شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الأرجنتين.. أمهات المختفين قسريًّا يسقطون النظام

الأرجنتين.. أمهات المختفين قسريًّا يسقطون النظام
شرارة الثورة في الأرجنتين ضد الديكتاتور العسكري خورخي فيديلا، بعد الانقلاب الدموي عام 1976، أطلقتها "أمهات المختفين قسريًّا" بعدما قتل واعتقل وأخفى قسريًّا أكثر من 30 ألف شخص، بينهم أطفال ونساء.

شرارة الثورة في الأرجنتين ضد الديكتاتور العسكري خورخي فيديلا، بعد الانقلاب الدموي عام 1976، أطلقتها “أمهات المختفين قسريًّا” بعدما قتل واعتقل وأخفى قسريًّا أكثر من 30 ألف شخص، بينهم أطفال ونساء. كانت المرأة الأرجنتينية هي من فتحت الباب إلى توحد المعارضة حتى أطاحت بحكم الديكتاتور عام 1981.

 وكعادة كل النظم الديكتاتورية عقب الانقلابات العسكرية التي تحدث فيها، استطاع الانقلاب العسكري في الأرجنتين بقيادة الجنرال فيديلا وأد الحياة السياسية، وقمع أي صوت معارض للحكم العسكري، إما بالقتل أو بالخطف والاعتقال، وأحكم سيطرته على البلاد بكل أشكال وأنواع القمع، حيث فرض الأحكام العرفية، وقام بحظر التظاهر والتجمهر، وبالقطع ألغى الدستور، وانتهج نهج جوبلز، وزير إعلام هتلر، بتغييب عقول الجماهير عن طريق إطلاق أبواقه الإعلامية في التسبيح بحمده، وجعله المخلص والمنقذ للبلاد، وأطلق العنان لذوي البذات العسكرية في تقلد المناصب في طول وعرض البلاد، حتى منظمات المجتمع المدني لم تستثنى من أصحاب القبعات العسكرية. وبات في الأرجنتين مواطنون شُرفاء يرددون النغمة العذبة التي تقول إن “البلد دى ما ينفعش معاها غير واحد عسكري”.

لم يُرهب هؤلاء النساء الدبابات المنتشرة في الشوارع لقتل أو اعتقال كل من تسول له نفسه المطالبة بالحرية وعودة الديمقراطية، وإنهاء الحُكم العسكري، ولم يردعهن الجنود المدججون بالأسلحة لإرهاب من يطالب بمعرفة مصير الآلاف من النساء والأطفال والشباب الذين تم اختطافهم، ولا يعرف أحد مصيرهم إن كانوا أحياءً أو أمواتًا.

تجمعن في ساحة “ميدان مايو” أمام قصر الرئاسة، ليطالبن بمعرفة مصير أبنائهن المختفين قسريًّا، وكانت أعدادهن في البداية قليلة للغاية، واتسمن، هؤلاء النساء، بالذكاء والصبر والحنكة، حيث لم يدعن في البداية إلى التظاهر، ولم يعملن على استجداء أو استجلاب تعاطف الناس، لم ينسقن مع قوى المعارضة، والتى كانت بطبيعة الحال في حالة يرثى لها، ولم يكن لها دور يذكر نتيجة القمع الوحشي والاعتقالات والاغتيالات، فقط كُن ينزلن بأعداد صغيرة يتجمعن في الساحة، يقفن بنظام وثبات للمطالبة بحقهن فى أن تقر أعينهن برؤية أبنائهن أو استلام جثثهم لدفنهم، إن كانوا قد فارقوا الحياة، والمطالبة بمحاسبة المتسببين في قتلهم.

ولحسن حظ هؤلاء الأمهات ونتيجة لذكائهن وتخطيطهن، لم يمثلن أي خطر حقيقي لنظام فيديلا العسكري، ولم يتعرض لهن أحد، وتركنهن، وبدأن في التجمع كل خميس في ساحة مايو، حتى اتسعت حركة الأمهات واكتسبت شعبية جارفة في الأرجنتين، نتيجة البعد الإنساني لمطالبهن، وتوحد الفكرة وعدم الانجراف وراء أية مطالب سياسية أخرى، ولم يدرك نظام فيديلا أن هذا المطلب الوحيد هو الذي سيكون بمثابة القشة التي قسمت ظهر الحكم العسكري، وتوحد حولها مئات الآلاف من الأرجنتينيين، وخلقت معارضة حقيقية أدت إلى سقوط الانقلاب العسكري الدموي.

زادت الحركة بشكل ملحوظ، واتسعت رقعة المعارضة، وبدأ الناس النزول في تظاهرات حاشدة، تطالب بإسقاط النظام، وقابلها محاولات كثيرة لقمعها، لكن هيهات فقد كبرت كرات الثلج الصغيرة واتحدت حتى أصبحت كُرة ثلج كبيرة، لا يستطيع حتى الرصاص والدبابات أن يقف في وجهها، وانطلقت المعارضة في وسائل الإعلام العالمية تعبر عن نفسها وتدعو لإسقاط حُكم فيديلا، مما أكسبها تعاطفًا دوليًّا واسع النطاق، وضاق الخناق شيئًا فشيئًا على الجنرالات، حتى زادت الأزمة الاقتصادية بشكل كبير، وارتفع الدين الخارجى لأكثر من 45 مليار دولار، وتضاعف الدين الداخلي بشكل مرعب؛ نتيجة فساد دولة العسكر التي سيطرت على خيرات البلاد، ووزعت فيما بينها الاستثمارات والامتيازات، بجانب اتساع حركة الأمهات واكتسابها أرضية واسعة.

زادت الأزمة الاقتصادية في حنق الأرجنتيين ضد حكم العسكر، وظلت الاحتجاجات تتصاعد أكثر وأكثر، ولم يجد نظام فيديلا حلًّا سوى إلهاء الشعب وصرف نظره عن الأزمات الاقتصادية والاحتجاجات السياسية المطالبة برحيله، سوى أن يخلق عدوًّا خارجيًّا يُحوّل أنظار شعبه إليه. تعالت الصيحات والصرخات باسم الوطنية ودق ناقوس الحرب ضد بريطانيا؛ بسبب «جزر فوكلاند» التي كانت لوقت طويل محل نزاع بين بريطانيا والأرجنتين، واحتل المجلس العسكري هذه الجزر، بزعم أنها تحت السيادة الأرجنتينية، لكن وقفت إنجلترا لها بالمرصاد وألحقت بها هزيمة ساحقة، واضطر بعدها المجلس العسكري أن يرحل إلى الأبد عن الدخول في أتون العمل السياسي، ويتركوا الحكم للمدنيين، وتمكن الشعب بعد إصرار ومثابرة من تحديد اختياراته، وتمت الإطاحة بفيديلا عام 1981، وبعدها انقلب العسكر على بعضهم بعضًا، لكنه لم يدم كثيرًا، وتمكن الشعب من تحديد مصيره، وانتخب أول رئيس مدني وهو الفونسين، الذى استلم السلطة عام 1983..

المصدر : البديل.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023