ناصريون يأكلون خبزهم من عداوته، عداوة رمزهم في العلن قبل السر، ويرفعون شارة البطولة علامة محصنة وماركة سياسية مسجلة، علامة ناصر وبرنامجه، الابتزاز بالماركة أو العلامة من المحيط إلى الخليج، ولا يستحون من فضيحة التناقض، فلقمة العيش مرّة، وخائنة أحياناً.
جمال فهمي، صحافي ناصري من الألف إلى الياء، ونقابي ناصري عتيد في نقابة الصحافيين المصريين، من الفتحة حتى الكسرة، حتى إن اسمه لا يخلو في صدارته من بركة الاسم، علاوة على أنه صحافي في جريدة العربي الناصري، وخاض أغلب معاركه تحت راية الناصرية، ابتداء من عمّال اليومية والتراحيل، حتى المحافظة الشرسة على ما تركه عبد الناصر من مصانع ووحدات صحية وبيطرية. دافع بشراسة عن كل حروب ناصر، من غلق المضايق واليمن حتى 1967، من دون أن تلين له قناة، أو تهدأ له عريكة.
ومثل غيره من قادة الأحزاب الناصرية وقواعدها، تمهيداً للإطاحة بمحمد مرسي، رحبوا جداً بحمل صورة جمال عبد الناصر بالقطع الكبير، والمبروزة بجوارها صورة عبد الفتاح السيسي، الملهم والتلميذ بجواره على الخطى، يسير واثق الخطوة، ويقف في البرواز ملكاً، على أكتاف قواعد الحزب في شارع طلعت حرب، فكما أنبتت 1954أزمتها فالتاريخ دوّار، وحتما ستنبت 2013 بركتها وزعيمها من رحم الضرورة، على حد تعبير محمد حسنين هيكل، ومن رحم إيزيس وبناتها، على حد تعبير وسيم السيسي وعبد الحليم قنديل. وسيم على البوّابة الفرعونية، وقنديل على البوابة العروبية.
أما صاحب البوّابة الشرقية، فقد تركها، وواصل زحفه إلى بوابة مكتبة القاهرة، ولواءات الجيش، واعتبر السيسي من أكابر الجمّالية، ومن ممتلكاتهم قهوة ذكرها نجيب محفوظ في حولياته الأدبية، وتلك نبوءة أخرى بالعبقرية، أقرها محفوظ للسيسي قبل أن يراه. وحاول إن شاء الله وتقول: وإيه يا عمي اسم قهوة ذكرها نجيب محفوظ؟، فقد يطبق عليك الحدّ في واحدةٍ من ساحات الجمّالية، لو زدت حرفا.
المهم أن جمال فهمي، بكل هذا التاريخ الحاشد مع عبد الناصر، ابتداء من يفاعة المقصد والفكرة والتوجه، كغيره من مناصري السيسي، من زنقة إلى زنقة، حدّثته أحلام العمل التلفزيوني بتكملة تاريخه النضالي، بعد الإطاحة بمرسي، فاختار بعد عروض ورفض وتمحيص وإعمال الفكر والنظرية قناة ساويرس الفضائية. بالله، حتى على التاريخ، والتاريخ تتم أيضاً مجراه ومجرياته في المشيئة، المشيئة التاريخية أقصد. أسأل: كيف استطاع ساويرس أن يفتح قناة تصالح وتوفق في الحلال ما بين ناصريٍّ مغوار، مع بعض ألوان طيف ماركسية تذوب أمام أول دولار، مع ملياردير لا يشق له غبار؟
حدث ذلك والله، وجمال فهمي ما زال باسم جمال عبد الناصر، حتى إن جاكيت جمال يشبه جاكيت ناصر، حتى نظارته السوداء، حتى أقلامه، حتى أحباره، حتى عطوره المتقشفة والنادرة، وغالباً ستكون كولونيا ثلاث خمسات. كيف استطاع جمال فهمي أن يخلط بين ماركس وناصر وساويرس في قناة واحدة، والرجل يتكلم في القضايا نفسها مع بعض التحويرات المدهشة، فإذا تظاهر طالب من جامعة القاهرة، قال إنها أخطاء عمْرية، علينا أن نتعامل معها بلطف وتمهل، لأنهم في النهاية أولادنا.
أما لو تظاهر طالب من جامعة الأزهر، فهؤلاء مجرمون، علينا أن نعطيهم الدرس بقانون التظاهر، وهو كفيل بتأديب المجرمين. هل كان ناصر انتقائياً، وهو صاحب فكرة جامعة الأزهر التي هي، في الأساس، حاضنة للفقراء من أبناء القرى في الدلتا والصعيد؟ فكيف انقلب ابن فقراء ينتمي إلى ناصر على فكر ناصر وجامعته وفقرائه، بهذا الشكل الفادح، وفي قناة تدار بملايين رجل أعمال لا يدّعي اشتراكيةً ولا ناصرية، بل يعتبر أن ناصر كان يفرض خرساً على الأب والأعمام؟ فكيف صار فقير كجمال، فصيحا في قناة رجل أعمال. واضح أنها بجاحة الفكرة، حينما تقف عارية للبيع في السوق، سوق الكلام. تلك الحرفة التي نجيدها، في مصر، بعدما بارت كل الحرف.