لم أفهم من البيان الذي نشر على موقع حركة شباب 6 أبريل سوى أنه لا يمت بصلة إلى تلك الروح الوثّابة، والحيوية المتدفقة بالحلم، والتحدي للمستحيل، التي ميزت الحركة منذ تألقها، في العام 2008، تياراً شبابياً ثائراً على استبداد زمن حسني مبارك وفساده.
معرفتي بالحركة، ومحبتي أفرادها، يجعلان من الصعوبة بمكان الاقتناع بأن المنشور تحت عنوان “قبل الطوفان” ينتمي إلى خطابها ومنهجها في العمل، حيث تبدو لغة البيان أقرب إلى أدبيات أحزاب الخريف، ومقولات رموز وقيادات “دولة العواجيز”، تلك التي أسست “6 إبريل” مشروعها السياسي، الشاب، والديناميكي، حد النزق الثوري، ضد بقائها.
لا يستطيع المطلع على البيان أن يسلم، بسهولة، بأن الحركة الفتية شابت، ودخلت مبكراً سن اليأس، كما هو ظاهر في صيغة البيان ومفرداته التي تقترب من نكهة خطاب مجموعة عواجيز، شكلوا ما عرفت باسم “لجنة الحكماء” عقب طلوع شمس ثورة يناير/ كانون ثاتي 2011.
كتبت عنهم، بعد شهرين من الثورة، وفي عيد تأسيس حركتهم، إن “مصر مدينة بالكثير لهؤلاء الشباب، الذين قرروا أن يمارسوا الحلم بحده الأقصى، فتحقق أخيراً، بعد أن اعتبرهم بعض العجزة مجموعة من المجانين الجانحين، ونظرت لهم الأجهزة الأمنية القمعية، طوال الوقت، على أنهم مخربون وعملاء مأجورون”.
لذا، يصبح مفاجئاً، بل وصادماً، أن تبدو الحركة، كما في بيانها الأخير، على هذه الحالة من الترهل، والاستسلام للواقع، بقبحه ودمامته ودمويته، وتتحدث وكأنها بصدد البحث عن تشكيل جبهة معارضة، تذعن لنظام، يعلم الجميع أنه بلا شرعية سياسية، أو أخلاقية.
لم يذكر البيان كلمة “الانقلاب” بين سطوره، ولم يقطع برأي في نظام عبد الفتاح السيسي، ضده أو معه، إذ يتحدث عن حوار يبحث عما أسماها “حكومة تكنوقراط ذات توجه إقتصادي بحت، تخرج بالوطن من عثرته الإقتصادية”.
وهذه صيغة تبقى فضفاضة عائمة، غائمة، مائعة، إن لم تحدد لذاتها إطاراً سياسياً وزمانياً تتحرّك فيه، بحيث لم يعرف متلقي البيان هل المقصود حكومة تكنوقراط مع بقاء النظام الحالي، أم بعد إزاحته؟ ناهيك عن أن “التكنوقراط ذوو التوجه الاقتصادي” ليسوا حلا سحرياً، أو وصفة جاهزة مضمونة النجاح، إذا لم يكن هناك مشروع سياسي محترم، وللتذكرة فقط، كانت حكومة حازم الببلاوي، المشكلة عقب الانقلاب مباشرة، تكنوقراط وذات توجه اقتصادي خالص.
يتحدّث البيان عن أنه “لا سبيل لأحلامنا سوى بإتفاق أبناء الوطن، ولا نجد اتفاقاَ أقرب من ثورة 25 يناير”، ثم يشرح بالقول “نتوجه بالنداء للرفاق الأقرب.. رفاق الثورة من التيار المدني الديمقراطي الهادف إلى دولة القانون والديمقراطية والحكم الرشيد.. فلا أنسب من ذلك وقتاً للتكاتف، وتنظيم جبهتنا الداخلية الموحدة.. فإليكم نمد أيدينا.. و بكم نقوى، ويشتد عود جبهتنا”.
حسناً.. هل ثمة اتفاق على أن ثورة يناير أنتجت آلية ديمقراطية، أتت برئيس للبلاد عن طريق الانتخاب، لأول مرة في تاريخها؟ بالمناسبة، كانت حركة 6 أبريل ضمن تيار وطني عريض، احتشد دعماً للرئيس محمد مرسي، في جولة الإعادة، تأسيساً على أنه إنقاذ للثورة، فهل تشمل دعوة العودة إلى يوتوبيا يناير هذه المخرجات؟ لم أفهم المقصود بما أطلق عليه البيان “التيار المدني الديمقراطي”.
هل هو التيار المناهض للدولة العسكرية الفاشية، بكل درجاته، أم أن المعنى هنا يساير تلك الفرية السخيفة التي تخرج المنتمين لما عرف بالإسلام السياسي من جنة المدنية والديمقراطية؟ لست أشكك في إخلاص شباب السادس من إبريل للثورة، ولست أفتش في نيات أحد، غير أني، في الوقت نفسه، لا استطيع التسليم بأن هذا بيان “إبريلي” خالص، إذ تفوح منه رائحة حبر عواجيز المواءمات في مواضع، ورائحة “الدولتية أو الدولجية” في مواضع أخرى، خصوصا حين يضع الوطنية نقيضاً للسياسة، بالقول “الوطنية فوق السياسة”.
وأظن هذا خطاب يليق بالقعود والقواعد من الثوار المعتزلين، ولا أريد الذهاب إلى أبعد من ذلك بالقول إنه خطاب لا يختلف عما يردده عمرو موسى ومكرم محمد أحمد.. فما الذي يمنع من أن تكون هناك سياسة ووطنية في مشروع واحد؟ أي محب لحركة 6 أبريل سيتمنى أن يسمع أن هذا البيان مدسوس على موقع الحركة، أو أنه اجتهاد من شخص تسرّع، فتحدث باسم حركة، عرفناها عفية ومتّقدة، ولا نتخيل أنها قرّرت الاستسلام لإغراء، أو غواية، المعلمين الكبار على “مقهى بعرة”، أو الجلوس على مقهى المعاشات.