للمرة الأولى يكشف الدكتور مراد وهبة – داعية العلمانية وفيلسوفها في بلادنا – عن أن العلمانية هي في أصولها وجذورها “نزعة سوفسطائية”، وبنص كلامه: فإن عبارة الفيلسوف السوفسطائي “بروتا غوراس” (480– 410 ق.م): “الإنسان مقياس الأشياء جميعاً” هي بداية العلمانية”!.
وغير هذا “الاعتراف المذهل” يعترف الدكتور مراد وهبة – في مقاله “مسار العلمانية في الحضارة الإنسانية” – بمجلة “الثقافة الجديدة” الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية عدد أغسطس 2015 بأن “الحكمة” – هي الأخرى – أصلها سوفسطائي فيقول: “إذا قيل عن الفلسفة إنها حب الحكمة، فمعنى ذلك أن الحكمة هنا ذات طابع إنساني ومن هنا يمكن القول بأن حكمة السوفسطائيين هي حكمة علمانية، خاصة وأن جذر لفظ “الحكمة” هو أيضا sophos ولهذا ربط السوفسطائيون الحكمة بالمعرفة، ومعنى ذلك أن الحكمة لا تكمن في الإيمان، بل في المعرفة، أي أنها تكمن في النسبي وليس في المطلق، ومن هنا استبعد السوفسطائيون الحقائق الثابتة والمطلقة”.
ومن “الاعترافات” الهامة للدكتور مراد – في ذات المقال -: “أن عصر التنوير – الذي عرفته أوربا في القرن الثامن عشر – “والذي يحرر العقل من كل سلطة ما عدا سلطة العقل” هو “تنوير مؤسس على العلمانية” – أي على النزعة السوفسطائي – وأن هذا التنوير قد أفرز – في القرن العشرين – “حركة لاهوتية تسمى “اللاهوت العلماني” وأن فلاسفة هذا اللاهوت العلماني: “توماس التيزر” و”وليم هاملتون” اللذين نشرا عام 1966م كتاباً عنوانه: “اللاهوت الراديكالي وموت الله”.. وأنهما قد حكما “بموت الله” تبعا لموقف الفيلسوف الألماني “نيتشه” (1844– 1900م) الذي أعلن “أن الله قد مات” وذلك في كتابه “هكذا تكلم زرادشت”.
فالله – في هذا اللاهوت العلماني – المؤسس على التنوير السوفسطائي – النابع من الحكمة السوفسطائية والعلمانية السوفسطائية – قد مات، ومعه مات المطلق، ولم يبق إلا النسبي كما قرر السوفسطائيون.. والدكتور مراد!.
بقي أن الدكتور مراد وهبة – الواسع الانتشار في الصحافة المصرية بالسنوات الأخيرة – وأحد طلائع الداعين للتطبيع مع الكيان الصهيوني – “جماعة كوبنهاجن” – والذي كشف لنا – ولأول مرة – عن الجذور السوفسطائية للعلمانية، وللتنوير، ولموت الإله في هذا التنوير، بقي أن الرجل لم يفسر لنا “لغز” وجود “لاهوت علماني”؟! إذ كيف يكون هناك “لاهوت” نسبي غير مطلق؟ وكيف يموت الله في هذا اللاهوت؟!
أم أن الفلسفة – التي هي الأصل في كل هذه المنظومة التي يبشر بها الدكتور وهبة – هي الطريق لفهم وتفسير هذا الذي اعترف به الدكتور الفيلسوف؟!.
إن “الحكمة” في الثقافة الإسلامية – التي يرفضها الدكتور وهبة – “هي الصواب في غير نبوة”، أي أن لدنيا صواباً جاء به الوحي، وصواباً جاء به العقل.. والله سبحانه وتعالى هو الذي أنزل الكتاب والحكمة.. وفي القرآن يوصف الوحي بأنه “فرقان” ويوصف العقل بأنه “فرقان”، وفي هذه الثقافة الإسلامية يصبح الشرع مع العقل “نوراً على نور”.
ونحن نهنئ العلمانيين في بلادنا بفيلسوفهم الذي كشف لنا ولهم عن أن العلمانية والتنوير والحكمة – عندهم – هي سفسطة يونانية قديمة، زعمت وتزعم أن الله قد مات، تعالى الله عما يصفون علواً كبيراً.
المصدر: عربي 21