منذ إنشاء الأزهر إلى آخر القرن الحادى عشر الهجرى، كان المتبع أن ينتخب من بين العلماء ناظرا يشرف على شئونه، ثم تحول النظام بعد ذلك إلى تعيين شيخ الأزهر، الذي بدأ رسميا عام 1101 ميلادية.
وكانت كلمة من الإمام الأكبر تثبت أو تخلع الحاكم، فالأزهر الشريف أعلى مؤسسة دينية فى مصر وأعلى مرجعية في العالم الإسلامى، وقوته مستمدة من شيوخه.
وتولى مشيخة الأزهر الشريف منذ بداية نظام المشيخة، 47 عالما أولهم كما أكدت المراجع التاريخية الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي وآخرهم الشيخ أحمد الطيب الذي ما زال في منصبه إلى الآن، وعلى الرغم من توالي الأنظمة الحاكمة باختلافها، إلّا أن القليل من مشايخ الأزهر ممن استطاعوا الوقوف ضد قرارات حكام وملوك ورؤساء مصر عبر التاريخ
8 مشايخ وقفوا ضد قرارات الحكام
من شيوخ الأزهر الذين وقفوا أمام قرارات حاكم مصر الشيخ حسونة النواوي الذى لقب بـ”الشيخ الشجاع”، فقد تولى مشيخة الأزهر مرتين؛ الأولى فى الفترة من 1896م إلى 1900م، والثانية 1909م، واستقال فى العام ذاته في عهد الخديو عباس حلمى الثانى.
ففى عام 1899م عرض على مجلس شورى النواب اقتراحًا بندب قاضيين من مستشارى محكمة الاستئناف الأهلية ليشاركوا قضاة المحاكم الشرعية العليا فى الحكم، وقف الشيخ حسونة النواوى ضد هذا الاقتراح، وأصر على موقفه، وقال للخديو: “إن المحكمة الشرعية العليا قائمة مقام المفتى فى أكثر أحكامها ومهما يكن من التغيير فى الاقتراح فإنه لا يخرجه عن مخالفته للشرع، لأن شرط تولية المفتى مفقود فى قضاة الاستئناف”، فأصدر قرارًا بعزله عن منصبه.
وعارض الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي الذى تولى المشيخة فى الفترة من 1917إلى 1927 ما رغب فيه الملك فؤاد من إعلان نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، مبررًا ذلك بأن مصر لا تصلح دارا للخلافة، لوقوعها تحت الاحتلال الإنجليزى، ورفض الجيزاوى الاستجابة لطلب الإنجليز بإغلاق الجامع الأزهر إبان ثورة 1919، وصدر فى عهده قانون قيد سلطة الملك فى تعيين شيخ الأزهر، حين أشرك رئيس الوزراء فى هذا الأمر.
ويعد الشيخ محمد مصطفى المراغي الذى تولى المشيخة مرتين؛ الأولى فى الفترة من 1928 إلى 1930، وكان عمره 47 عاما، والثانية فى الفترة من 1935 م إلى 1945 م، حيث رفض فكرة إشراك مصر فى الحرب العالمية الثانية، سواء بالتحالف أو التعاون مع الإنجليز أو الألمان للتخلص من الاحتلال البريطانى، فأعلن الإمام المراغى موقفه صراحة، وقال: “إن مصر لا ناقة لها ولا جمل فى هذه الحرب، وإن المعسكرين المتحاربين لا يمتان لمصر بأى صلة”، وكان رئيس الوزراء فى ذلك الوقت هو حسين سرى باشا، الذى قام بالاتصال بالشيخ المراغى وخاطبه بلهجة حادة وطلب منه ألا يتحدث إلا بعد الرجوع إليه شخصيًا حتى لا يضع مصر فى مأزق، فرد عليه الشيخ المراغى وقال: “هل هذا تهديد لشيخ الأزهر، لا سلطان على شيخ الأزهر إلا الله”.
وتولى الشيخ عبد المجيد سليم البشري منصب شيخ الأزهر سنة 1950، حيث انتقد الملك فاروق بسبب رحلة شهر العسل التى قام بها مع زوجته ناريمان صادق، فى وقت كانت الحكومة قد ضغطت ميزانية الأزهر لانتشار حالة الفقر بين المصريين.
وقال الشيخ وقتها مقولته الشهيرة “صيدا هنا وإسرافا هناك”، فأقاله الملك فاروق من منصبه ثم عاد إليه عام 1952، وفى 17 سبتمبر سنة 1952 قدم استقالته.
وفي عام 1951 تولى المشيخة الشيخ إبراهيم حمروش، حيث رفض تدخل السلطة فى شئون الأزهر، كما رفض قرار الحكومة بتقليص ميزانيته، وبث روح الحماسة فى قلوب المصريين، وأصدر بيانًا يطالب فيه بإنهاء الاستعمار، وذلك بعد حصار جنود الاحتلال الإنجليزى مقر الشرطة وقتل جنود مصريين رفضوا الانصياع لأوامرهم.
كما وقف الشيخ محمود شلتوت الذى تولى المشيخة فى 1958م، فى وجه عبد الناصر، وأجبره على رفض قانون الأزهر، الذى كان يهدف لتحجيم دور الأزهر ووضعه تحت تصرف الدولة، وظل الشيخ شلتوت يعارض عبد الناصر فى هذا القانون، حتى تقدم باستقالته من منصبه عام 1963م.
أما الشيخ عبدالحليم محمود الذى تولى المشيخة فى الفترة من 1973 إلى 1978، فقد عارض بشدة قانون “جيهان السادات” للأحوال الشخصية، وأكد عدم مطابقة بعض مواده للشريعة الإسلامية، ومع ذلك أصرت الدولة على إصداره فرفض بشدة، ولوح باستقالته، فتم التراجع قليلًا ثم أعادوا المحاولة مرة أخرى قبل وفاة الشيخ، إلا أنه قال: “بعد قليل لن تجدونى ولن تحتاجوا إلى للموافقة على صدور القانون” وبعدها توفى الشيخ، ولم يصدر القانون.
الشيخ جاد الحق علي جاد الحق الذى تولى المشيخة فى الفترة من 1982 إلى 1996 فى عهد الرئيس المعزول حسنى مبارك، فقد كان شديدًا فى الحق ونصرة الإسلام، وهو صاحب الفتاوى التى تحدت مبارك، ومن مواقفه المشهودة أنه قام فى مؤتمر وتمسك بموقفه أن فوائد البنوك ربا محرم شرعًا.
كيف تغير الأزهر الشريف؟
أوضح جهاد عودة خبير العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الأزهر كمؤسسة يتشابه كثيرًا مع باقي مؤسسات الدولة مثل جامعة القاهرة وغيرها، حيث اعتراه التغير من أشعري إلى سلطوي إلى ملكي.
وأشار “عودة”، في تصريحات لشبكة “رصد” إلى أن الأزهر الآن مرتبط بخطاب سلفي هادئ “كاتم على نفسه”، بحسب وصفه.
واعتبر محمد بسيوني، دكتور الإعلام في جامعة الأزهر، في تصريح له لـ”رصد”، أنه يجب التفرقة بين الأزهر قبل جمال عبد الناصر وما بعد عبد الناصر، مؤكدًا أن ما فعله عبد الناصر في الأزهر الشريف من تسييس وضم أوقافه للدولة ومن ثم تعيين مشايخة، أضر بالأزهر كثيرًا، فبعد أن كان يقف ضد الحكام، أصبح يقف معهم.