في مثل هذا اليوم، قبل ثلاث سنوات، كتبت أسوأ عبارة، في واحد من أسوأ مقالاتي اليومية، مبني على أسوأ تقدير وأسوأ قراءة للموقف.
خاطبت الأستاذ محمد حسنين هيكل، في ذروة اشتعال أحداث “الاتحادية” قائلًا: “أستاذ هيكل: نستأذنك في الحضور على وجه السرعة، فالخطر داهم، والبحارة يتعاركون على ظهر السفينة، والقراصنة لا يرحمون”.
كانت النخب السياسية، المحسوبة على ثورة يناير، قد قرّرت إحراق الثورة، وهدم معبدها على رءوس الجميع؛ حيث كانت كل غرائز الكراهية والحقد والانتقام قد هيمنت واستعرت، وتحول حكماء الثورة إلى باروناتٍ، يستثمرون في تجارة الاستقطاب والتعصب، ويمارسون الابتزاز على كل من يرفض الرضوخ لرغبات الحريق.
الواضح وقتها لكل مراقبٍ أنهم كانوا قد أعدّوا العدة، ليكون الخامس والعشرين من يناير اليوم الأخير للرئيس محمد مرسي في الحكم. وفي سبيل ذلك، نشط من كنا نعتبرهم الحكماء وضمائر الثورة في ممارسة الإرهاب على القوى والحركات الثورية التي وجدت نفسها في مأزق غير مسبوق، فإما الإذعان الكامل لهستريا العنف المسلح، وحشد جمهورهم للزحف على القصر الجمهوري، بكل الوسائل غير المشروعة، من مولوتوف و”قنابل مونة”، وأدوات تخريب وتكسير، أو تلقي نيران التخوين والتشويه والاتهام بالعمالة للإخوان.
في أوائل يناير، استقبلت أحمد ماهر وعددًا من أعضاء المكتب السياسي لحركة “6 إبريل”، وجرى لقاء بحضور المهندس إبراهيم المعلم، في جريدة “الشروق”، بناءً على طلب ممثلي الحركة الذين ارتسمت على ملامحهم علامات الفزع مما يجري الإعداد له، استعدادًا لليوم الموعود. كانوا مصدومين ومرعوبين مما سمعوه ممن كانوا يعتبرونهم “عقلاء وحكماء”، حين أبلغوهم أن جمهور الثورة المضادة، وفلول الحزب الوطني، يتأهبون لحرق مصر كلها، من أجل إسقاط محمد مرسي.
كان الرد صادمًا؛ إذ وجدوهم أكثر حماسة، وأبعد ظمأ لهدم لكل شيء من الفلول أنفسهم. لذا، جاءوا يطلبون القيام بأية مبادرةٍ، من شأنها منع اندلاع المحرقة. ولم أكن أعلم أن الحركة نشرت صورة اللقاء على صفحتها في ذلك الوقت.
فيما بعد، أطل الأستاذ محمد حسنين هيكل من نافذة المذيعة التي احتكرته لاحقًا، مبديا خوفًا وقلقًا مما سماها “العدمية السياسية” التي تنذر بحرق مصر وثورتها، فتنفس كثيرون الصعداء: هذا رجل عاقل جاء من أقصى المدينة يسعى، لكبح جماح دعاة المحرقة، وكتبت وقتها “قبل سنوات، استأذننا الأستاذ هيكل في الانصراف. والآن، جاء الوقت لكي نستأذنه في الحضور، ليس كمحلل لا يشق له غبار، وإنما كعقل وحيد وضمير يقظ في محيط من الجنون والنزق والعبثية، أو بمنطوق عبارته البليغة في حواره التليفزيوني أمس الأول “العدمية السياسية”.
وفيما كان التحرك، خارجيًا، صوب الاتحاد الأوروبي وأميركا، وداخليًا، ناحية العسكرة، يأخذ شكل الجنون، توهمت أن هيكل، وحده، قادر على الدعوة إلى حوار يحول دون الذهاب إلى كارثة على أساس “إن للأستاذ صلات مع كل أطراف الصراع، وقبل ذلك وبعده، هو الأقدر على إيجاد مخرج من هذه الغمة، كونه الوحيد الذي ليس جزءًا من المشكلة. ومن هنا، هو المؤهل ليكون مفتاحاً للحل، ومنقذًا من الغرق في محيط هادر من الجنون.
وعلى السادة الذين يضبطون ساعاتهم على توقيت العاصمة الأميركية، والاتحاد الأوروبى أن يدركوا أنه ليس لها كاشفةً، إلا من الداخل المصري، ويتوقفوا عن انتظار واستحضار الحل من واشنطن، فالأجدى لهم ولمصر كلها أن يترقبّوا المخرج من برقاش (المنتجع الريفي الوثير لهيكل)، وليس من واشنطن أو أوروبا”.
وليت الأستاذ ما حضر، ذلك أنه جاء ليدير سيناريو مؤامرة الثلاثين من يونيو؛ حيث تحول مكتبه لمطبخ العمليات، يأتيه محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى، وينضم لهم وزير الدفاع، متسللًا، لتكشف الأيام التاليات عن كوارث سياسية أخرى، جمعت حكماء يناير/ رموز الإنقاذ، ببقايا الرءوس الكبيرة من نظام حسني مبارك، الذين خرجوا من السجون، في قصورهم الفارهة على طريق القاهرة- الإسماعيلية الصحراوي.