دخلت أزمة الإخوان في مصر مرحلة تنذر بخطر كبير، ولا يخفى على متابع ما جد من أحداث، وقد يرى بعض المتأملين في هذه المستجدات أن هذا الخلاف نهاية للإخوان المسلمين كجماعة، لكن رؤية أخرى أميل إليها، ترى أن هذا الخلاف علامة حيوية على حراك داخل الجماعة، وإن علا وطفا فيه سلوكيات ليست مقبولة، وأن الجماعة ليست كيانا مصمتا، بل كيان حيوي، وإن بدت حيويته في شكل خلافات كبيرة.
إن الحلول كما أتصورها، ويتصورها غيري من جمهور الإخوان المسلمين، تتمثل في حلول جذرية، وتبنى على بعض ما صرح به بعض أطراف الأزمة، وكان آخرها بيان د. محمد كمال الذي طرح فيه أن يتأخر الجميع خطوة، ويتقدم الشباب لتولي المهمات والمسؤوليات، وهو طرح مقبول، وبقي أن يجيب بقية الأطراف عنه، ليثبت بذلك لجمهور الإخوان هل الخلاف كما حاول البعض تصديره للناس أنه خلاف على السلمية، أم على مناصب الجماعة، فأما السلمية فالكل متفق عليها، وأما المناصب فقد تخلى عنها طرف، فهل يتخلى الطرف الآخر، أم يظل مصرا على القيادة من المهد إلى اللحد؟ الأيام القليلة المقبلة ستكون كاشفة عن صحة النوايا، وهل المقدم هنا الجماعة أم الأفراد؟
إن الحديث عن تفعيل لوائح قديمة في هذه الفترة هو لون من العبث الفكري والحركي، إذ إن تاريخ الإخوان في المحن كلها، لم يعتمد فيه اللوائح كحل للخروج من أزمتها ومحنتها، فعندما استشهد الإمام البنا، ظل الإخوان فترة طويلة بلا مرشد، واضطروا للبحث عن مرشد من خارج صندوق تفكير الإخوان، وباللوائح لم يكن ليأتي الأستاذ حسن الهضيبي مرشدا، ولكن كانت الجماعة بحاجة لتحسين صورتها مع المجتمع الذي شوه وصور لهم بأنها جماعة إرهاب وعنف، فجاؤوا برجل من مؤسسة القضاء. والحال نفسه بعد وفاة الأستاذ حسن الهضيبي، فقد ذهب الدكتور محمود أبو السعود للدكتور القرضاوي يعرض عليه منصب المرشد، واعتذر عن ذلك لأسباب ليس هنا مجال لتفصيلها، فقد كان طبقا للائحة الإخوان يتولى المنصب الدكتور كمال الدين حسين، وكان عضوا لمكتب الإرشاد، وقد كان أيد عبد الناصر كي يخرج من السجن، فلم يرتض الإخوان أن يكون مرشدهم ممن أيد من سجنهم، فأبطلوا اللائحة، واختاروا بذلك الأستاذ عمر التلمساني، فمسألة اللوائح في أوقات الأزمات كلام لا يستقيم.
إذن تحتاج الإخوان للائحة جديدة، ومجلس شورى جديد، ومكتب إرشاد جديد، حيث إن هذه الكيانات انتخبت من قبل لإدارة تنظيم دعوي، الآن نحتاج لهذه الكيانات لإدارة تنظيم معني بالدرجة الأولى بإسقاط انقلاب، وإعادة مسار الديمقراطية، واستكمال مسار الثورة، فيكون ذلك واضحا في أذهان من ينتخب، وهو ما يلح بشدة في هذا المسار، فلو تخيلنا أن أعضاء الشورى أو الإرشاد نالوا الشهادة في فض رابعة، هل كنا سنظل بلا مؤسسات؟ يقينا، لا، وكذلك الحال لقد سجن الجميع واستشهد من استشهد، ولم يبق عدد تستقيم به إدارة المؤسسات.
تتم هذه الانتخابات بتنحي جميع من شارك في إدارة هذه المرحلة، من جميع الاتجاهات، سواء روابط الإخوان، أو مكتب الأزمة، أو المكاتب الأخرى، ويتم انتخابها، ربما يتعلل البعض أن ذلك صعب ويتعذر، وهو مردود عليه بالإجراءات التي تمت منذ أيام، بدعوى القيام بتحقيقات مع أناس عزلوا من مناصبهم، فهل عند الإخوان بحبوحة ووقت للتحقيقات، وليس عندهم وقت للانتخابات لاستكمال كيانهم؟!!!
يرى كثير من الإخوان الآن، أن هذا الحل يتم عن طريق تشكيل لجنة حكماء، وقد أبدى العلامة الدكتور القرضاوي استعداده وموافقته لقيادة حراك يقود فيه مسيرة المصالحة بين أطراف الأزمة، وضم قيادات أخرى تثق فيها جماهير الإخوان جميعا، وهي بادرة طيبة ومهمة.
ينتقل الأمر الآن في ملعب الجميع، ليكون اختبارا واضحا، من سيتمسك بالجماعة ومصلحتها، ومن سيتمسك بمصلحته الشخصية، من سيعلي المؤسسية، ومن يلجأ للفردية، من سيتأخر بنفسه، لتتقدم الجماعة؟!