هذا ما جناه انقلاب 30 يونيو عليهم!
فلم يجرؤ صاحب “يعقوبيان” الدكتور علاء الأسواني على إدانة إلغاء الأمن لندوة له وسعى ليخفف من وقع الأزمة على نفسه، فأعلن أن جهاز الأمن عندما منع ندوته في محافظة الإسكندرية، فلأنه معترض على عنوانها، ومن ثم فقد أرهق نفسه في تفسير العنوان، فكان وهو يبذل الجهد الجهيد، يجسد المحب الذي خرج من محراب محبوبه بخفي حنين، وصار يسري عليه ما أنتجه الوجدان الشعبي في موال “يا ميت ندامة على اللي حب ولا طالشي”، وهو الموال الذي غناه “محمد العزبي”، مغني موال “بهية” أيضاً!
عنوان ندوة الأسواني الملغاة: “نظرية المؤامرة بين الواقع والأوهام”، وجهاز الأمن لا يقدم حيثيات لقراراته، لكن “الأسواني”، وهو من مكونات 30 يونيو، التي أنتجت الحكم العضوض في مصر على يد “عبد الفتاح السيسي”، عز عليه أن يكون المنع بعد “ثورة ” شارك فيها، وربما خشي من الشماتة، فأرجع اعتراض الأمن على عنوان الندوة، وكتب “تدوينة” يعلن فيها “أن إلغاء الأمن لندوتي بالإسكندرية، يؤكد أن الترويج لنظرية المؤامرة هو المؤامرة الحقيقية على وعي الناس من أجل السيطرة عليه”!
وعندما تقرأ هذا التعليق الرقيق، فلابد أن يتحول “الأسواني” لديك إلى حالة تثير الشفقة، أكثر من أن تدفع للشماتة، فالرجل الذي كان يمثل المعارضة الحادة في أواخر عهد مبارك، وفي عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي، لا يملك حق الغضب، ليندد بقرار إلغاء ندوته، ومدلولاته، وإنما يكتب تعليقاً مهذباً، يوشك أن ينهيه بالمفردة الفرنسية الرقيقة والحالمة “ميرسي”!
الموضوع إذن وكما أراد “الأسواني” أن يغالط نفسه، ليس اعتراضاً على العنوان، وكان يمكن تغييره مثلاً، وبدلاً من “نظرية المؤامرة”، يصبح “المؤامرة النظرية”، ليوافق الأمن عليه، وهو في تعليقه على الإلغاء انتقل بالأمر إلى خلاف في وجهات النظر بينه وبين الجهاز الأمني الذي ألغى الندوة. ولم يقل لنا اسم هذا الجهاز، فقد عدنا إلى عهد ما قبل الحراك السياسي في عهد مبارك، عندما لم يكن مسموحاً بذكر اسم الأجهزة الأمنية، حتى لا يتعرض الذاكر لما لا تحمد عقباه.
ما لم يقله الدكتور “الأسواني” خوفاً وطمعاً هو أن الاعتراض على شخصه، فهو يعاقب من دولة مبارك العائدة بأثر رجعي، ولم يشفع له أنه كان من الذين مثلوا غطاء مدنياً للانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب، وممن شكلوا غطاء ثورياً في 30 يونيو للثورة المضادة في 3 يوليو، ولم يشفع له كذلك أنه لم يكتف بهذا القدر، إنما خطى خطوة أعمق في تسويق السيسي على أنه قائد عسكري كآيزنهاور، وهو ما حاول أن يقنع به “روبرت فيسك” في بداية الانقلاب، فنقله الرجل في مقال، وبدا التشبيه وقد أوشك أن يذهب به إلى مستشفى العباسية للأمراض النفسية، وهو يستمع للأديب العالمي، الذي ترجمت روايته “يعقوبيان” لكل اللغات الحية والميتة بما في ذلك لغة الطير، وإذا به يطلق هذا التشبيه، على قائد عسكري، لم يخض حرباً، ولم يشارك في معركة، وليس في سجله العسكري أي انجاز يذكر، و”آيزنهاور” هو الذي قاد جيوش الحلفاء وأوقع هزيمة بألمانيا النازية، في حين أن الحرب الوحيدة التي خاضها “آيزنهاور” المصري هي مشاهدة فيلم “حرب الناموس” فيديو. بالمناسبة لا يوجد فيلم يحمل اسم “حرب الناموس”!
لم يكن “الأسواني” ، ومن على شاكلته يجهلون حقيقة السيسي، فالمعلوم منه يكفي للوقوف ضده، فيكفي أن نعلم أنه من الاختيار الحر المباشر للمخلوع مبارك، ويكفي العلم أنه كان عضواً في المجلس العسكري الذي هتفت الثورة بسقوط حكمه، وهو الذي كان يقود البلاد في سياق دفع الشعب المصري للكفر بالثورة، ثم إن محاولات السيسي في التآمر على يناير كانت معلومة، وهو الذي جاء لميدان التحرير ليرسم خطة إخلائه واجتياح الشبيحة له للاحتفال بمبارك، في يوم موقعة “الجمل”!
وأرجو ألا يعزف أحد على الأسطوانة المشروخة، بالسؤال عن لماذا اختاره مرسي؟، فقد كنت معارضاً له، ومعارضاً لاختياراته، ولا أظن أن اختيارات مرسي كانت تلزم “الثوري علاء الأسواني” بها، غاية ما في الأمر، أنني كنت أنظر لمرسي على أنه رئيس منتخب ينبغي أن نعمل على إسقاطه بالانتخابات، في حين أن هناك من غلبت عليهم شقاوتهم واستدعوا العسكر لإسقاطه ليكونوا في حكم من أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه!
ولم يكن من المؤكد أنهم قبلوه بحكم المضطر، فتسويقه على أنه “آيزنهاور” لا يعني أنهم كانوا في حكم “مجبر أخاك لا بطل”، غاية ما في الأمر أن أحزاب الأقلية، والقوى السياسية الفاشلة، ظنت بانتهازيتها أنها ستكون النخبة السياسية للسيسي، لأنه لن تواتيه الشجاعة، فيعيد دولة مبارك ورجاله، والتي عادت سريعاً، وكان ما سمي بانتخابات البرلمان، والهجوم على ثورة يناير من الأذرع الإعلامية لقائد الانقلاب العسكري، الدليل الذي لا يخر الماء، على أنهم كمن صام وأفطر على بصلة، وحتى البصلة لم يجدوها!.
فالحكم العضوض الذي يحكم مصر الآن، لم يسمح لهم بهامش الحرية الذي كان مكفولاً في عهد مبارك، ناهيك عن الحرية التي كان سقفها السماء في عهد الرئيس محمد مرسي، ففي عهد السيسي تم منع كثير منهم من الكتابة، وتوقفت برامج “التوك شو” عن استضافتهم، وحتى مجرد ندوة يحضرها العشرات ليس مسموحاً بها، وبعض هؤلاء الذين مهدوا الأرض للانقلاب، وأيدوا قائده، تركوا مصر للخارج، ومن هناك أيضاً لم يستطيعوا معارضته بشكل كامل، فيكتب الواحد منهم معلقة، أو يقول خطبة، يهاجم فيها مرسي ليمرر جملة أو عبارة ضد السيسي. وحتى الدكتور محمد البرادعي، يصمت طويلاً وعندما يعود لكتابة عشر كلمات على تويتر فإن الغامض فيها أكبر من المفهوم وكأنه متأثر بـ “كليلة ودمنة”!
والدلالة المهمة في قرار منع ندوة “الأسواني”، أنها لا تدخل في إطار وجهات النظر بين كبار المفكرين، “علاء” من ناحية، و”مسؤول الجهاز الأمني” من ناحية أخرى حول عنوان الندوة، فالأمر يؤكد أن “المغرر بهم”، و”الانتهازيين” الذين شاركوا في 30 يونيو أعادوا حكم دولة الأجهزة الأمنية أشرس مما كانت عليه أيام المخلوع، والدليل على شراستها أن صاحبنا رغم مكانته كأديب عالمي ليس متاحاً له حق الغضب من قرار منع ندوته!.
عزيزي علاء: أرجو أن تبلغ سلامي الحار…. إلى آيزنهاور، والسلام أمانة!