جمع الأموال اللازمة”.
ويضيف هوروفا أن الكثيرين منهم يشعرون بالارتياح، فقط بعد أن يدفن ذويهم في زيمبابوي، وأردف: “هذا يريح أيضا العائلة الأوسع في زيمبابوي، حيث هناك الأشخاص الذين سيعتنون بالمقابر”.