ربما لم يرتبط الإسلام في مصر على المستوى الشعبي العام في مصر بكلمة كما إرتبط بكونه “الحل” حيث كان شعار الحركة الإسلامية السياسية منذ أواخر الثمانينات ..
الإسلام هو الحل .تلقف الشعب الغارق في مشكلاته الشعار بكل لهفة وظن أنه بمجرد إنتخاب من يرفع الشعار ستنتهي كل مشاكله فمنح مرشحي الحركة الإسلامية في كل إنتخابات تشريعية أو بلدية أو نقابية أغلبية تصويتية ظنها الإسلاميون من المسلمات الكونية بالنسبة لهم . كان هذا في الواقع إلقاءا على عاتق الإسلاميين مسئولية حل مشكلات أكبر بكثير من قدرتهم على طرح حلول . كما أنه كان وضعا للإسلام في وضع ربما لا يليق به إذ يكون تطبيقه مرهونا بحل مشكلات إجتماعية و إقتصادية و سياسية .. دنيوية بالأساس. كان هذا ينقل الإسلام في الوعي الشعبي من خانة المنهج الرباني الذي إقامته عبادة واجبة التنفيذ إلى أداة لحل المشكلات التي يغرق بها المجتمع المصري … و قد ظهرت نتائج هذا الطرح الخطيرة بعد ثلاثة عقود تقريبا من طرح الشعار.
كانت ثورة الخامس و العشرين من يناير الإختبار الأكبر .. توقع القطاع الواسع المؤيد للإسلاميين أن تمس عصا الشعار الذي طالما رفعوه واقعنا البائس فتحيله جنة العيش الهانئ و لكن ذلك لم يكن يمت للواقع بصلة . دائما ما يتوقف المرء عند نتيجة أول إنتخابات تشريعية عقدت في عهد المجلس العسكري فقد حصل الإسلاميون على 74% من أصوات الشعب المصري و تفسيرها في ظل ما حدث لكل ما يمت للمظهر الإسلامي من قمع بتأييد شعبي مجنون يعد معضلة يحتاج حلها إلى دراسة طويلة . و لكن جانب من تفسير ماحدث مرتبط بطرح الشعار الإنتخابي الأشهر لدى الحركة الإسلامية بهذا الشكل … ليت الشعار كان ” الإسلام طريق الحل ” فهذا يعني أن الناس ستتوقع طريقا ما يحتاجون إلى السير فيه لحل مشاكلهم و الإرشاد لهذا الطريق يتم عبر إقامة الإسلام و إتباع شريعته . لكن أن تجعل الإسلام حلا .. هكذا .. و تزرع هذه المعادلة في ذهنية شعب طحنته المآسي لعقود .. فقر و تخلف علمي و سياسي و إجتماعي و هزائم عسكرية .. فإنك بالتأكيد سترتطم بحائط توقعاته المرتفع بعد أول إنتفاضة بمستوى ثورة يناير في تاريخ الشعب كله … و بالتأكيد أيضا أن هذا الإرتطام سيحطمك كما حدث بالفعل .
يجادل الإسلاميون أنهم أبدا لم يقصدوا أن الإسلام هو الحل السحري للمشكلات التي يعج بها الواقع المصري و إنما ما أرادوا إيصاله إلى الناس أن إقامة الإسلام و هو المنهج الذي إرتضاه الله عز و جل لنا ستكون بالتأكيد أفضل ضابط للطريقة التي نحل بها مشكلاتنا بمنع الفساد الأخلاقي و التشريعي و الإقتصادي و الإداري . جميل … لكن مهلا .. الشعار لم يقل كل هذا و ربما يتناقض معه .. فلا يوجد أي ذكر لطريق ربما يختلف الناس على تفاصيله و يعمل الإسلام كضابط للطريق . ما يقوله الشعار : وصول الإسلاميين للسلطة = حل المشكلات و هو ما لم يحدث . و الواقع أن عليك التعامل بحذر مع الشعارات التي تطرحها فهي تعني الكثير عند الشعوب التي تم تجريفها ثقافيا كالشعب المصري .. ربما تعني كل شيء .
نال الإسلاميون بقدوم 2012 كل أدوات السلطة التشريعية و التنفيذية , ربما لم يكن هذا هو الواقع و لكنه بالتأكيد كان الظاهر و هذا خطأ آخر في السلسلة التي أدت للمشهد الحالي . رأى الشعب المضغوط و المتشوق لحل لما يعانيه بعد عام كامل من إنتفاضة ظنها ستفتح أبواب الحياة أمامه فتأخر هذا نتيجة التجاذبات السياسية , و قد ظن أن الإسلاميون قد أخذوا فرصة الإستعداد للإمتحان و عليهم اللآن أن ينجزوه في الوقت المحدد .. في ذهنه بالطبع .. و ما جرى لا يحتاج إلى إعادة سرد . سرعة إنفضاض الناس بغالبيتهم عن الإسلاميين تؤكد أن هذه الأغلبية كانت زائفة غير مستندة إلى عقيدة راسخة في وجوب إقامة الإسلام و غير مستعدة إلى التضحية في سبيل ذلك . كان الإسلام بالنسبة لها أداة للحل أخذت فرصتها في التجريب .. و فشلت فتم نبذها بكل الغيظ المتولد من الضغوط القائمة على كل المستويات.
والحقيقة أن الإسلاميون كان يجب أن يبينوا للناس أن إقامة الإسلام عبادة واجبة بغض النظر عن حل مشكلاتنا من عدمه . كان يجب أن يبينوا للناس أن إرث المشكلات كبير للغاية و يحتاج إلى خطط معقدة للقضاء عليه ولا يمكن هذا بحل سحري سابق التجهيز . كان يجب أن يبينوا للناس أنهم لا يعرفون جوانب كثيرة من المشكلات الواجب حلها بسبب بعدهم عن قلب الدولة الأمنية لمدة خمسين عام . كان يجب أن يبينوا للناس أن إقامة الإسلام أصلا في ظل الساحة الدولية شديدة القسوة و التعقيد معضلة تحتاج إلى من يجد لها حلا !