خذ تشنج وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وهو يصارع ميكروفون شبكة الجزيرة، وهو جالس على منصة مفاوضات سد النهضة، حتى نجح “بفضل الله وتوفيقه” في طرح الميكروفون أرضًا، وهو يهتف في أعماقه “تحيا مصر”..
وخد هذيان مصطفى بكري وحشرجته، وهو يعلن، على الهواء مباشرة، الاستعداد لتقتيل وتقطيع جثث كل من يفكر في التظاهر ضد نظام عبدالفتاح السيسي، في الخامس والعشرين من الشهر المقبل.
وضع ما سبق بجوار صراخ جرافة القضاء، قاضي الإعدامات الشهير، ضد محكمة النقض المصرية، التي ألغت أحكامه الباطشة، وتحريضه على كل القوى والتيارات التي تدعي وصلًا بثورة يناير، أو “ثورة خساير” بتعبيره، وهجومه الكاسح على الإعلام كله، مستثنيًا من ذلك قتلة الشاشات ومهرجيها.
وأضف إلى ذلك كله تصريحات رئيس قطاع الأمن المركزي لوكالة أنباء الشرق الأوسط، الحكومية، التي يتوعد فيها الداعين إلى الخروج في تظاهرات، بقوله: “أي واحد حيفكر في الخروج عن القانون أو ترويع المواطنين الآمنين، لا يلوم لا نفسه؛ لأننا عندنا استعداد نضحي بأرواحنا لحماية المواطن اللي ائتمنا على حياته وسلامته، وإحنا قد الأمانة دي”.
وارجع قليلًا بالذاكرة إلى تصريحات الوزير السابق، حسب الله الكفراوي، الذي تحول منزله إلى غرفة عمليات انقلابية، صبيحة الثلاثين من يونيو 2013، وأعلن فيها “ضرورة تعامل الأجهزة الأمنية بقسوة مع كل من يلبي دعوة التظاهر يوم 25 يناير المقبل، قائلًا: اللي هينزل لازم يضرب بالرصاص في عينه.. مفيش هزار، مش هنسيب شوية سفلة يضيعوا البلد”.
ويمكنك أن تضيف إلى هذا الخليط من كيمياء الهلوسة تصريحات حسام بدراوي، الأمين العام الأخير لحزب حسني مبارك المحترق، والذي كانوا يصنفونه واحدًا من عقلاء النظام المجنون فيما سبق؛ إذ يطالب بأن تكون رئاسة عبدالفتاح السيسي فترة واحدة، تمتد عشرين عامًا؛ من أجل الاستقرار والإنجاز والبناء.
ويمكنك أن تضع، أيضًا، فوق هذه الخلطة، تصاعد الحرب ضد شبكة الإنترنت، وتشويه موقعي التواصل الاجتماعي، “فيس بوك” و”تويتر”، إلى حد التخوين والتفسيق والتكفير؛ حيث تتدحرج قائمة التحذيرات على ألسنة شيخ الأوقاف ومرتضى منصور ومصطفى بكري، في أداء جماعي منتظم، يشي بأنه يجري التمهيد لاتخاذ قرار، في وقت ما، بقطع الإنترنت في مصر، كي لا يهدم الأوغاد الدولة.
لعلك تذكر أن الوجوه نفسها، تقريبًا، كانت تمارس الصراخ الهيستيري عبر الشاشات، في يناير 2011، تتوسل إلى الثوار والمتظاهرين، أن يعودوا ويتركوا “الراجل” يكمل مدته، كي لا تسقط مصر، ويتبارون في وصلات عويل ونحيب، محذرين من أساطيل الغزاة والمحتلين، تقف على أهبة الاستعداد، في عرض البحر، تنتظر فرصة الانقضاض على مصر، واحتلالها.
كانوا جميعًا يعتبرونها “المؤامرة”، فلما نجحت تغزلوا في سحرها وروعتها ونقائها، وخلعوا أرديتهم القديمة، المتسخة، ولبسوا أزياء الثورة، وهتفوا ضد “المخلوع”، وزاحموا الثوار الحقيقيين في ميادينهم، ومكثوا يمصون في يد الثورة، وينخرون في عظامها، مثل الجراد، حتى كسروها وأسقطوها، فخلعوا ملابسها، وارتدوا ملابس المنتقمين.
أنت، الآن، بصدد حالة هلع هيستيري، تسيطر على نظام عبدالفتاح السيسي، بدءًا بالبواب الواقف على أسواره الخارجية، انتهاء بالجالسين في غرف القيادة، يرتعدون خوفًا مما هو قادم من غضب ورفض لهذه الوحشية التي تعاملوا بها مع المصريين، وإصرار على تحرير مصر وثورتها، من بين براثن وأنياب سفاحين وقتلة، وفشلة، يخيفهم ميكروفون واحد، على الرغم من تكدس ترسانتهم بأشرس أدوات الحروب الإعلامية وأقبحها.
إنهم يرتكبون، الآن، جريمة أخرى من الجرائم ضد الإنسانية، بالدعوة الصريحة إلى الحرب الأهلية، بتحريض قطاعات من الشعب المصري على قتل المتظاهرين السلميين الذين لا يملكون إلا الهتاف ضد الظلم والتعذيب والقمع والفشل والانهيار.
هم يحاولون ترهيبك وتفزيعك، فاعلموا، كلما انسدت حناجرهم بحشرجات الأكاذيب والهلاوس، أنكم الأقوى، وأنكم تستطيعون دخول ميدان الثورة، كما دخلتموه أول مرة، حتى وإن كتبوا على أبوابه “سلم نفسك لأقرب مصطفى بكري، أو ناجي شحاتة”.