وصف الدكتور حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية، ما يسمى بـ”مشروع الضبعة النووي” بأنه يظل أمرًا مبهمًا لا نستطيع أن نفهم أبعاده.
وأضاف الدكتور حسني في مقال له نشربصحيفة “التحرير”: “أول موضع إشكالي هو في معرفتنا بطبيعة ما تم توقيعه، هل هو عقد؟ أم اتفاقية؟ أم مذكرة تفاهم؟! فقد ذكر الرئيس في خطابه أنها اتفاقية، ثم عاد مرة أخرى ليصفها بأنها عقد، وهناك مواقع إخبارية ذكرت أنها مذكرة تفاهم، وذكرت أخرى أنها اتفاق مبدئي!”، مشيرًا إلى أن الحقيقة غير واضحة؛ لأن المشروع تحوطه حالة من التعتيم، على حد قوله.
وتابع حسني مقاله قائلاً: “الموضع الإشكالي الثاني هو عدم معرفتنا بتفاصيل ما تم التوقيع عليه أيًّا كانت طبيعة الوثيقة وتكييفها القانوني والإجرائي؛ فقد ذكر الرئيس في كلمته، وبعد برهة من التردد والتفكير أنه لا يريد الخوض في تفاصيل “العقد”! ومن ثم فنحن لا نعرف قيمة المشروع المالية، ولا ما إذا كان القرض الروسي سيغطي كل تكاليف المشروع أم سيغطي فقط الجزء الذي سيقوم به الجانب الروسي؛ وفي حالة عدم تغطية القرض للأعمال المصرية، فمن الذي سيغطيها؟ وما العبء الذي ستتحمله الخزانة العامة؟ وكيف؟ وأين هي دراسة الجدوى الاقتصادية التي تبين كيف سيتم سداد قيمة القرض؟ وهل هذا السيناريو المتفائل الذي افترضه الرئيس سيقتضي رفع أسعار الكهرباء في مصر؟ وهل سيكون هذا محتمَلًا اجتماعيًا من خلال علاقة مستقبلية مفترضة بين الدخول والأسعار؟ وما هي؟”.
وأشار حسني إلى أن المشكلة الثالثة تتعلق بالهدف من المشروع، مشيرًا إلى قول السيسي نصًا: “إن الهدف من التوقيع النهارده رسالة أمل وعمل وسلام.. لينا ف مصر وللعالم كله”، واستنتج بذلك أن التوقيع له أبعاده السياسية المحلية والدولية، وهو ما يجعل التوقيع بمثابة حشد للرأي العام المصري وراء الرئيس ، ثم هو استرضاء للجانب الروسي بعد موقف روسيا المتشدد من مصر بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء، على حد قوله.
وأضاف: “الإشكالية الرابعة هي أنني أخشى أن يكون الرئيس قد اتبع نفس الاستراتيجية التي دفعته لتوقيع اتفاقية الخرطوم، وهو ما عده كثير من المتخصصين سذاجة مكنت الجانب الإثيوبي من الاستخفاف لاحقًا بالمفاوض المصري.. الجانب الروسي -بكل تأكيد- يفصل تمامًا بين مصالحه الاقتصادية ومواقفه الاستراتيجية العظمى”.
وتساءل حسني: “هل يعتقد أنه -بهذا التوقيع- وبلغة الاستمالة التي وظفها في كلمته- يمكنه احتواء غضب الدب الروسي الذي لا يعلم إلا الله إلى أين يمكن أن يصل مداه؟ هل يتصور أنه بهذه الاستراتيجية يمكنه إعادة السياحة الروسية لمصر التي أغلقت أبوابها بالضبة والمفتاح؟ هل أدت هذه الاستراتيجية “محلية الصنع” لدفع الإثيوبيين لمراجعة مواقفهم من مصر كي تدفع الروس في نفس الاتجاه؟”.
وأكمل حديثه بقوله: “الإشكالية الخامسة والأخيرة في هذا المقال، وهي أن السنوات القادمة التي ستشهد بناء المحطة النووية المصرية -ويقدرها موقع “روسيا اليوم” باثنتي عشرة سنة- هي سنوات سيتغير خلالها شكل العالم وشكل المنطقة.. روسيا -وهذا أمر لا يشينها- إنما تبحث عن مصالحها في هذا العالم الذي يتغير، فهي تفكر للمستقبل، لا للحظة الحاضر العابر، وستبقى مصر -في كل الأحوال- مهمة لروسيا كما هي مهمة لغيرها من دول العالم.. هذا في ذاته يثير القلق أكثر مما يثير الفرحة، فنحن في بؤرة اهتمام عالم يتصارع، ولا أدرى ما قدرة نظام بكل هذا الضعف والارتباك وغياب الرؤية على التعامل مع كون مصر بكل هذه الأهمية؟”.
واختتم مقاله: “مصر دولة مهمة للعالم، لكن نظامها ليس بكل هذه الأهمية التي تجعل العالم حريصًا عليه، وهذا هو ما يقلق عندما نتصور أن أساليب النظام المغرقة في المحلية يمكنها عند تعامله مع ملف الضبعة أن تكون مفتاح الحل لأوضاع استغلقت عليه استغلاق الضبة والمفتاح!”.
