يضرب أحمد عكاشة من جديد، ويتفوّق على توفيق عكاشة في “تدجيل” الحالة السياسية في مصر.
الرجل الذي ذاع صيته اسمًا كبيرًا في مجال الطب النفسي، والمرصّع بالألقاب العلمية، والرتب الرسمية، آخرها عضو المجلس الاستشاري التابع لعبد الفتاح السيسي، يأبى إلا أن يهبط بمستوى التحليل النفسي للعزوف عن الانتخابات، إلى مستوى ما تحت عبط التوك شوز.
صدمة المقاطعة وضحت آثارها على العالم الرصين، فأراد أن يخرج المسألة من كونها تعبيرًا عن موقف سياسي وحضاري وأخلاقي من المسخرة التي تدور في مصر، إلى اعتبارها أزمة كبت جنسي.
يقول في حوار مع صحيفة “المصري اليوم”، ردًا على سؤال المقاطعة ما يلي “بالتأكيد، هناك سبب آخر مهم، ألا وهو تأجيل الزواج نظرًا للظروف المادية، في عدد كبير من دول العالم ومنها مصر، حيث تسبب هذا الأمر في إيجاد حالة من الكبت الجنسي لدى بعض الشباب. ما يؤدي إلى انصراف الشباب إلى النت فترات طويلة ليلًا والنوم نهارًا، ما يعمل على ابتعاد عدد منهم عن الانتخابات”.
لم يفعل “عكاشة النفساني” مثل “عكاشة التلفازي”، ويصف الشعب المصري بأنه للبهائم أقرب، لكنه قرر أن يرتاد منطقة أخرى أكثر إثارة، ذاهبًا إلى أن المشكلة تكمن في تأخر سن الزواج، وهو تبرير لا يقل سخفًا وابتذالًا وإهانة لحرية التعبير، ممّا جاء به المذيع الذي يقر بعظمة لسانه بأنه “حمار”.
تدور نظرة أحمد عكاشة للشباب في فلك الرؤية العسكرية لهم، منذ فترة حكم المجلس العسكري، والتي مرّت بمراحل من التسفيه والتشويه، ثم التملّق والتزلّف، وأخيرًا الاتهام بالعمالة والتمويل، والإلقاء بهم داخل السجون.
هم “النبت الطاهر النضر” الذي أينع على أرض مصر، بتعبير المشير حسين طنطاوي، حين كان مجلسه متورطًا في إراقة الدماء، ومتهمًا بارتكاب مذابح، فكان لا بد من إنتاج خطاب رسمي يتملّق مشاعر الغضب، وينافق “ثورة يناير العظيمة”، ثم هم خونة، بعد أن استطاع العسكريون الانقضاض على “الثورة العظيمة”، ووضعها في المحرقة، وتحويلها إلى نكسة ومؤامرة، حسب الخطاب الرسمي المعتمد، وبالتالي، عاد شبابها جهلةً وقابضين ومموّلين وخونة.
يمكن للسيد عكاشة، عضو مجلس كبار علماء السيسي، أن يقترح على السلطة التي يتألق في ترويجها والذود عنها، أن تصبح الانتخابات “سواريه”، بحيث تفتح اللجان أبوابها، عندما يأتي المساء، وبعد أن يكون الشباب الهارب من الكبت الجنسي إلى السهر مع “الإنترنت” حتى الصباح، ومن ثم لا يستطيع الاستيقاظ مبكرًا، وليحدثنا عن حجم الإقبال ونسبة المشاركة وقتها، وخصوصًا أنه يجزم بيقين “نحن نعيش في هامش حرية جيد ويزداد تدريجيًا”. وهذه نكتة لا تقل سخرية عن نكتة عبد الفتاح السيسي الأشهر “مصر تعيش حرية تعبير غير مسبوقة”. وبالمصادفة البحتة، كان الشباب قد خصصوا يوم أول أمس للتدوين من أجل التذكير بآلاف من زملائهم ورفاقهم، يمارسون الاستجمام على شواطئ “حرية التعبير غير المسبوقة” وراء أسوار السجون والمعتقلات، ويستمتعون بأحدث وسائل الترفيه، من هراوات مرجانية، وأجهزة صعق بالكهرباء.
لا يريد النظام الذي يحترف “العكاشيون” الدفاع عنه أن يعترف بأنه قتل كل رغبة في ممارسة سياسية، حين أطلق النار على الديمقراطية، واعتبرها قيمة معادية للوطنية، أو بتعبير أحمد عكاشة “لا تحدثني عن تعليم ديمقراطية، وهناك جماعات إرهابية، وهم الإخوان، يقومون باختطاف أطفال الشوارع بالأموال، لتفجير الأماكن العامة ورجال الشرطة والجيش، فهنا وفي هذه الحالة، الدولة تتعامل مع الأمر بقوة، وتضرب بيد من حديد على المتورطين، فنحن في ظروف استثنائية”.
ستظلون سجناء ظروفكم الاستثنائية، وسيبقى إبداع الشباب في التعفّف عن روث انتخاباتكم الهزلية، درسًا لكل تجار الخرافة، ومروجي الأباطيل، حتى وإن أطلّوا في مسوح العلماء والكهنة.