في خضمّ العدد المتزايد من القتلى في العراق وسورية واليمن، تتصاعد وتيرة الخطاب الطائفي عبر العالم العربي، خصوصًا في فضاء الإنترنت؛ حيث تتفاقم أصوات المتطرّفين وتنتشر الرسائل العدائية والصور العنيفة على مدار الساعة، وعلى الرغم من ذلك تُتيح وسائل الإعلام الإجتماعية مجالاً لخطابٍ حيوي متجاوزٍ للطائفية؛ إذ يُبيّن تحليل ما يفوق الـ7 ملايين تغريدة باللغة العربية تمّ بثّها بين فبراير وأغسطس 2015، أنّ أعمال العنف وبُنى الشبكات الاجتماعية تلعب دورًا أساسيًا في نقل اللغة الطائفية والمناهضة للطائفية على تويتر.
الطائفية ومناهضة الطائفية على الإنترنت
الغالبية العظمى من التغريدات التي تتضمّن لغة معادية للشيعة أو معادية للسنّة أو مناهضة للطائفية، أُرسِلت من بلدان الخليج، وتتركّز خصوصاً في المملكة العربية السعودية. وهي تعكس التوزّع الديموغرافي لموقع تويتر في العالم العربي، كما تعكس تفاقم التوترات وحملات القمع التي يمارسها النظام على السكّان الشيعة في السعودية.
اللغة المعادية للشيعة أكثر شيوعاً على الإنترنت مقارنةً مع اللغة المعادية للسنّة أو المناهضة للطائفية، ويعكس ذلك وضعيّة الأقلّية لدى الشيعة في المنطقة، والطريقة التي يتمّ فيها تضخيم اللغة المعادية للشيعة من خلال مُستخدمين نافذين على تويتر لديهم الملايين من الأتباع.
في حين سهّلت وسائل الإعلام الاجتماعية التفاعل بين السنّة والشيعة على الإنترنت، بما في ذلك تنسيق الاحتجاجات السياسية المشتركة، غالباً مايتمّ إهمال اللغة المناهضة للطائفية أو إدانتها باعتبارها دعاية مؤيّدة للشيعة.
الأحداث العنيفة وشبكات التواصل الاجتماعي وانتشار اللغة الطائفية
تؤثّر أعمال العنف على تقلّبات اللغة الطائفية على الإنترنت، خلال المرحلة قيد الدراسة، كان التدخّل بقيادة السعودية في اليمن، وهجوم الميليشيا الشيعية على تكريت لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، والتفجيرات التي نفّذها تنظيم الدولة الإسلامية في المساجد الشيعية في السعودية والكويت، أبرز الأحداث التي أدّت إلى تضخّم دراماتيكي في حجم الخطاب الطائفي على الإنترنت. وبينما كانت هذه التقلّبات واضحة، يُعتبر تصاعد الخطابات المعادية للشيعة والمعادية للسنّة قصير الأجل نسبيًا.
تنتشر اللغة الطائفية على الإنترنت عبر كلٍّ من رجال الدين، والمتطرّفين، ووسائل الإعلام، والنُخب الخليجية. تشير المحاكاة الافتراضية لشبكات إعادة التغريد إلى أن مروحة متنوّعة من الحسابات تؤثّر على انتشار اللغة الطائفية وتلك المناهضة للطائفية؛ وتشمل مؤيّدي تنظيم الدولة الإسلامية ورجال دين سلفيين، وأكاديميين ورجال أعمال خليجيين نافذين، وميليشيات شيعية، ومواطنين عربًا عاديين. وحين يتغاضى رجال الدين أو النُخب الموثوقة عن استخدام لغة تحريضية ومجرّدة من الإنسانية، أو يشجّعون على استخدامها، فإنهم يعطون مصداقية للسرديات المتطرّفة، ويساعدونها ربّما على كسب قبول أوسع في صفوف الرأي العام.
مستخدمو تويتر المتنوّعون أيديولوجيا ينخرطون ويتجادلون على تويتر. مستخدمو تويتر الذين يبثّون رسائل معادية للسنّة ومعادية للشيعة وأخرى مناهضة للطائفية، غير منعزلين في شبكات تواصل متجانسة أيديولوجيًا لابل يتجاوبون مع الخطابات المُتداولة. وهذا يوفّر فرصاً لبدء حوار سنّي-شيعي، وللتبصّر في كيفية تطوير سرديات مُقنعة أكثر لمناهضة الطائفية.
مقدّمة
يبدو أن السرديات الطائفية وخطاب الكراهية في تصاعد في جميع أنحاء العالم العربي، بدءًا من الخطب الحماسية التي ينشرها الدعاة السلفيون، وانتهاءً بأشرطة الفيديو الدامية التي يوزّعها تنظيم الدولة الإسلامية. وبينما تحتدم الصراعات في العراق وسورية واليمن، تنتشر الرسائل العدائية والصور العنيفة على مدار الساعة عبر قنوات الإعلام التقليدي والإعلام الاجتماعي على حدٍّ سواء.
وعلى الرغم من أن استخدام اللغة الطائفية ليس بالظاهرة الجديدة، تجد الافتراءات المعادية للشيعة والسنّة، والتي تجرّدهم من السمات الإنسانية، طريقها إلى الخطاب العام على نحو مطّرد.
1-إذ تشير الدراسات النوعية والتقارير الصحافية إلى أن تصعيد الحرب الأهلية السورية وتصاعد وتيرة العنف الطائفي في العراق والتدخّل في اليمن بقيادة السعودية في الآونة الأخيرة، تميّز بانتشار اللغة المتعصّبة، وخاصة خطاب الكراهية المعادي للشيعة.2 فاللغة التي تنظر إلى أفراد جماعة دينية باعتبارهم “مرتدّين” أو مسلمين مزيفين، تزداد انتشاراً ليس في أوساط رجال الدين والمقاتلين على الأرض وحسب، بل أيضاً في أوساط المواطنين العاديين مع تصاعد هذه الصراعات.3
لقد عجّلت زيادة استخدام الإعلام الاجتماعي ماتمّت الإشارة إليه بشكلٍ متفائل على أنه “دمقرطة الاتصالات” في جميع أنحاء المنطقة، لكنها أدّت في الوقت نفسه إلى تسهيل التعاون على أسس طائفية.4 على سبيل المثال، في الأيام الأولى من الربيع العربي، حاول الناشطون السنّة والشيعة في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية، لكن من دون جدوى، استخدام موقعَي تويتر وفايسبوك بصورة استراتيجية لتجاوز الانقسامات والتوحّد في معارضة الأنظمة الحاكمة في بلدانهم.5 وفي الآونة الأخيرة، ظهرت حملات على الإنترنت تدين العنف الطائفي، وخاصة في أعقاب الهجمات على المساجد الشيعية في المملكة العربية السعودية والكويت في أيار/مايو وحزيران/يونيو 2015.
وبينما قد يبدو انتشارُ خطاب الكراهية أو الرسائل المناهضة للطائفية وحدها أمراً غير منطقي نسبياً في مواجهة تصاعد أعداد ضحايا المعارك والهجمات الإرهابية، فإن الاتجاه العام في قبول أو رفض الخطاب المتعصب الذي يبثّ الفرقة، يمكن أن ينطوي على نتائج موضوعية على أرض الواقع. فلطالما استغلّت الأسر الحاكمة والمحتلّون الأجانب والساسة المحليّون والزعماء الدينيون والجماعات المتطرفة، السرديّات الطائفية ذات النكهات والأشكال المتنوّعة لحشد الدعم، في حين كانوا يشوّهون سمعة خصومهم المحتملين ويشتّتون شملهم.
اليوم ليس استثناء. فقد تكون لدرجة اللغة والإيديولوجيات الطائفية التي يتردّد صداها لدى العرب عبر المنطقة في العام 2015، تداعيات جيوسياسية هامة. على سبيل المثال، فيما تقرع الأُسَر الحاكمة الخليجية السنّية ورجال الدين المدعومون من الدولة طبول الحرب، عمدت إلى حشد شعوبها خلف التدخّل في اليمن، من خلال تصوير مايجري على أنه معركة طائفية بين إخوانهم السنّة وبين المتمرّدين الحوثيين الزيديين الشيعة الذين تدعمهم إيران.
وعلى الرغم من تعقيدات الصراع، فإن التركيز على الانقسامات الطائفية بدلاً من الدوافع الاستراتيجية للقتال مكّن هؤلاء الأُسَر من حشد الدعم المحلّي الذي تشتدّ الحاجة إليه، في حين تم إظهار من اعترضوا على أنهم خونة وموالون لإيران.
وكلما تشبّث المواطنون بالسرديّات الطائفية بسرعة، كلما سَهُل على الحكام توطيد سلطتهم وإضعاف المعارضة السياسية. وفي سياق مختلف، عندما ينتج تنظيم الدولة الإسلامية أشرطة فيديو مستوحاة من هوليوود ويتخلّلها العنف ضد الشيعة وخطاب الكراهية، يتم تصوير الخلافات الدينية القديمة لكن الكامنة في الغالب، كعناصر في معركة مدعومة إلهياً من أجل الهيمنة.7 وعندما يتم تقبّل اللغة والإيديولوجيات الطائفية على نطاق أوسع، يمكن أن تترسّخ الصراعات العنيفة أكثر وتصبح الجماعات المتطرّفة أكثر قدرة على تجنيد الأتباع والحفاظ عليهم.
على الرغم من هذه التبعات على الاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي، لايُعرف سوى القليل عن كيفية انتشار السرديات الطائفية والمناهضة للطائفية مع مرور الوقت.
وتسمح مجموعة فريدة من البيانات على موقع تويتر تم جمعها في مختبر وسائل الإعلام الاجتماعية والمشاركة السياسية في جامعة نيويورك – وهي تشكيلة تضم حوالى 7 ملايين تغريدة باللغة العربية تحوي كلمات مفتاحية معادية للشيعة والسنّة ومناهضة للطائفية، تم بثّها بين أوائل شباط/فبراير ومنتصف آب/أغسطس 2015 – بتحليل الأدوار التي تلعبها أحداث العنف والشبكات الاجتماعية في انتشار لغة التعصّب على شبكة الإنترنت.8
نظراً إلى التحدّيات التي ينطوي عليها قياس المواقف الطائفية المتغيّرة بصورة منهجية – وهو موضوع حساس للغاية – بواسطة بيانات الدراسات الاستقصائية أو طرق البحث التقليدية الأخرى، فإن بيانات تويتر توفّر صورة غير مسبوقة للزمن الحقيقي لتغيُّر الخطاب مع مرور الوقت. علاوةً على ذلك، تتيح بنية تويتر المجال لتحليل علاقات الأفراد مع النخب السياسية ورجال الدين المعروفين، والمتشدّدين الذين يعبّرون عن أنفسهم بصراحة، والجماعات المتطرّفة، وغيرهم من المواطنين على المنصّة نفسها، مايوفّر رؤية ثاقبة مفصّلة وقيّمة لبُنية شبكات الاتصالات والمصادر التي يتلقى الناس منها المعلومات.
توفّر البيانات شواهد موحية على أن حجم الخطابَين الطائفي والمناهض للطائفية على الإنترنت يتذبذب بصورة كبيرة استجابةً لحلقات العنف الإقليمية، ولاسيّما في إطار ردّ الفعل على التدخّل في اليمن بقيادة السعودية، والاشتباكات بين الميليشيات الشيعية وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وتفجيرات المساجد الشيعية في منطقة الخليج. علاوةً على ذلك، لايُعدّ مستخدمو تويتر منعزلين عن بعضهم البعض في مجموعات متجانسة إيديولوجيّاً، بل غالباً مايتناقشون ويتشاطرون آراءهم المتنوّعة والمتضاربة. وأخيراً، السرديات الطائفية على الإنترنت صادرة عن مجموعة متنوّعة من مستخدمي تويتر، بمن فيهم رجال دين بارزين، وقادة ميليشيات شيعية، وأنصار تنظيم الدولة الإسلامية، ورجال أعمال سعوديين نافذين، ووسائل إعلام تحظى بالشعبية، ومستخدمين عرب عاديين. توفّر هذه النتائج نظرة ثاقبة إلى الطريقة التي تؤثّر من خلالها الأحداث على الأرض، في التعبير عن التسامح الديني والتعصّب في الفضاء الإلكتروني، فضلاً عن الدور الذي تلعبه الأطراف الفاعلة السياسية والدينية والمتطرّفة في قيادة هذا الحوار.
مفردات الطائفية ومناهضة الطائفية على الإنترنت
في السنوات التي تلت تصاعد الحرب الأهلية السورية، تكرّر استخدام ستة مصطلحات رئيسة مهينة، للحطّ من قدر المسلمين الشيعة على الإنترنت: رافضة، وحزب الشيطان، وحزب اللات، ومجوس (المجوسية أو الزرادشتية)، ونصيرية، وصفوية.9 يشير مصطلح الرافضة إلى الشيعة الاثني عشرية، أكبر الطوائف الشيعية، ويوحي بأنهم رفضوا الإسلام “الحقيقي”، حيث يُزعَم أنهم لايعترفون بأن أبا بكر، الخليفة الأول، وخلفاءه كانوا حكاماً شرعيين بعد وفاة النبي محمد. على سبيل المثال، غرّد رجل الدين السلفي عبد العزيز الطريفي لأتباعه الذين يصل عددهم إلى حوالي 800 ألف في شباط/فبراير قائلاً: “لم يتواطأ اليهود والنصارى مع الرافضة كما يفعلون اليوم في هذا البلد وكل بلد”.1
وبالمثل، يُستخدم مصطلحا حزب الشيطان وحزب اللات للإشارة إلى حزب الله وأتباعه من الشيعة. ويلمح اسم اللات إلى إلهة اللات العربية قبل الإسلام، والتي كان يُعتقد أنها ابنة الله. هذا الاسم يَسِمُ حزب الله ومؤيديه باعتبارهم مجموعة من المشركين الكفرة. وقد تم توضيح هذه المصطلحات في تغريدة أُرسلت من حساب تابع لتنظيم الدولة الإسلامية جرى وقفه في آذار/مارس 2015: “حزب الله، حزب اللات، حزب الشيطان، حزب الصهاينة، حزب الكفرة، لن يكون هناك سلام بينك وبين المسلمين الحقيقيين”.
كلمة نصيري هي إشارة إلى أبي شعيب محمد بن نصير، مؤسّس الفرع العلوي من الإسلام الشيعي خلال القرن الثامن. وهو يوحي بأن الدين العلوي ليس ديناً سماوياً لأنه يتبع رجلاً بدل أن يتبع الله. وعلى الرغم من أنها تُستخدم في سياقات مختلفة، غالباً ماتُبرز هذه الكلمة الطبيعة الطائفية للصراع السوري، وتعمل على الحطّ من قدر العلويين. وقد غرّدت امرأة عراقية سنّية في أوائل آب/أغسطس، تحت هاشتاغ (وسم) “#جرائم الأسد: عذب جندي نصيري في جيش [الرئيس السوري] بشار الأسد، رجلاً سورياً مسلماً وزوجته ونزع حجابها أمام زوجها وضربها وعذبها”.12
وعلى المنوال نفسه، فإن كلمة مجوس مفردة ازدرائية تشير إلى الديانة الزرادشتية قبل الإسلام، وتوحي ضمناً بأن الإسلام الشيعي ليس أكثر من دين منحرف من الماضي. فقد غرّد رجل سنّي بحريني لحوالى 6 آلاف من متابعيه، موضّحاً الاستخدام الشائع لهذه الكلمة في فضاء تويتر العربي: “بعد عملية عاصفة الحزم، قدّمت أميركا تكريت هدية إلى الرافضة المجوس إيران! أمريكا هي أم الجرائم في عالمنا العربي والداعمة للمشروع الصفوي المجوسي”.13
وأخيراً، تُستخدم كلمة صفوي، التي تشير إلى السلالة الصفوية التي حكمت بلاد فارس بين 1501-1736، لتصوير علاقات الشيعة مع إيران. أحياناً تُستخدم هذه الكلمة أيضاً في تعبير “صهيو-صفوي” الجديد، للإيحاء بأن هناك مؤامرة بين إسرائيل وإيران ضد المسلمين السنّة.
وفي الوقت نفسه، أصبح العديد من الافتراءات أكثر شيوعاً لوصف المسلمين السنّة في الخطاب الطائفي: وهابي “من أتباع محمد بن عبد الوهاب”، وتكفيري “المسلم السنّي الذي يتّهم مسلماً آخر بالردّة”، وناصبي “الذين يكرهون آل محمد”، وأموي.14
ترتبط كلمة وهابي مباشرة بمن يتبعون تعاليم السلفي السنّي محمد بن عبد الوهاب، عالم الدين الرئيس الذي وضع النسخة السعودية من الإسلام السنّي. وبينما لايتمّ استخدام الكلمة بطريقة طائفية حصراً، فقد تم استخدامها في سياق الصراعات في العراق وسورية واليمن لوصف السنّة باعتبارهم وكلاء عقائديين للمملكة العربية السعودية. على سبيل المثال، غرّد حساب جيش المهدي الإلكتروني، وهو حساب على تويتر لهذه الميليشيا الشيعية العراقية، قائلاً: “الحمد الله لقد استسلم الوهابيون واعتنقوا مذهب شيعة آل بيت رسول الله. نسأل الله أن يهدي جميع اليهود الوهابيين”.15 وبالمثل، تُستخدم كلمة تكفيري كافتراءٍ طائفي لتصوير السنّة كمسلمين يعتبرون المسلمين الآخرين كفاراً.
وتصف كلمة ناصبي أهلَ السنّة بأنهم يكرهون آل محمد ويُعتبَرون غير مسلمين. فقد غرّد عضو في قوات الحشد الشعبي المتحالفة مع الشيعة، والمعرَّف على تويتر باسم علي البابلي، في أوائل آب/أغسطس قائلاً: “يا علي مَدَدْ يا مُذِلَّ النواصب!”16
وأخيراً، تشير كلمة أموي إلى الإمبراطورية الأموية في القرنَين السابع والثامن، وتُستخدم لإهانة السّنة باعتبارهم مرتكبي المظالم التاريخية ضد الشيعة. بالنسبة إلى السنّة والشيعة على حدٍّ سواء، توضح هذه الكلمات المهينة التوتّرات التاريخية القديمة، وتعمل على تصوير السنّة والشيعة لبعضهم البعض على أنهم كفار مجدّفون.
بالنسبة إلى السنّة والشيعة على حدٍّ سواء، توضح هذه الكلمات المهينة التوتّرات التاريخية القديمة، وتعمل على تصوير السنّة والشيعة لبعضهم البعض على أنهم كفار مجدّفون.
وفي مايتعلق بالخطاب المناهض للطائفية، تتضمن العبارات التي استُخدمت في الغالب للتنديد بالطائفية على الإنترنت مايلي: “لا للطائفية”، “أنا سنّي، أنا شيعي”، “الوحدة الإسلامية”، “لاشيعي ولاسنّي”. وقد تم تغريد هذه المفردات، التي غالباً ماتقدَّم في شكل هاشتاغ، في كل أنحاء العالم العربي، وهي شائعة خصوصاً في إدانة العنف. على سبيل المثال، غالباً ماظهرت هذه الكلمات، إلى جانب انتشار هاشتاغ #قبل_أن_تفجّر_نفسك، كالنار في الهشيم، وكانت تسخَر في العادة من الانتحاريين، وتدعو إلى الوحدة الوطنية في أعقاب تفجير المسجد الشيعي الكويتي في 26 حزيران/يونيو 2015. 17 وعلى هذا الأساس غرّد رجل أعمال كويتي في ذلك الوقت قائلاً: “أنا سنّي، أنا شيعي، أنا كويتي. من يفرّقون بيننا جبناء”.18
وكما تشير هذه الأوصاف والأمثلة إلى لغة الاصطلاحية الطائفية والمناهضة للطائفية الشائعة في فضاء تويتر العربي، يتم استخدام مثل هذه اللغة من جانب مستخدمي تويتر المتنوعين، الذين يناقشون كل شيء من مظالم السياسة الخارجية الطائفية إلى الدعوات للعنف والعلاقات العامة بين الجماعات. وبالتالي فإن انتشار هذه الكلمات في طائفة واسعة من التغريدات التي تعبّر عن المشاعر الطائفية، يجعلها أدوات مفيدة لبناء مجموعة بيانات من التغريدات الطائفية والمناهضة للطائفية.
يمكن تحليل ديناميكيات الخطاب الطائفي والمناهض للطائفية على الإنترنت باستخدام أكثر من 160 مليون تغريدة عربية تم جمعها من خلال مختبر وسائل الإعلام الاجتماعية والمشاركة السياسية في جامعة نيويورك من 3 شباط/فبراير حتى 17 آب/أغسطس 2015. تضمّنت هذه التغريدات مجموعة واسعة من الكلمات المفتاحية العربية المتعلّقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية، فضلاً عن العنف المستمر، بما في ذلك الكلمات المذكورة أعلاه. تمت غربلة المجموعة بعد ذلك بحيث تضمّنت كل تغريدة في مجموعة البيانات إشارة طائفية مهينة أو كلمة مفتاحية مناهضة للطائفية على الأقلّ.19 تمت إزالة كلمتَي وهابي وتكفيري من المجموعة المُغربَلة، لأن التغريدات التي تحوي هذه المصطلحات وحدها تضمّنت محتوىً واسعاً – خصوصاً إدانة الإسلاميين في مصر – لاعلاقة له بالطائفية. ونتجت عن ذلك مجموعة بيانات تصل إلى حوالى 7 ملايين تغريدة، يتضمّن معظمها لغة معادية للشيعة.
التركيبة الديموغرافية لفضاء تويتر العربي
منذ اندلاع احتجاجات الربيع العربي، نما استخدام الإعلام الاجتماعي في صفوف العرب باطّراد، حيث ارتفعت نسبة التغريدات باللغة العربية والتغريدات الآتية من منطقة الشرق الأوسط بصورة كبيرة بين عامَي 2011 و2015. 20 علاوةً على ذلك، أصبح استخدام الشبكات الاجتماعية على الإنترنت للنقاش السياسي أكثر شيوعاً.
بينما لايشكّل مستخدمو الإعلام الاجتماعي بالتأكيد عيّنة تمثيلية للسكان العرب، أصبحت تركيبتهم الديموغرافية تدريجياً أكثر تنوّعاً في السنوات الأخيرة. إذ تتراوح النسبة المئوية لمستخدمي الإعلام الاجتماعي العربي الذين يناقشون قضايا السياسة أو المجتمع أو الدين على الإنترنت بين 60-81 في المئة في عموم المنطقة.21 ووفقاً لتقرير الإعلام الاجتماعي العربي للعام 2014 (وهي سلسلة دورية ينتجها برنامج الحوكمة والابتكار في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية تحلّل وتسلّط الضوء على اتجاهات استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت في المنطقة العربية)، فإن لدى الكويت أعلى نسبة ولوج إلى تويتر أو أعلى نسبة مستخدمين لهذه الموقع من إجمالي عدد السكان في العالم العربي، تليها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين. وبينما تحتل المركز الثاني من حيث نسبة الولوج، تفخر المملكة العربية السعودية بأكبر عدد من مستخدمي تويتر في المنطقة، وتُعدّ موطناً لـ40 في المئة من جميع مستخدمي تويتر النشطين في العالم العربي. نسبة 37 في المئة من مستخدمي تويتر العرب هم من الإناث، كما أن نسباً كبيرة متزايدة من مستخدمي الإعلام الاجتماعي الآن تزيد أعمارهم على ثلاثين عاماً، في حين أن ثلثي السكان الذين يستخدمون فايسبوك هم من الفئة العمرية التي تتراوح بين خمسة عشر وتسعة وعشرين عاماً.22
هذه الفوارق الإقليمية في مستويات شعبية تويتر، تتجلّى بوضوح في كلٍّ من الموقع الجغرافي ووصف الموقع الذي يدرجه مستخدمو تويتر في مجموعة البيانات على ملفاتهم الشخصية (أنظر الرسم 1). لاتشكّل التغريدات التي تحدّد الموقع الجغرافي سوى عيّنة صغيرة من بيانات تويتر، حيث ليس من الشائع نسبياً أن يمكّن المستخدمون خدمات تحديد الموقع الجغرافي، غير أن أبرز المواقع المذكورة على ملفات تعريف مستخدمي تويتر في مجموعة البيانات تتبع نمطاً مماثلاً. ومن خلال جمع مايقرب من 7 ملايين تغريدة تتضمّن لغة معادية للشيعة أو معادية للسنّة أو مناهضة للطائفية، تَبيّن أن الغالبية العظمى منها من الخليج وتتركّز خصوصاً في المملكة العربية السعودية. بالنسبة إلى من يغرّدون محتوىً معادياً للشيعة، تُعتبر المملكة العربية السعودية والكويت و”أرض الله” (وهي عبارة كثيراً ماتستخدمها الحسابات المؤيدة لتنظيم الدولة الإسلامية) أكثر المواقع المدرجة شيوعاً. وبالنسبة إلى من يغرّدون بكلمات معادية للسنّة، تبيّن أن العراق والسعودية والكويت هي أبرز المواقع. وأخيراً، تم تغريد اللغة المناهضة للطائفية في غالب الأحيان من الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين.
من المحتمل أن تكون هيمنة المملكة العربية السعودية انعكاساً لحقيقة أن نسبة كبيرة من مستخدمي تويتر العرب النشطين سعوديون. إضافةً إلى ذلك، المملكة العربية السعودية لديها تاريخ طويل من التوتّرات الطائفية، وهي موطن لكثير من رجال الدين السلفيين المعروفين بتغريد خطاب طائفي تحريضي. لذلك، لم يكن مفاجئاً أن التغريدات الطائفية قد تكون أكثر شيوعاً في المملكة العربية السعودية مما هي عليه في أجزاء أخرى من المنطقة، ولاسيّما بالنظر إلى المستويات العالية من التغطية الإعلامية للتدخّل في اليمن بقيادة السعودية في هذه الفترة.
أحداث العنف وانتشار اللغة الطائفية على الإنترنت
يبدو أن العنف الطائفي، سواء المرتَكَب في العراق وسورية واليمن التي مزّقتها الحرب، أو الذي يبدّد الهدوء المعتاد في الكويت أو السعودية، يثير استجابة مدهشة على الإنترنت. وتنتشر أشرطة الفيديو والصور الحيّة بسرعة على تويتر، وكثيراً ماتكون مصحوبة بلغة لاإنسانية تبثّ الفرقة والانقسام. وتزداد العواطف والانفعالات حدّة، حيث يتم تصوير الصراعات باعتبارها معارك وجودية بين الجماعات الدينية، مايصعّد التهديدات المتصوّرة ويحمّل كل الشركاء في الدين مسؤولية الفظائع التي ترتكبها أقليّات صغيرة. كما أن المحاكاة الافتراضية لتذبذب مقدار التغريدات المعادية للشيعة وللسنّة والمناهضة للطائفية مع مرور الوقت، يمكن أن يوفّر نظرة ثاقبة إلى الطريقة التي تؤثّر من خلالها الأحداث على الأرض في مفردات التسامح والتعصّب الدينيَّين في فضاء الإنترنت. وهذا يعزّز النتائج الأخيرة التي تشير إلى أن العنف الطائفي يدفع إلى التعصّب، ويمكن أن تستغلّه النخب بسهولة لتحقيق أهداف طائفية.23
ارتفاع وتيرة معاداة الشيعة
حدثت الزيادة الأهم في عدد التغريدات التي تضمّنت كلمات معادية للشيعة في الفترة موضوع الدراسة، في أعقاب الغارات الجوية الأولى في اليمن في أواخر شهر آذار/مارس، عندما أطلق السعوديون عملية عاصفة الحزم ضد المتمرّدين الحوثيين الذين تدعمهم إيران (أنظر الرسم 2).24 ومع أن عدد التغريديات شهد أيضاً زيادات ضئيلة نتيجة الاشتباكات الطائفية في العراق وسورية، ونشر تنظيم الدولة الإسلامية شريط فيديو انتشر كالنار في الهشيم وأظهر مجزرة معسكر سبايكر لطلبة القوات الجوية العراقية من الشيعة، والتفجيرات التي طالت مساجد شيعية في الكويت والمملكة العربية السعودية واليمن، إلا أن التدخّل في اليمن كان، إلى حدّ كبير، الحدث الأكثر تأثيراً في تحريك اللغة المعادية للشيعة في الإعلام الاجتماعي في تلك الفترة. وما يدلّ على تأثير عملية عاصفة الحزم في مقدار التغريدات المعادية للشيعة، هو أن الهاشتاغات العربية الأكثر استخداماً في التغريدات التي تتضمن كلمات مفتاحية معادية للشيعة بين شباط/فبراير وآب/أغسطس 2015 شملت مايلي: #المملكة العربية السعودية، و#عاصفة الحزم، و#اليمن، و#إيران، و#الحوثيون. لإعطاء فكرة حول مقدار التغريدات، تم تغريد هاشتاغ #المملكة العربية السعودية 1.4 مليون مرة، وظهر كل هاشتاغ آخر أكثر من 500 ألف مرة.
عندما شاركت مقاتلات من البحرين ومصر والأردن والكويت والمغرب وقطر والسودان والإمارات العربية المتحدة في العملية التي تقودها السعودية في اليمن، اجتاح المنطقة نوعٌ من الحماس السنّي. فقد عبّر العديد من القادة العرب السنّة عن الصراع بعبارات طائفية حادّة، باعتباره حرباً ضد كل الشيعة المرتبطين بالإمبراطورية الإيرانية “الصفوية”، وصوّروا معارضة التدخّل العسكري على أنها تهديد خياني للوحدة الوطنية، في إشارة إلى واحدة من أقوى السلالات الحاكمة في فارس، والتي كرّست الإسلام الشيعي كدين للدولة.25 ربما ليس هناك الكثير من القواسم المشتركة بين المقاتلين الحوثيين في اليمن الذين ينتمون إلى الفرع الزيدي من الإسلام الشيعي، وبين الشيعة العلويين في سورية أو الشيعة في دول الخليج الذين يلتزمون بالمذهب الإسلامي الاثني عشري الأكثر شيوعاً. مع ذلك، ركّز حكام الخليج والإعلام الرسمي السعودي على وجه الخصوص اهتمامهم باستمرار على القاسم المشترك بين الإسلام الشيعي الذي يربط هذه الجماعات مع بعضها وكذلك مع إيران بصورة فضفاضة. وبتجاهلهم الهويات المحلية الأخرى والدوافع الاستراتيجية التي تحرّك الممارسات على أرض الواقع، عمل الحكام على حشد الدعم لتدخّلهم في اليمن وعلى تعزيز الوحدة الوطنية.26
في الخليج، تفاقم تأييد ومعارضة التدخّل وفق أسس دينية، فيما تمت معاقبة انتقاد التدخّل بقسوة. في المملكة العربية السعودية، سحقت قوات الأمن التي أُرسلت لمواجهة “العناصر الإرهابية” الاحتجاجات التي قادها الشيعة في المنطقة الشرقية ضدّ التدخل العسكري في اليمن، بحسب وكالة الأنباء السعودية.27 وفي حين صوّت البرلمان الكويتي بغالبية ساحقة على المشاركة في الضربات الجوية، كان كل النواب التسعة الذين عارضوا المشاركة من الشيعة.28 وبعد إدانة التدخّل عبر حسابه على تويتر، اعتُقل خالد الشطي، وهو محام كويتي بارز وعضو سابق في البرلمان، بتهمة الطعن في صلاحيات الأمير، وإضعاف معنويات الجنود الكويتيين، والإساءة إلى المملكة العربية السعودية، وتهديد العلاقات السعودية مع الكويت.29 وبالمثل، أُلقي القبض في البحرين على الناشطين الشيعة بسبب انتقادهم المشاركة في عملية عاصفة الحزم، بمن فيهم زعيم المعارضة البارز والناشط الحقوقي نبيل رجب الذي وُجّهت إليه تهمة نشر “أخبار كاذبة وإشاعات مغرضة”، كما ذكرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بعد أن غرّدَ منتقداً مشاركة البحرين وبثَّ صوراً حيّةً لجثة محترقة وطفل مدفون تحت الأنقاض.30
على الرغم من أن الحكومة السعودية وشركاءها في التحالف برّروا التدخّل رسمياً باعتباره وسيلة للقتال لاستعادة “الشرعية” و”الاستقرار” و”الوحدة” و”الأمن” في اليمن،31ومنع توغّل الحوثيين إلى داخل المملكة العربية السعودية، صوّرت المؤسّسة الدينية السعودية التدخّل بعبارات طائفية لاذعة منذ الأيام الأولى للصراع. في 26 آذار/مارس، أجازت أعلى سلطة دينية في المملكة العملية العسكرية باعتبارها حرباً للدفاع عن الدين. وأصدرت هيئة كبار العلماء فتوى، تقضي باعتبار الجنود الذين يموتون في العمليات القتالية شهداء، مشيرة إلى أن “من أعظم وسائل التقرّب من الله سبحانه وتعالى الدفاع عن حرمة الدين والمسلمين”.32 وعلى تويتر، لم يخجل رجال الدين من التلفّظ بلغة حاقدة تصوّر الصراع في اليمن على أنه حرب دينية مقدسة. وقد تجلّى ذلك من خلال سلسلة من التغريدات التي بثّها الشيخ السعودي ناصر العمر إلى 1.8 مليون من متابعيه على تويتر: “على كل مسلم أن يقوم بمسؤوليته في معركة الأمة لدحر الصفويين وأذنابهم ومنع إفسادهم في الأرض”.33 وفي شريط فيديو بُثّ عبر حسابه على تويتر في الفترة نفسها، قال العمر لعشرات من السعوديين الذين كانوا يجلسون في أحد المساجد إن “إخوانهم” في أفغانستان والعراق وسورية، واليمن يجاهدون ضد “الصفويين”.34 وبالمثل، بعد التدخّل مباشرة، سخر رجل الدين السعودي عبد العزيز الطريفي من التقليد الشيعي بزيارة المقابر العائلية، معتبراً الشيعة “أهل أوثان وعبّاد قبور” في رسالة أُعيد تغريدها أكثر من 12 ألف مرة في 8 نيسان/أبريل 2015. 35
في هذا المناخ المشحون الذي يتبنّى فيه الزعماء السنّة والمؤسّسة الدينية السرديات الطائفية العدائية، ارتفع مقدار التغريدات المعادية للشيعة بصورة حادّة. وقد أثار هذا الارتفاع في اللغة المعادية للشيعة، الممزوجة بالمشاعر الوطنية السعودية في زمن الحرب، مخاوف في أوساط الأقلية الشيعية في المنطقة. إذ أصبح السكان الشيعة في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية يشعرون بالقلق من أن التدخّل في اليمن عمّق الشكوك بالسكان الشيعة في المملكة، وزاد الضغط على الملك سلمان للتعامل بصورة أكثر قسوة مع الاضطرابات الشيعية في المستقبل.36
ارتفاع وتيرة العداء للسنّة
التغريدات المعادية للسنّة أقل شيوعاً بصورة ملحوظة من تلك التي تتضمّن لغة معادية للشيعة في هذه المجموعة من البيانات (أنظر الرسم 3). وهذا يعود جزئياً إلى حقيقة أن الكلمات المفتاحية الوحيدة المستخدمة لجمع هذه التغريدات كانت ناصبي ونواصب (من يكرهون آل محمد) وأموي، تفادياً لجمع أعداد كبيرة من التغريدات غير الطائفية والتي لاصلة لها بالموضوع. إضافةً إلى ذلك، من المرجّح كثيراً أن تأتي التغريدات المعادية للسنّة من حسابات لها عدد قليل نسبياً من المتابعين، بما فيها حسابات جماعات الميليشيات الشيعية ومؤيّديها، والتي لاتملك الجمهور المخلص لرجال الدين، وحسابات تنظيم الدولة الإسلامية، والمستخدمين الآخرين المؤثّرين الذين يوجّهون اللغة المعادية للشيعة. إضافةً إلى ذلك، ونظراً إلى وضع الشيعة المحفوف بالمخاطر في أنحاء المنطقة في غالب الأحيان، باعتبارهم أقليّة محرومة نسبياً، من غير المستغرب أن تكون اللغة المعادية للسنّة أقلّ شيوعاً.
في الأشهر الستة موضوع الدراسة، يبدو أيضاً أن الزيادات العديدة في مقدار التغريدات التي تتضمّن مفردات معادية للسنّة، تتوافق مع أحداث العنف على أرض الواقع، على الرغم من الانخفاض النسبي في مقدار الرسائل. وعلى الرغم من أن العنف المستمر في سورية يسهم في هذه التقلّبات، فإن الكثير من التغريدات التي بُثّت بالتزامن مع ارتفاع مقدار التغريدات المعادية للسنّة، تشير إلى العنف الطائفي في العراق. ربما يكون هذا الوضع متأثراً بعدد السكان الشيعة الكبير في العراق مقارنةً مع سورية، فضلاً عن حقيقة أن القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، ولاسيّما دور الميليشيات الشيعية المدعومة من الحكومة العراقية وإيران، حظي بقدرٍ كبير من الاهتمام الإعلامي في هذه الفترة.
ويبدو أن الزيادة في حجم خطاب الكراهية ضدّ السنّة على تويتر مدفوع بمزيج من الاعتداد بالنفس والخوف لدى عموم الشيعة. فمن ناحية، يبدو أن الشعور الوطني لدى عموم الشيعة يشهد ارتفاعاً، حيث يشعر السكان الشيعة في دول الخليج بالجرأة بسبب الصعود السياسي لشيعة العراق ونجاح الميليشيات الشيعية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. مع ذلك، يشعر الشيعة في دول الخليج التي يهيمن عليها السنّة، من ناحية أخرى، بأنهم مهدّدون، ويخشون الانتقام منهم، بسبب أعمال العنف التي يرتكبها الشيعة في أنحاء المنطقة، سواء كان ذلك في العراق أو سورية أو اليمن.
حدثت أول زيادتين في عدد التغريدات، أثناء تكثيف الهجوم على تكريت بقيادة الجيش العراقي والميليشيات الشيعية ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في منتصف آذار/مارس، وحربهما لاستعادة تكريت في أواخر آذار/مارس.37 اعتُبر الهجوم على تكريت انتقاماً للمجزرة التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية بحق 1700 من الجنود الشيعة في معسكر سبايكر في حزيران/يونيو 2014. شارك مايصل إلى 30 ألفاً من القوات الموالية للحكومة العراقية في الهجوم، ينتمي معظمهم إلى الميليشيات الشيعية تحت مظلة قوات الحشد الشعبي.38 ووسط تقارير عن الفظائع التي ارتكبتها الميليشيات الشيعية ضد المدنيين السنّة، من غير المستغرب أن وابلاً من اللغة الطائفية العنيفة كان يتخّلل في كثير من الأحيان حسابات الإعلام الاجتماعي التابعة للميليشيات الشيعية في هذه الفترة.39 وعلى هذا المنوال، غرّد حساب يرتبط بقناة “أهل البيت” الفضائية العراقية الشيعية، في أعقاب الحشد للهجوم على تكريت: “يا شيعة العراق، لقد هزمتم النواصب في تكريت، وبالتالي فإن النواصب سينتقمون من إخوانكم في البحرين! انصروهم على أعدائهم! #حرروا تكريت”.40 وبينما بدا أن معظم التغريدات تركّز على استعادة تكريت على يد قوات الحكومة العراقية والميليشيات الشيعية، تزامنت الزيادة الثانية في عدد التغريدات أيضاً مع استيلاء المتمرّدين السوريين ذوي الأغلبية السنّية على معبر رئيسي على الحدود الأردنية كانت تسيطر عليه قوات بشار الأسد ومقاتلو حزب الله الذي تدعمه إيران.41
حدث التذبذب الكبير الثالث في مقدار التغريدات، في أعقاب اشتباكات جرت بين تنظيم الدولة الإسلامية والميليشيات الشيعية في الرمادي في العراق، في أواخر نيسان/أبريل،42 وطرأت الزيادة الرابعة في أعقاب هجوم تنظيم الدولة الإسلامية على مسجد شيعي في القطيف في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية في أواخر أيار/مايو. بعيداً عن الإنترنت، لعبت اللغة المعادية للسنّة أيضاً دوراً رئيساً في الاقتتال الطائفي. على سبيل المثال، في أعقاب هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في القطيف، أطلقت الميليشيات الشيعية في العراق على حملتها لاستعادة الرمادي من قوات التنظيم اسم “لبيك يا حسين”.43 ونظراً إلى أن الهجوم على المسجد وقع يوم ميلاد الإمام الحسين، حفيد النبي محمد الذي مات شهيداً ويحظى بتبجيل خاص من الشيعة ويتم الاحتفال بوفاته سنوياً خلال طقوس عاشوراء، فإن لهذا الاسم أهمية خاصة. ونظراً إلى معارضة السلفيين المتشدّدين والإسلام السعودي الوهابي الشديدة لتقديس الشيعة للحسين، فقد كان واضحاً أن اسم الحملة صُمّم كاستفزاز طائفي رداً على تفجير المسجد.
حدثت الزيادة الأخيرة في عدد التغريدات عقب إصدار تنظيم الدولة الإسلامية شريط فيديو مروّعاً، أظهر مقاتليه وهم يحرقون ويغرقون ويفجّرون رجالاً، يُفترض أنهم عراقيون شيعة، متّهمين بمساعدة الولايات المتحدة وحلفائها في قصف قواعد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية.44
كما تشير الهاشتاغات الأكثر شيوعاً في التغريدات المعادية للسنّة في هذه الفترة، #كفار و#العراق، و#داعش (عبارة مهينة لتنظيم الدولة الإسلامية) و#وهابي و#سلفي و#الحشد الشعبي، إلى التأثير القوي لمعارضة الدولة الإسلامية على هذه السرديّات. على سبيل المثال، تتضمّن الكثير من التغريدات المعادية للسنّة في هذه المجموعة من البيانات لغة مشابهة للغة تغريدة أُرسلت من حساب إحدى الميليشيات الشيعية: “اللهم انصر قوات الحشد الشعبي وقواتنا الأمنية في المعركة ضد داعش الناصبية الوهابية، لعنة الله عليهم”.45 وقد تم تغريد هذه الهاشتاغات بين 95 و270 مرّة في مجموعة البيانات، مايعكس قدراً أقلّ بكثير من التغريدات التي تتضمن لغة معادية للسنّة مقارنةً مع اللغة المعادية للشيعة.
اللغة المناهضة للطائفية
على غرار اللغة الطائفية المعادية للسنّة وللشيعة، يبدو أن اللغة المناهضة للطائفية في هذه الفترة أيضاً مطابقة لأحداث العنف على الأرض (أنظر الرسم 4). على وجه الخصوص، فقد قوبِلت تفجيرات المساجد الشيعية التي قام بها تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية واليمن والكويت بدعوات عبر الإنترنت لوقف العنف واللغة الطائفية، وكذلك بالغضب على مرتكبي هذه الهجمات.
حدثت أول زيادة متواضعة نسبياً في عدد التغريدات المناهضة للطائفية بعد تفجير انتحاري أثناء صلاة الجمعة يوم 22 أيار/مايو 2015، في مسجد الإمام علي بن أبي طالب للشيعة في قرية قديح في المنطقة الشرقية.46 وبعد أسبوع، عصف العنف بالمنطقة مرّة أخرى عندما انفجرت سيارة ملغومة في مسجد شيعي في الدمام، ما أدّى إلى تذبذب ثانٍ في مقدار التغريدات.47 بعد الهجمات، تعهّدت الحكومة السعودية بالالتزام بالوحدة الوطنية غير الطائفية وتقديم تعويضات للمجتمعات الشيعية التي تأثّرت بالهجمات.48 وعلى الرغم من أن تلك اللفتة لم تفعل شيئاً يذكر لتهدئة مخاوف الشيعة السعوديين من الاضطهاد في مناخ طائفي مشحون على نحو متزايد، فقد زادت إدانات الهجمات والدعوات المنادية بوضع حدّ للطائفية في أعقاب أحداث العنف.
جاءت الزيادة الثالثة الأكثر تواضعاً في التغريدات التي تتضمن لغة مناهضة للطائفية، بعد سلسلة من التفجيرات لمساجد الشيعة في اليمن نفذها تنظيم الدولة الإسلامية وأودت بحياة أكثر من 142 شخصاً.49 وقد أعلن فرع اليمن من تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم على الإنترنت، واصفاً المتمرّدين الحوثيين بأنهم عملاء لإيران، ومشيراً إلى أن “الحوثيين الكفرة يجب أن يعرفوا أن جنود الدولة الإسلامية لن يهدأ لهم بال حتى يقضوا عليهم… ويقطعوا ذراع الخطة الصفوية في اليمن”.50 وردّاً على هذه الهجمات الدموية، ظهرت من جديد على تويتر دعوات إلى الوحدة الإسلامية وإدانات للعنف.
الزيادة الأكثر دراماتيكية في مقدار التغريدات المناهضة للطائفية، حدثت في أعقاب الهجوم الذي شنّه تنظيم الدولة الإسلامية على مسجد الإمام الصادق في الكويت، وهو أحد أكبر دور العبادة الشيعية في البلاد، في 26 حزيران/يونيو 2015. 51 في أعقاب الهجوم، قام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح شخصيّاً بزيارة المسجد. وأظهرت لقطات التلفزيون الحكومي والصور على الإعلام الاجتماعي، الأمير يشقّ طريقه بين حشود غفيرة أمام المسجد لدخول المبنى وتفقّد الأضرار. كما حضر وزراء الحكومة، بمن فيهم رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح، لزيارة الجرحى. في أعقاب الهجوم، أغلقت الحكومة محطة تلفزيون “الوطن” المعروفة ببثّ لغة معادية للشيعة.52 وفي حين تستمر التوتّرات الطائفية بالتأكيد، فإن المواطنين الشيعة مندمجون نسبياً في الدولة الكويتية، ولاسيّما مقارنةً مع السكان الشيعة في البحرين والمملكة العربية السعودية. إذ يُمنح الشيعة الكويتيون حقوق المواطنة: يُسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية، والتصويت والترشّح في الانتخابات، وتولّي المناصب، واستخدام مدوّناتهم القانونية وتقاليدهم في قوانين الأحوال الشخصية.53 وفي ضوء هذه الخلفية، من غير المستغرب أن يُلقى أي هجوم على مسجد شيعي في الكويت تنديداً قويّاً للغاية وإدانات للغة الطائفية والعنف.
الشبكات الاجتماعية وديناميكيات التواصل الطائفي
إضافةً إلى تسهيل الدراسة الديناميكية للخطاب الطائفي على الإنترنت، استجابةً للأحداث على أرض الواقع، توفّر بنية تويتر نظرة ثاقبة إلى الآليات التي يتم من خلالها نشر اللغة الطائفية والمناهضة للطائفية في فضاء تويتر العربي. وتقدّم شبكات إعادة التغريد، على وجه الخصوص، معلومات مفصّلة عن المستخدمين الذين يُدفعون إلى المحادثات الطائفية على شبكة الإنترنت، وكذلك الطريقة التي تتواصل من خلالها الأطراف الفاعلة المتنوّعة. فعندما يغرّد الناس، ربما يعيد مستخدمو تويتر الآخرون نشر تغريداتهم، فيكرّرون الرسالة كي يشاهدها متابعوهم. وتمثّل كل إعادة تغريد تدفّقاً في اتجاه واحد للمعلومات يربط الشخص الأول بكل شخص يعيد أو يرسل التغريدة الأصلية لمتابعيه، وبالتالي ينشئ شبكة إعادة تغريد. وتوضح هذه الشبكات (أنظر الرسوم 5 و6 و7 أدناه) العملية التي يؤثّر بواسطتها مستخدمو تويتر المتنوعون والمؤثّرون، على انتشار اللغة الطائفية والمناهضة للطائفية، وكذلك الطريقة التي يدخل بها المستخدمون الذين يتبنّون الرسائل المعادية للشيعة وللسنة والمناهضة للطائفية في نقاشات مع بعضهم البعض على الإنترنت.
تظهر شبكة إعادة التغريد المعادية للشيعة في الرسم 5 مستخدمي تويتر ممثّلين بنقاط أو عقد ذات أحجام مختلفة، ويرتبطون بخطوط أو حواف رمادية رقيقة تمثّل تدفّق المعلومات أحادي الاتجاه في شكل إعادة تغريد.54 يتم تحديد حجم العقدة عن طريق عدد المرّات التي يُعاد فيها تغريد الرسائل الخاصة بمستخدم معيّن. المستخدمون في الشبكة الأكثر تواصلاً يتقرّبون من بعضهم البعض، في حين يبتعد المستخدمون الأقل تواصلاً أكثر فأكثر نتيجةً لجاذبية المستخدمين المتواصلين بقوة أكبر.55 أمّا المستخدمون الذين يُعاد إرسال تغريداتهم بمعدّلات مرتفعة، فقد تمّ ترميزهم بالألوان بهدف تقييم الدوافع الرئيسة للغة المعادية للشيعة على الإنترنت. كما يتّخذ الأشخاص الأكثر تواصلاً مع هؤلاء المستخدمين المؤثّرين في الشبكة لون المستخدم المؤثّر.
كما يشير الرسم البياني لشبكة إعادة التغريد المعادية للشيعة، يتكوّن جزء كبير من شبكة إعادة التغريد من رسائل صادرة عن حسابات تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية أو تدعمه (النقاط الحمراء). وفي حين أن المركز الأحمر الكبير في الشبكة الذي يتألف من رسائل أعيد تغريدها لحسابات موالية لتنظيم الدولة الإسلامية يبدو متصلاً بكثافة، تنتشر الحسابات الأخرى التي تعيد إرسال تغريدات التنظيم في كل أنحاء الشبكة. قد تكون هذه المجموعة المتصلة بكثافة واتّساع رقعتها في أنحاء الشبكة كافة، انعكاساً لاستراتيجية التنظيم في الإعلام الاجتماعي المصمّمة بصورة محترفة. يوظّف تنظيم الدولة الإسلامية تكتيك الصدمة الدموي الموثّق جيداً على الإنترنت، والذي ينتج فيه أشرطة فيديو بجودة أفلام هوليوود وصوراً تظهر بالتفصيل عمليات القتل الوحشية للرهائن والهجمات الإرهابية وأحداث العنف الأخرى، والتي يتم بعد ذلك نشرها بواسطة مستخدمي الإعلام الاجتماعي الرسمي التابع لتنظيم الدولة الإسلامية، وهي شبكة كبيرة تتكوّن من “المعجبين” بتنظيم الدولة الإسلامية، كما وصفهم واضعو أحد التقارير، ومن يستخدمون تويتر بانتظام.56 كما اشتهر التنظيم بالقدرة على الوصول إلى جمهور عالمي كبير عن طريق اختطاف الهاشتاغات الشائعة والاستفادة من منصات الإعلام الاجتماعي بصورة خلاّقة. وتتجلّى طبيعة الانتشار السريع لهذا التواصل من خلال البنية الكثيفة وبعيدة الأثر لإعادة إرسال تغريدات تنظيم الدولة الإسلامية المعادية للشيعة، فضلاً عن ارتفاع معدلات إعادة التغريد التي تتمتع بها حساباته. فمن ناحية، يشكّل التواصل الذي تحدثه هذه الحسابات مجتمعاً متماسكاً يعيد فيه المستخدمون من ذوي الميول المشتركة تغريد محتوى بعضهم البعض. ومن ناحية أخرى، يتفاعل المستخدمون المؤيّدون لتنظيم الدولة الإسلامية أيضاً مع المحتوى الذي تنتجه مصادر متنوّعة، من رجال دين ورجال أعمال سعوديين بارزين ووسائل الإعلام الطائفية، ويستجيبون له.
وكما تشير النقاط الخضراء الكبيرة في الرسم البياني للشبكة، فقد غرّد عدد قليل من رجال الدين السلفيين برسائل تتضمن لغة معادية للشيعة، تمت بعد ذلك إعادة تغريدها بأعداد كبيرة، وشكّلت أكبر مادّة في الشبكة. رجال الدين الذين تمتّعوا بأعلى معدّلات إعادة نشر لتغريداتهم في هذه الشبكة هم محمد العريفي وناصر العمر وسعود الشريم وعبد العزيز الطريفي. وفي الوقت الذي تم فيه جمع هذه البيانات، كان رجال الدين هؤلاء يحظون بأعداد كبيرة من المتابعين على تويتر، إذ بلغوا تباعاً 12.7 مليون و1.8 مليون و1.25 مليون و800 ألف متابع.57
تلعب وسائل الإعلام الطائفية، وحسابات تويتر المعادية للشيعة صراحةً، وحسابات تويتر الخليجية المؤثّرة أيضاً، دوراً رئيساً في نشر اللغة المعادية للشيعة في كل جزء من الشبكة. كما تنتج وسائل الإعلام الطائفية، وهي النقاط البرتقالية في هذه الشبكة، بما فيها شبكة “وصال” الفضائية المعادية للشيعة بشدّة، والتي لديها مايقرب من 600 ألف متابع، وقناة “صفا” التلفزيونية التي لديها مايقرب من 340 ألف متابع، محتوى معادياً للشيعة يُعاد تغريده على نطاق واسع.58 إضافةً إلى ذلك، يلعب العديد من رجال الأعمال الخليجيين دوراً رئيساً في الدفع إلى السرد الطائفي. تم تمثيل رجل الأعمال والأكاديمي السعودي خالد آل سعود الذي لديه 240 ألف متابع،59 ورجل الأعمال السعودي خالد العلكمي، ولديه أكثر من 200 ألف متابع،60 ورجل الأعمال بندر بن محمد الراجحي المقيم في دبي، ولديه أكثر من 60 ألف متابع، بالنقاط الكبيرة في القسم الأرجواني من الرسم البياني لإعادة التغريد.61 كما يتوفّر عدد قليل من حسابات تويتر المكرّسة للمحتوى المعادي للشيعة، الممثّلة بالنقاط الفيروزية، على معدلات عالية نسبياً من إعادة التغريد. وهي تشمل حسابات مثل “الخطر الصفوي” و”خطر إيران”، إضافةً إلى حساب اسمه “جيش السنّة”، الذي لديه مابين 20-90 ألف متابع تقريباً، ويتبادل تحديثات الأخبار واللغة الطائفية المتكرّرة المعادية للشيعة.62 وأخيراً، يمكن ملاحظة تأثير أحد الحسابات القطرية في تويتر، ولديه أكثر من 30 ألف متابع، في الجزء الأصفر الصغير من الشبكة.63
توفّر المحاكاة الافتراضية لشبكة إعادة التغريد المعادية للسنّة في الرسم 6 رؤية معمّقة وهامة للطريقة المختلفة، والمتناقضة في بعض الأحيان، التي تُستخدم فيها اللغة الازدرائية المعادية للسنّة في فضاء تويتر العربي.
خلافاً لشبكة إعادة التغريد المعادية للشيعة، لاتدفع الشخصيات الفاعلة المعروفة من النخبة التي لديها حسابات بمئات الآلاف من المتابعين، إلى اللغة المعادية للسنّة. وتتضمن مجموعة النقاط الزرقاء في مركز الرسم البياني للشبكة تغريدات تعبّر عن مشاعر معادية للسنّة مرسَلة من مجموعة متنوّعة من الحسابات الصغيرة نسبياً، وهي موجودة في العراق أساساً. ويرتبط العديد من هذه الحسابات بالميليشيات الشيعية، أو تحوي معرّفات موالية للميليشيات الشيعية في السير الذاتية لأصحابها على تويتر. أحد النماذج لتغريدة معادية للسنّة في مجموعة النقاط الزرقاء جاء من حساب “الأيام المهدوية”، الذي لديه أكثر من 6 آلاف متابع، في منتصف تموز/يوليو: “#نصر من الله: الفتح قريب، راية #الإمام المهدي تُرفع في وسط الفلوجة رغم الدناءة القذرة لنواصب العالم”.64
وكما تُظهر النقاط الحمراء في الرسم البياني للشبكة، يتم توجيه بعض الرسائل، التي يُعاد نشرها أكثر من سواها وتتضمن لغة معادية للسنّة، إلى تنظيم الدولة الإسلامية. على سبيل المثال، غرّد حساب موالٍ للميليشيات الشيعية موجود في بغداد (لديه حوالى 45 ألف متابع ومتخصّص في تحديد ووقف حسابات تنظيم الدولة الإسلامية على تويتر) في أعقاب تفجير مسجد القطيف: “أوقفوا حساب داعش الناصبي، الذين لايؤمنون بإله الشيعة. حاربوا داعش بكل مالديكم من قوة، يا شيعة علي”.65 تم إرسال أنواع مماثلة من الرسائل المعادية لتنظيم الدولة الإسلامية والتي تتضمن لغة معادية للسنّة من حسابات ممثَّلة بنقاط حمراء أصغر حجماً، بما في ذلك التغريدة التالية التي أرسلها حسابhassansharif50 الموجود في البحرين في منتصف شهر آب/أغسطس: “أنت سني، أنت وهابي ناصبي، أنت ابن أحد الكلاب اليهودية والأميركية، يا نواصب يا دواعش”.66
إضافةً إلى هذه اللغة المعادية للسنّة، جمعت مجموعة بيانات التغريدات التي تتضمّن افتراءات معادية للسنة تغريدات من مستخدمين اعترضوا على استخدام لغة معادية للسنّة. وعموماً، فقد عبّر هؤلاء المستخدمون، الذين تم تمثيلهم بالنقاط الخضراء، عن مشاعر معادية للشيعة. على سبيل المثال، غرّد محام كويتي لديه أكثر من 12 ألف متابع، قائلاً: “لأي سنّي يتعرض لأي إهانة تتهمه بأنه تكفيري وهابي داعشي من أي حثالة على تويتر، اطرح القضية على الفور!”67 كما غرّد مستخدم موجود في الخليج، يطلق على نفسه اسم أبو أحمد، معبّراً عن مشاعر معادية للشيعة أكثر صراحةً، في أوائل حزيران/يونيو، قائلاً: “والدة أحد عناصر #حالش المجرم [عبارة مهينة لحزب الله] تفتخر بأن ابنها قتل سبعة عشر من سنة سورية النواصب. اقتلي نفسك”.68 وبالمثل، غرّد الشيخ عدنان العرعور، وهو رجل دين سنّي من حماة في سورية، في أيار/مايو، قائلاً: “سلوك الرافضة في #العراق و#سورية و#اليمن هو قتل الأبرياء، واغتصاب النساء، وسرقة الممتلكات. إنه التعريف الدقيق لكلمة ناصبي، التي يمتلكونها ويستخدمونها في كتاباتهم”.69
يتم بثّ معظم تغريدات المستخدمين المؤثّرين في الشبكة المناهضة للطائفية من حسابات صغيرة نسبياً، مشابهة للشبكة المعادية للسنّة في الرسم 6. تمثّل العقد الزرقاء في الرسم 7 المستخدمين الذين يعبّرون عن مشاعر مناهضة للطائفية صراحةً. وكما يوحي التداخل بين المجموعات الخضراء والزرقاء، يستجيب مستخدمو تويتر السنّة وينخرطون في أحاديث مع المستخدمين الذين يغرّدون بلغة معادية للسنّة.
في الواقع، كان الكثير من التغريدات التي تحفّز على الحديث عن مناهضة الطائفية في هذه الفترة رسائل تدين الترويج للتسامح باعتباره دعاية شيعية. تم تمثيل المستخدمين المؤثرين الذين يعبّرون عن هذه الآراء بالنقاط الخضراء. على سبيل المثال، غرّد حساب موجود في العراق ومعروف باسم “حساب محاكاة ساخرة ليبرالية” في أواخر أيار/مايو لمتابعيه الـ6 آلاف في أعقاب تفجيرات المساجد السعودية، قائلاً: “جيش شيعة العراق #يحرق الشباب السنّة ويعذب شيخاً سنّياً ويعرض جثث السنّة، ثم تأتي ليبرالية وتقول”لا للطائفية””.70 وغرّد حساب مؤثّر آخر، يستخدم الاسم المستعار “عبد الله السلفي”، في أوائل حزيران/يونيو لمتابعيه الـ46 ألفاً، قائلاً: “الرافضة في المنطقة الشرقية يرفعون رايات تحمل صور مجرمي حزب الله ويطالبون بالإفراج عنهم؟! ثم يقولون لا للطائفية!!”.71 وعلى المنوال نفسه، غرّد مستخدم سعودي آخر معروف باسم “الناقد السياسي”، في الفترة نفسها، قائلاً: “يحرقون ويقتلون أهل السنة بدم بارد ثم يقولون”لا للطائفية”… إنها مأساة. السياسة المنهجية للحشد #الشيعي المجوسي تحرق السعودية”.72 وكما تصوّر شبكة إعادة التغريد المناهضة للطائفية، يتجمّع مستخدمو تويتر المعادون للشيعة، باللون الأخضر، بإحكام حول هؤلاء المستخدمين المؤثّرين، غير أنهم أيضاً يدخلون في نقاش مباشر مع المستخدمين الزرق الذين يغرّدون محتوىً مناهضاً للطائفية.
بُثَّت غالبية التغريدات التي تعبّر عن مشاعر مناهضة للطائفية من مستخدمي تويتر الخليجيين في أعقاب تفجير مسجد الكويت في 26 حزيران/يونيو 2015 (أنظر الرسم 4). على سبيل المثال، كتبت الأكاديمية الإماراتية وفاء أحمد، وهي إحدى مستخدمات اللغة المناهضة للطائفية ولديها نسبة عالية نسبياً من إعادة التغريد، قائلةً: “فجَّروا مسجداً شيعياً لزرع الفتنة. ولكن هل تعرف أين يؤبّنونهم؟ في المسجد الكبير [مسجد سنّي]. #لا للطائفية، #مع الكويت ضد الإرهاب”.73 كانت تغريدتها تشير إلى تجمّع المئات من المسلمين الشيعة والسنة الذين صلّوا من أجل الوحدة الوطنية في مسجد الكويت الكبير بعد أسبوع من الهجوم.74 وهناك مستخدمون آخرون في هذه المجموعة من البيانات استخدموا لغة مماثلة، مثل التغريدة التي بثّها حساب معروف باسم “سندريلا الكويت” ولديه أكثر من 6 آلاف متابع، يوم الهجوم على المسجد، قائلاً: “لا للطائفية، لا لقتل المسلمين، لا إله إلا الله محمد رسول الله. نحن نرفض قتل المسلمين الشيعة أو السنّة، إعادة تغريد، إعادة تغريد يا أمّة محمد”.75
خاتمة
بعد أربع سنوات من اندلاع الحرب الأهلية السورية، وبينما تواجه الميليشيات الشيعية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، لاتزال الدول العربية السنيّة متورّطة في الصراع الدائر في اليمن. وبعد أن عصفت الهجمات الإرهابية المعادية للشيعة بدول الخليج الهادئة في العادة، لايُعرف سوى القليل عن مدى تأثير هذه الأحداث الطائفية العنيفة بصورة منهجية على المواقف في أنحاء المنطقة كافة. ففي المجتمعات العربية غير الديمقراطية أساساً، حيث غالباً ماتستخدم الأسر الحاكمة والزعماء الدينيون السرديّات الطائفية لإضعاف خصومهم السياسيين ومنافسيهم المحتملين، يمكن أن تترتّب على ارتفاع التوتّرات الطائفية عواقب كبيرة على ديمومة السلطوية والإصلاح السياسي ودعم الإيديولوجيات المتطرّفة.
توفّر مجموعة بيانات 7 ملايين تغريدة دليلاً بارزاً على أن حجم اللغة الطائفية على الإنترنت يتزايد بصورة حادّة استجابةً لأحداث العنف على أرض الواقع، ولاسيّما في إطار ردّ الفعل على التدخّل في اليمن بقيادة السعودية، والاشتباكات بين الميليشيات الشيعية وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وتفجير المساجد الشيعية في منطقة الخليج. وبينما قد يبدو الأمر وكأن هذه النتائج ترسم صورة قاتمة لحالة العداء الطائفي في العالم العربي اليوم، تشير حقيقة تذبذب مستويات خطاب الكراهية المعادي للشيعة وللسنّة بسرعة – على الأقلّ في المدى القصير – وعودتها إلى التوازن عموماً في أعقاب أحداث العنف، إلى أن تصاعد العداء الطائفي قد يكون قصير الأجل.
إضافةً إلى ذلك، تشير البيانات إلى أن مجموعة متنوّعة من مستخدمي تويتر هي التي تدفع إلى السرد الطائفي عبر الإنترنت، بما في ذلك رجال دين بارزون، وقادة ميليشيات شيعية، وأنصار تنظيم الدولة الإسلامية، ورجال أعمال سعوديون نافذون، ووسائل إعلام تحظى بالشعبية، ومستخدمون عرب عاديون. غير أن التداخل بين المحتوى الذي ينشره تنظيم الدولة الإسلامية والمتعاطفون معه، والنقد الطائفي اللاذع الذي يبثّه رجال الدين المؤثّرون وكبار رجال الأعمال والمعلّقون في وسائل الإعلام الخليجية، يبدو مثيراً للقلق بصورة خاصة. فعندما ينتقل خطاب الكراهية من عالم الإرهابيين والمتطرّفين إلى الفعاليات التي تحظى بالدعم من الدولة ومن المجتمع، تزداد السرديات الطائفية قوةً، الأمر الذي يغذّي التعصّب ويزيد إقصاء السكان المهمشين في أنحاء المنطقة كافة.
على الرغم من ذلك، وبينما قد تعمل أطراف فاعلة بارزة على تسريع وتيرة انتشار اللغة الطائفية، فإن في وسعها أيضاً أن تستخدم تأثيرها على شبكة الإنترنت، وبعيداً عنها، للتخفيف من آثارها. ومع أن الإعلام الاجتماعي يضخّم في كثير من الأحيان الأصوات الأكثر استقطاباً، إلا أن في وسعه أيضاً توفير وسيلة قيّمة للقيادات المؤثّرة للتواصل العابر للطوائف. يتم إبراز هذه الفرص من خلال النتيجة القائلة إن مستخدمي تويتر، الذين يتبنّون رسائل متنوّعة ومتعارضة في كثير من الأحيان، غالباً مايدخلون في نقاشات مع بعضهم وهم ليسوا منعزلين عن بعضهم البعض في مجموعات متجانسة إيديولوجيّاً. ومع أن الرسائل المناهضة للطائفية تُعتبر أحياناً بمثابة دعاية مؤيّدة للشيعة، فإن التسليم بوجود أوجه قصور في هذه السرديّات قد يوفّر مصدر إلهام جديداً ورؤية ثاقبة للنشطاء الذين يسعون إلى تحقيق التعاون بين السنّة والشيعة في المنطقة.
مع أن بيانات الإعلام الاجتماعي وحدها لاتعبّر بشكلٍ كامل عن حالة الاحتقان الطائفي في العالم العربي، إلا أن هذه المعلومات ترسم صورة تجريبية مفصّلة للطريقة التي تكتسب من خلالها السرديّات الطائفية زخماً على المدى القصير، وكذلك الأطراف الفاعلة التي تسهم في انتشار خطاب الكراهية، إضافةً إلى الحوار المتسامح في كافة أنحاء المنطقة. ومن خلال توفير مقياس للزمن الحقيقي للغة الطائفية المتحوّلة في العالم العربي، تقدّم بيانات تويتر نظرة ثاقبة فريدة إلى أهم مصادر الصراعات والتطرّف العنيف المزعزِعة للاستقرار التي تواجه العالم اليوم.
_____________________________________________________________________________________________________