شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

العُملة بين المحار الصيني والدينار الإسلامي

العُملة بين المحار الصيني والدينار الإسلامي

بقلم: سيلين سارى

النقود ليست مجرد معادن على وجهيها نقوش وصور أنها تروى لنا تاريخ أمم و عروش سقطت وأخرى ظهرت، تروي لنا مصارع الرجال وصعود الغزاة على سنابك الخيول

تُعد النقود الإسلامية من أهم المصادر وأدقها في إعادة كتابة التاريخ، كونها لا تقبل الخطأ، لأنها تصدر من جهة رسمية.

وأهمية النقود تبرز في كونها إحدى أركان الدولة، وشارة من شاراتها، وعنوان مجدها، تتصل باقتصادها وتشريعها وسائر أوضاعها وعلاقاتها بالدول المجاورة والمعاصرة لها.

لم يستعمل الإنسان النقود إلا عندما ترك حياة الغابات، ففي الغابة كل شيء موجود للجميع، ولكن عندما ترك الغابة وأستقر بمناطق مختلفة كل منها لها سلعها المختلفة ظهرت الحاجة لوجود اختراع له قيمته التي تمكن البشر من تبادل السلع فيما بينهم 

ففي العصور القديمة اتفق الصينيون على استعمال المحار على إنه الوسيلة الرسمية للتبادل، وظل كذلك حتى القرن الرابع قبل الميلاد حين ظهرت العملة المعدنية، كما لعب الثور دورًا هامًا في بلاد اليونان، وكانت الجارية مثلا تباع بأربعة ثيران، ولكن لما كانت الخسارة والتلف وعدم القدرة على تجزئة هذه الوسائل في التعامل لذا اتجه التفكير إلى ضرورة الاعتماد على سلعة تجمع بين المنفعة والبقاء، وهذا التفكير كان أصل اتجاه الناس لاستخدام المعادن كوسيط للمبادلات فهي تمتاز بثبات معيارها وسهولة حفظها، وطول عمرها وإمكانية نقلها، وكذلك قابلية تجزئتها، وهكذا اتجه البشر إلى استخدام المعادن وكانت تمثل في البداية مسؤولية أصحابها الذين نقشوا عليها أسماءهم، ثم تدخلت الدولة ووضعت عليها ختمها الرسمي كي تصبح قانونية ولكي يأمن الناس التزييف والغش في الفضة والذهب.

و تعدّ النقود أهم نظام اخترعه الإنسان لتنفيذ المبادلات عبر العصور ، وقد أجمع علماء المهتمين بهذا المجال أن الليدين بآسيا الصغرى في عهد الملك كرويسيوس الليدي (561 – 546 ق م) هم أول من سك النقود المعدنية من الذهب الفضة استنادًا إلى رأي هيرودوت، ثم انتشرت عن طريق التجار إلى جميع أنحاء العالم، حيث اتخذت الدولة رمزًا خاصًا بها فنقشته على نقودها، وعلى هذا النهج سارت سنة الأشكال النقدية في العالم العربي والإسلامي؛ حيث نقشت على النقود الإسلامية شهادة التوحيد (لا إله إلا الله وحده لا شريك له).

الدينار الإسلامي

إذا كان الدينار الذهبي الذي أصدرته الإمبراطورية البيزنطية المعروف (بالصولدي)  قد اكتسب مكانة دولية في صدر العصور الوسطى، فإن الدينار الذهبي الإسلامي الذي أصدره الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/685-705م) قد حظي بمكانة عالمية، واكتسب بجدارة احترامًا وقبولاً في أرجاء العالم القديم دون أن ينازعه في ذلك منازع، منذ أوائل القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري) حتى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري).

كان سك الخليفة عبد الملك للنقود الإسلامية (الدينار الذهبي والدرهم الفضي) من أهم أحداث التاريخ الإسلامي نظرًا لما ترتب عليه من نتائج بالغة الأهمية اقتصادية وسياسية، محلية وعالمية، بل يمكن القول إن هذا الإنجاز كان إيذانًا بـ”انقلاب” جذري في النظم المالية والاقتصادية التي كانت سائدة في عالم العصور الوسطى.

ولكي ندرك هذا الإنجاز على حقيقته، علينا أن نتعرف بداية على الخريطة النقدية التي كانت سائدة في العالم عشية ظهور الإسلام 

 ففي بداية القرن السابع الميلادي. أجمعت المصادر أن الإمبراطورية البيزنطية كانت الدولة الوحيدة التي تصدر العملة الذهبية وهي المعروفة باسم “الصولدي”. والدولة الفارسية كانت تصدر العملة الفضية وهي الدرهم الفضي الفارسي. 

وقد استخدم عرب الجزيرة في تجارتهم مع الشام وفارس واليمن قبل الإسلام بشكل رئيسي، الصولدي البيزنطي والدرهم الفارسي، ولم يكن أمام الدولة الإسلامية الناشئة خيار سوى استخدام النقود المتداولة من بيزنطية وفارسية؛ خدمة لشؤونها المالية والاقتصادية، وحرصًا منها على مصالح الناس عامة، ولا سيما أن الهم الأول للمسلمين في تلك المرحلة، كان نجاح الدعوة الإسلامية وتثبيت أركان الدولة، ونشر الإسلام في الجزيرة وخارجها. ولهذا فإن سك نقد جديد لم يكن مطلبًا مُلحًّا آنذاك، كما أن الشروط اللازمة لنجاح مثل هذا المشروع لم تكن قد توفرت بعدُ 

تاريخ سكّ الدنانير العربية

تؤكد لنا النقود ما جاء في المصادر التاريخية، أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-76هـ) كان أول من عرّب السكة الإسلامية تعريبًا كاملاً حين بدأ بتعريب الدواوين؛ حيث وجد أن من ضرورات الاستقرار السياسي والاقتصادي، إضفاء الطابع الإسلامي على جميع الميادين الإدارية والمالية.

ويقف كذلك وراء قرار عبد الملك بتعريب العملة، جملة من الأسباب، ولكن السبب المباشر هو ما عُرف تاريخيًّا باسم “مشكلة القراطيس”، أي ورق البردي. وخلاصتها أن مصانع البردي في مصر اعتادت أن تبعث بهذا الورق إلى بيزنطية، وقد كتبت عليه بسملة التثليث (الآب والابن وروح القدس) باللغة اليونانية.

واستمر هذا التقليد قائمًا بعد فتح مصر على يد المسلمين، ولا سيما أن أصحاب هذه المصانع كانوا أقباطًا، وقدَّر الله أن يتنبه عبد الملك إلى هذا الأمر، فطلب من عامله على مصر بأن يلغي هذا التقليد، وأن يكتب على البردي: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾. وعندما علم الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني (ت 711م) بذلك، استشاط غضبًا وبعث إلى الخليفة أكثر من مرة يطلب منه سحب قراره. وعندما أدرك الإمبراطور أن عبد الملك مصمم على موقفه، هدّده بأن يصدر دنانير تحمل نقشًا مُهينًا للإسلام والمسلمين. فاستشار الخليفة أصحابه، واتخذ في ضوء ذلك قراره التاريخي بسك الدينار الذهبي الإسلامي، وتحريم تداول الدنانير البيزنطية تحريمًا كاملاً. وبذلك انتزع من جستنيان الورقة التي كان يهدد بها.

ولقد أزال عبد الملك عن النقود الإسلامية رسوم الأباطرة البيزنطيين والشارات المسيحية من الدنانير، وكذلك ألغى رسوم الملوك الساسانيين وشارات معابد النار، مستعيضًا عنها بآيات من القرآن الكريم ومأثورات إسلامية خالصة، بل نجد على الوجه الثاني للعملة تاريخ الضرب واسم المدينة.

أشكال النقود العربية 

كانت النقود التي سكها عبد الملك بن مروان حينئذ ثلاثة أنواع هي:

الدينار وأجزاؤه كالنصف والثلث وكانت من الذهب ، والدرهم من الفضة ، والفلس من النحاس.

الاستقلال المالي

 وانتهى النزاع باشتعال الحرب من جديد بين المسلمين والبيزنطيين، تلك الحرب التي كان النصر فيها للدولة الإسلامية.

ومما لا جدال فيه أن هذه الحرب لم تكن مجرد صدام بين حاكمين، ولكنها كانت تحديًا وصراعًا بين حضارة قديمة تفتخر بتراثها الديني وسلطتها العالمية من ناحية، وبين دولة فتية تحتم عليها أن تفسح مكان لعقيدتها الدينية الخاصة بها، ولحقوقها الخلافية من ناحية أخرى. وقد أخذ الدينار الإسلامي بالانتشار التدريجي، وغدا العملة الذهبية الوحيدة في العالم الإسلامي؛ من حدود الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا، ووضعت الدولة الإسلامية النظم والقواعد لدعمه وحمايته. ولكن لم يقتصر انتشار هذا الدينار داخل حدود العالم الإسلامي فقط، وإنما اجتازها إلى مدن العالم القديم وأسواقه أيضًا. مما حقق للدولة الإسلامية السيادة الاقتصادية

 وأضحت النقود الإسلامية خير سفير لعقيدة التوحيد بما تحمله من كتابات عربية وآيات قرآنية، اكتسبت الثقة بين شعوب أوربا التي أطلقت عليها لفظ “المنقوشة” كما وردت في النصوص اللاتينية، بل إن بعض ملوك إنجلترا -وهو الملك أوفا- لم يقبل شعبه غير النقود التي ضربها تقليدًا للنقود العربية المنقوشة. ولا زال بالمتحف البريطاني واحد من دنانير الملك “أوفا” وعليها شهادة التوحيد والرسالة المحمدية والتاريخ الهجري عام (157هـ) واسم الملك باللاتينية.

 

عندما كنا أعزاء بديننا ملكنا العالم عسكريا واقتصاديا — ‏



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023