نشرت مقال في وقت سابق تحت عنوان الاصطفاف الوطني رسالة الي الاسلاميين ، وفقني الله في عرض وجهة نظري ووجدت تفاعل كبير من العديد من الشخصيات .
بعد نشر المقال قرأت بعض الردود من بعض الشخصيات المعروفة والنشطاء ويمكن تفنيد الردود الي نوعين :
النوع الاول : مؤيد لوجهة نظري
النوع الثاني : ردود معترضة مع بعض النقاط ، وهذه الردود هي محور هذا المقال
قبل ان نتطرق الي هذه الردود التي حاولت جاهدا بقدر الامكان تلخيصها في نقاط محددة، يجب ان نوضح شئ مهم من الممكن ان يراه البعض شئ طبيعي . هناك مصطلح يسمي “الارهاب الفكري” وهو مصطلح يطلقه البعض عن الهجوم المنظم علي اي فكرة تحاول ان تغرد خارج السرب او تحاول ايجاد حلول خارج الصندوق ، وهناك فرق كبير بين الهجوم والنقد . هذا “الارهاب الفكري” مقترن دائما بالجمهور النفسي لاي فريق سواء هذا الفريق مؤيد لدكتاتور فاشي او مؤيد لفكرة لا يقبل التنازل عنها ، والجمهور النفسي وضح بعض سماته الكاتب الفرنسي “غوستاف لوبون” في كتابه “سيكولوجية الجماهير” حين قال ” يكن الجمهور نفورا شعوريا تجاه كل جديد قد يغير شروط وجودها ” ، فمسألة الارهاب الفكري دائما تكون مرتبطة بالجمهور النفسي الذي لا يقبل النقاش في مسائل يراها من الثوابت او بمعني ادق جعلها من الثوابت . لكن هذا الامر لا يمكن تجاهله فمن غير المقبول مطلقا ان يصبح الحديث عن موضوع الشرعية محفوف بالارهاب الفكري ويشعر اي شخص يحاول ان يتطرق لهذه المسألة بالخوف، اذا لم نكن نحن الذين نرفع شعار الحرية لا نقبل بالاراء الاخري فمن يقبلها اذن؟؟!!
ردود تستحق الرد
1_ كيف يمكن الاصطفاف مع من شاركوا في الدماء
هذه النقطة في غاية الاهمية وكنت قد كتبت في مقالي انه يجب التفريق بين من طالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة ، وبين من ايدوا الدم بشكل مباشر، لان هناك من يصمم علي ان يضع الطرفين في خانة واحدة .مسألة المشاركة في الدماء لاشك انها من اهم المسائل التي يركز عليها المناهضون للنظام الحالي وخصوصا اولياء الدم ، ولكن في نفس الوقت تعتبر مسألة صعبة وعويصة في بعض المواقف مع بعض الشخصيات . لمزيد من التوضيح يمكننا ان نقول ان هناك احداث في الفترة الزمنية ما بين سقوط مبارك وحتي يومنا هذا تكتسي باللون الرمادي وتكون الرؤية صعبة بسبب ضبابية المشهد . فعلي سبيل المثال يحمل قطاع كبير ممن شاركوا في ثورة 25 يناير الدكتور محمد مرسي ابان حكمه مسؤولية قتل بعض المتظاهرين في احداث مختلفة من اشهرها احداث قصر الاتحادية ،وعلي الجانب الاخر يحمل انصار الشرعية بعض الحركات والشخصيات المدنية مسؤولية المجازر بعد الانقلاب العسكري . بعيدا عن الغوص في التفاصيل من المثالين نتأكد ان هناك مواقف وردود افعال من الصعب الحكم علي المتعاطين معها بشكل او باخر بانهم مشاركين في الدماء ،من وجهة نظري الشخصية فان بعض الاتهامات الموجهة الي التيار الاسلامي بعد سقوط مبارك لا تختلف كثيرا عن بعض الاتهامات الموجهة الي القوي المدنية بعد الانقلاب العسكري .هذه المسألة استنزفت وقت ومجهود كبير ووسعت الشرخ بين قوي الثورة علي الرغم من اننا جميعا نعرف من هو القاتل الاول والوحيد ، وليس معني كلامي ترك من شاركوا في الدماء بشكل مباشر (ضع تحت كلمة مباشر مائة خط) ولكن هذه المسألة تحتاج الي قضاة ومحاكم عادلة وليس الي سياسين ونشطاء . وما يدعو الي الاستغراب ايضا ان بعض النشطاء والشخصيات يتهمون المنفضين من حول نظام السيسي بانهم منافقون وغير صادقين في التوبة ، وضربوا بالنصوص الشرعية عرض الحائط وشقوا عن القلوب . يتحدثون ويرفضون المنفضين من حول السيسي كأننا الان محاصرون اخر قصر رئاسي للسيسي وسقط نظامه وانفض هؤلاء خوفا من انتقام الثوار . انا مع مقولة “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ” ولكن ليس معني الاخذ بهذه المقولة ان ننفر من يريد ترك معسكر السيسي ونخوفه ، فان لم يكن صادقا فمسألة تحييده في حد ذاتها تعتبر خطوة محمودة تحت مبدأ “الحرب خدعة” . ببساطة شخص كان احد الالسنة التي تدافع عن الباطل ايهما افضل ان نقبله بتوجس ويصمت ام نرفضه بسبب التوجس ويستمر ؟؟!!
2_ عودة الشرعية دليل علي انتهاء الانقلاب والتنازل عن الشرعية سيعطي شرعية للانقلاب
هذا النقطة ايضا مهمة اولا يجب ان نؤكد علي ان الشرعية التي ينادي بها قطاع ليس بالقليل هي متمثلة في عودة الدكتور محمد مرسي للحكم وعودة مجلسي الشعب والشوري ودستور 2012. ثانيا هذه النقطة من الممكن ان تجعل الامر اشبه بعملية حسابية معقدة اثناء محاولتك شرحها وتوضيحها ، فمثلا يمكن ان يسأل شخص ماذا لو لا قدر الله توفي الدكتور محمد مرسي داخل محبسه ؟؟!! هل بذلك تحولت الشرعية مباشرة للسيسي ؟؟!!وماذا عن السنين التي لم يكملها الدكتور مرسي بعد الانقلاب عليه هل تخصم ام يتم تعويضها ام ماذا نفعل؟؟!! و مسألة عودة مجلسي الشعب والشوري هل تنادون بعودة جميع الاعضاء حتي لو كانوا من المشاركين في الانقلاب ؟؟!! ولو استثنيتم من شارك في الانقلاب واصبح عدد النواب قليل كيف ستكملون العدد؟؟!!! .. الاجابة علي هذه الاسألة معقدة علي المثقفين وخريجي الجامعات فما بالك بمن لم يكملوا تعليمهم او المنشغلين بتوفير لقمة العيش لاولادهم . هل هذا المطلب بتفاصيله يساعد علي تشكيل جبهة قوية ضد النظام الفاشي ام انه يضعفه ؟؟!!! . مسألة اختزال عودة الشرعية كدليل علي ان الانقلاب سقط مسألة فيها نوع من انكار الحقيقة .
3_ التشكيك في نسبة 51.73% وهي نسبة فوز الدكتور مرسي
لام علينا البعض ذكر هذه النقطة واتهمونا باننا نشكك في احقية مرسي بالرئاسة ، ولكن في الحقيقة الذي لام علينا نظر الي هذه الجزئية من زاوية معينة كرد فعل علي التطرف الذي يمارسه البعض ممن يدعون تبنيهم للفكر الديمقراطي . عندما ذكرنا هذه النقطة ذكرناها من باب ماذا نحتاج لمواجهة النظام العسكري الفاشي وليس من باب التشكيك ، ذكرناها لكي نعرف هل الجمهور الذي اعطاك في الصناديق هذه النسبة في ايام الرخاء (ليس هناك غاز ولا خرطوش ولا رصاص حي) وبعد ايضا التشوية الاعلامي والاخطاء السياسية سيظل كما هو متماسك لن يقل عن نسبة ال 50% ؟؟!!.
4_ مصر اسلامية وهذه حرب علي الدين
يصر البعض علي ربط الاختلاف مع الدكتور مرسي والاخوان علي انه اختلاف مع الاسلام وهذا الاختزال للمسألة ظالم ويعتبر من اهم سمات “الارهاب الفكري” . ليس خلاف اغلب القوي مع مرسي هو خلاف مع الاسلام لكنه خلاف مع شخص يدعي الدكتور محمد مرسي يمثل جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين وهي جماعة الاخوان المسلمين . هذه النبرة تجعل شق الصف داخل معسكر الثورة اسرع ويجعل مسألة التلاحم صعبة جدا لانه ببساطة كيف يمكنني ان اتلاحم مع شخص يري ان الاسلام فقط معه ومع جماعته؟! . هذا لا ينفي ان هناك بالفعل بعض المتطرفين من القوي المدنية يريدون فرض افكار تصطدم بثوابت الدين الاسلامي .
هذه اهم النقاط التي استطعت ان استخرجها من كل الردود ، والتي اشكر اصحابها لانها وبلاشك ترسي مبدأ الحوار والنقد البناء . قبل ان انهي مقالي اريد ان اشير الي انه علي مستواي الشخصي لا انكر حق العديد ممن يطالبون بعودة الشرعية وليس بيني وبينهم عداء او خصومة سياسية ، ولكن لا بد ان يعرف الجميع اننا الان في معركة ضد الباطل وليس في طور انشاء حزب جديد او اننا نسير في ركب دولة ديمقراطية نحاول فيها ان نناور سياسيا . لابد ان نأخذ بالاسباب علي قدر المستطاع ونفكر خارج الصندوق لكي نربك خصمنا الفاشي ونتحرر من الظلم في اسرع وقت وبخسائر اقل . وانا اكتب مقالي اضع امامي صورة المعتقلين وعائلاتهم واضع امامي سيناء الحبيبة الذي يقتل فيها الابرياء بشكل شبه يومي . حاولت ان اطرح الموضوع بعيدا عن العاطفة ودققت اكثر في الواقع والذي يؤكد بشكل قاطع اننا لا نجتهد للأخذ بالاسباب ، الواقع يقول ان النظام يوما عن يوم يثبت اركانه ، الواقع يقول ان الطريقة التي نتحرك بها لمواجهة الظالم طريقة عقيمة لا تجدي نفعا وسيبقي الوضع كما هو عليه. لا انسي في احدي الحلقات التي استضاف فيها الاعلامي الكبير “محمد ناصر” احد قيادات جماعة الاخوان المسلمين وسأله ما هي اسباب قلة الحراك في الشارع ؟ فكانت اجابة القيادي غريبة نوعا ما حين قال ، من قال ان الحراك قل علي الارض!! . من يريد ان يعيش في حالة انكار الواقع فهو حر في تصرفه ولكن علي مستواي الشخصي لا استطيع انكار الواقع . ربما مثل هذه المقالات تعتبر بمثابة صدمة قوية ولكنها صدمة مفيدة كالصدمات الكهربائية لانعاش القلب، وبقي ان أؤكد اخيرا كما قال الامام الشافعي ” رأيي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”.