“باتت معالم المؤامرة البريطانية على مصر واضحة”.. عبارة باتت مكررة على مسامعنا من قبل الإعلام المصري، ولم يكن الحديث عن نظرية المؤامرة هو الأول من نوعه؛ فمنذ الانقلاب العسكري، يستخدم الإعلام كلمة “المؤامرة” لتوجيه الاتهامات للدول الكبرى التي تعارض سياسات عبدالفتاح السيسي، لكن في بداية الأمر كان الأمر طبيعيًا؛ فالتعامل مع تركيا وقطر بأنهما متآمرين لم يكن مفاجأة، لكن المفاجأة هو انضمام بريطانيا وأميركا لقائمة المتآمرين.
أميركا وبريطانيا
أحدث المتآمرين من وجهة نظر الإعلام؛ إذ يشن حملة شرسة على الدول الغربية التي رجحت فرضية وجود عمل ارهابي وراء إسقاط الطائرة الروسية بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ، وعلى متنها 224 راكبًا، متحدثًا في الوقت نفسه عن وجود مؤامرة أنجلو-أميركية ضد مصر بسبب تحالفها المتنامي مع روسيا الاتحادية، وتوقيع صفقات أسلحة متطورة معها، للمرة الأولى منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.
وجاءت هذه الحملة بسبب إقدام مسؤولين بريطانيين وأميركيين على ترجيح إسقاط الطائرة نتيجة قنبلة جرى زرعها في حقائب المسافرين، وتعليق جميع الرحلات إلى مطار شرم الشيخ، ودون انتظار نتائج التحقيقات في أسباب هذه الكارثة.
تشبيه الانتقادات البريطانية والأميركية لوسائل الأمن في مصر بالعدوان الثلاثي..
هذا ما قالته الإعلامية إيمان عز الدين: “إن مصر أمام عدوان ثلاثي أو رباعي أو خماسي، لكنه من نوع جديد يواكب العصر، بالتشكيك وهز ثقة المصريين بأنفسهم، وهز ثقة مصر أمام العالم، وضربها في أهم قطاعات الدخل القومي، وهي السياحة التي تأثرت خلال السنوات الخمس الأخيرة”.
وأضافت “عز الدين”، خلال برنامج “مفتاح الحياة” على قناة “الحياة”، مساء الإثنين، “نتائج التحقيقات لم تظهر بعد أي حقيقة، ورغم أن الوضع الأمني تحسن، ورغم أيضًا أن بعض الدول ليست بعيدة عن الإرهاب، إلا أنه من الواضح أن هناك نية مبيتة وأن قرار إجلاء الدول الأوروبية رعاياها كان مسبقًا”.
وبدأت هذه الحملة بعد إقدام ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، على إحراج “عبدالفتاح السيسي أثناء زيارته الرسمية إلى بريطانيا، بخروجه عبر وسائل الإعلام بعد أيام من الكارثة، والجزم بأن التفجير كان نتيجة عمل تخريبي إرهابي في وقت كانت السلطات المصرية لا تستبعد كل الأسباب الأخرى، بما في ذلك الخلل الفني وتتشدد في مطالبها بضرورة انتظار النتائج الرسمية للتحقيقات وتحليل المعلومات الموجودة في الصندوقين الأسودين”.
و”بلغت الحملة حد الهجوم على السفير البريطاني في مصر؛ حيث قال الكاتب الصحفي حمدي رزق، الثلاثاء، في مقاله الذي جاء بعنوان “48 سببًا لكي تكره السفير البريطاني” جون كاسون في صحيفة “المصري اليوم”، إن “هذا السفير كذاب ومخادع ويسخر من المصريين، لا يُدعى إلى احتفالات وغير مرحب بوجوده في أي فعاليات.. قاطعوا هذا السفير”.
ويؤكد الإعلام المصري أن شرم الشيخ آمنة، فيما ينشط عشرات الصحفيين في المدينة لتغطية استمرار وجود السياح في شوارع المدينة وفي مسابح الفنادق.
السعودية
في مارس الماضي، تصاعدت حدة الخلافات بين القاهرة والرياض مع الظهور للعلن في القمة العربية التي استضافتها مصر، التي شهدت تباينًا واضحًا في نظرة السعودية ومصر للموقف الروسي من الأزمة السورية.
وخلال الجلسة الختامية للقمة، امتدح السيسي روسيا، وأعلن تلقيه رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “أكد فيها أن بلاده تعمل على تسوية عادلة للأزمات في سوريا وليبيا واليمن، عن طريق الحوار بين أطراف الصراع”.
إلا أن وزير الخارجية السعودي الراحل، سعود الفيصل، خالف الأعراف الدبلوماسية، وشنَّ هجومًا عنيفًا على رسالة بوتين، كاشفًا أمام الجميع التذمر السعودي من ترحيب السيسي بالدور الروسي، وهو ما سبب حرجًا بالغًا لقائد الانقلاب الذي يستضيف القمة، بحسب مراقبين.
وقال الفيصل: إن “دعم روسيا للنظام السوري بالأسلحة لا يتوافق مع ما تدعيه من عملها على حل سياسي للأزمة”، متهمًا بوتين بالاستخفاف بآراء القادة العرب حول مصالح الشعب السوري، وروسيا بالكذب حين “تدعو للحل السلمي وفي الوقت نفسه تدعم النظام السوري الذي فقد شرعيته”.
وتدعم السعودية المعارضة السورية وتمدها بالمال والسلاح، فيما تقف روسيا في صف بشار الأسد وتدعمه سياسيًا وعسكريًا.
وأثار الإعلامي “إبراهيم عيسى” جدلًا كبيرًا بعد انتقاداته اللاذعة وغير المعتادة من الإعلام المصري للسعودية، خاصة كلمة وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل، في القمة العربية.
وقال “عيسى”، خلال برنامجه على قناة “أون تي في”، إن السعودية لم تنتظر القمة العربية وضربت الحوثيين، لتفرض على العرب موقفًا معينًا وتسيطر على المشهد العربي، مشيرًا إلى أن الحوثيين ليسوا إرهابيين بل هم جزء من الشعب اليمني.
وأكد أن الضربات السعودية لا توجه إلى معسكرات الإرهابيين بل إلى البنية الأساسية اليمنية مثل المطارات والمنشآت.
وفي وقت آخر، علق عيسى على دعوة القمة العربية للمؤسسات الدينية الرسمية إلى مواجهة الإرهاب والتطرف بقوله: “هل معنى ذلك أن المؤسسة الدينية بالسعودية وفتاوى ابن باز التي تمنع قيادة المرأة للسيارة هي من ستقوم بذلك؟”.
وتابع عيسى هجومه على السعودية، في برنامجه “30/25” الذي يبث على قناة “أون تي في”، قائلًا: إن “غالبية الإرهابيين ومفجري أنفسهم في العراق وسوريا هم من السعوديين”، مشيرًا إلى أن الأزهر أيضًا مخترق من الفكر الوهابي ولا أمل منه.
قطر
ولاقت قطر نصيبها، فوضعها السياسي مع مصر يسمح للإعلام المصري بوصفها بالمتآمرة؛ إذ قالت صحيفة “البوابة نيوز”، نقلًا عن مصدر “مجهول”، إن هناك مؤامرة إعلامية كبرى ضد مصر، تتمثل في عقد قطر والإخوان صفقات مع وسائل إعلام أميركية وبريطانية مقابل مساحات إعلانية بملايين الجنيهات لشن هجوم على البلاد، من خلال استغلال حادث الطائرة الروسية.
وقال المصدر المجهول، “إن مسؤولين قطريين لديهم اتصالات مع وكالات أنباء عالمية وراء شن هجوم على مصر والقيام بتحركات مريبة بشان ملف الطائرة الروسية، مشيرًا إلى أن هناك حملة إعلامية غربية ممنهجة ضد مصر أطرافها قيادات التنظيم الدولي للإخوان في الخارج، خاصة أن التحقيقات لم تنتهِ بعد، وأن العديد من حوادث الطائرات حدثت ولم يتناولها الإعلام الغربي كما يحدث مع مصر الآن”.
وأضاف أن “التحركات تضمنت محاولة ضرب السياحة المصرية، من خلال مقاطعة الشركات الأجنبية السياحية وشركات الطيران لمصر، إضافة إلى توجيه نداءات إلى الحكومات الأوروبية للتحذير من السفر إلى مصر”.
تركيا
منذ الانقلاب العسكري، وجه الإعلام المصري حملة ممنهجة على تركيا، وكان أبرزها ما نشرته “الوطن” عن “وثيقة وصور جديدة للتنظيم الدولي للإخوان، تكشف عن علاقته مع تركيا، ودعمها للقيادات الهاربة فى الخارج، لإسقاط مصر، والتصعيد”.
وادعت الصحيفة، أن هناك خطة تمولها قطر وتركيا بشكل رئيسي لإشعال الأوضاع في مصر، وضخ 10 مليارات دولار لاختراق الاقتصاد والإعلام ومشروع قناة السويس.
فقر سياسي
واعتبر الدكتور حسن نافعة، هذا الأداء من قبل الإعلام المصري نتيجة طبيعية للفقر السياسي الذي تعيشه مصر، فبدلًا من أن يواجه الإعلام الحقيقة وما يجب أن تكون عليه الإدارة المصرية، يعاكس التيار العالمي ويستمر في توجيه الاتهامات المتبادلة، مستبقًا نتيجة التحقيقات التي لم تكشف بعد، مشيرًا إلى أن الإعلام بات أداة للتهليل وليس للتحليل.
وأكد “نافعة” -في تصريح لـ”رصد”- أن تصرفات الإعلام المصري محل نظر الجميع، ويتم الاستهزاء بها في دول العالم، مطالبًا الجميع بمواجهة الحقائق السياسية دون النظر لاعتبارات أخرى قد تضر بالبلاد، خاصة أن التزييف كارثة تسيئ لسمعة البلاد.
ويقول الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن الإعلام المصري استخدم توجيه الاتهامات والكلمات المرسلة، بينما رد الإعلام الغربي، خاصة “البريطاني”، بصور ومعلومات كشفت وجود استهتار داخل مطار شرم الشيخ.
وأضاف “العالم” -في تصريح لـ”رصد”- “هناك حالة من عدم الإدراك لخطورة المناوشات الإعلامية المبنية على توجيهات وآراء، وسب وقذف دون إرساء مبدأ المهنية، والنظر إلى الحقيقة، فنحن أمام إعلام يترك الكارثة، ويهتم بمن ينتقد الكارثة”.