شباب مصر يتغير.. لكن هل هذه التوجهات الجديدة مؤقتة، أم أنها وصلت إلى مستوى أعمق لدرجة أن بإمكانها تغيير الجيل القادم؟
يبدو أن الأمور تتغير. وإطلالة على شباب مصر في المناطق الحضرية اليوم يشير إلى أن مواليد التسعينيات فصاعدًا يُظهِرون سلوكيات مختلفة جذريًا عن المعتاد. ويبدو أيضًا أن هؤلاء الأفراد يؤمنون بنظم مختلفة أكثر مرونة؛ بما يسمح للأفكار الجديدة وغير التقليدية بالتبلور.
يرفض شباب مصر اليوم أن يعيش في الجلباب المبالغ فيه الذي حاكه المجتمع له، ليملي عليه السلوك الذي ينبغي اتباعه. والسؤال هو: لماذا ينفصل الشباب وكيف؟
لا يعود ذلك إلى عامل واحد فقط، بل إلى عناصر مختلفة أدت إلى هذا التغيير السلوكي. وأول الأحداث البارزة التي قادت إلى ذلك هي ثورة يناير 2011.. هذه الدعوة الفيروسية للتغيير امتصها المصريون الذين كانوا قد أصابتهم السآمة. وبعد الإطاحة بمبارك تغيير الشباب المصري: هُدِم جدار الخوف، ومحيت اللامبالاة، ترددت أصداء الأحداث السياسية على المستوى الاجتماعي.
رغم أن هذا الرابط قد يبدو ضعيفًا إلا أن هذه الانتفاضات منحت جيل الشباب شعورا باستعادة القوة والسيطرة، خاصة فيما يتعلق بحياتهم الشخصية ومستقبلهم، وهو ما فتح الباب بدوره أمام التغيير.
في السنوات الأربع التي أعقبت الانتفاضة، واصل الشباب كسر الصمت فيما يتعلق بالمقبول اجتماعيا وإدخال متغيرا تجديدة غير تقليدية.
ظهر ذلك في المسلسل الرمضاني “تحت السيطرة”؛ الذي جاء صادما للمشاهدين، خاصة الأجيال الأكبر سنا، بما يحتويه من مشاهد تدخل في نطاق المحرمات: إدمان المخدرات، والجنس خارج إطار الزواج، والإجهاض، إلخ، وهي القضايا التي لا تناقش علنا في المجتمع المصري.
برغم ذلك، حقق المسلسل نجاحا كبيرا، وحصد نسبة مشاهدة مرتفعة. وفي المقابل رفض البعض مشاهدة المسلسل، لاعتقادهم بأنه من غير اللائق مشاهدة هذه الأعمال، ورآى آخرون أنه دمر الأخلاق وروج لثقافة المخدرات؛ ما يعكس التوجه المحافظ في الثقافة المصرية.
والسؤال الحقيقي هو: هل هذه التوجهات، والاختلافات داخل الثقافة المصرية، مؤقتة وآنية فقط، أم أنها تتسم بخصائص جريئة توغلت لمستوى أعمق بما يكفي لتغيير الجيل القادم؟
قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، من المهم تسليط الضوء على شريحة السكان التي تُلاحَظ وسطها هذه التغييرات: الطبقة المتوسطة العليا والطبقة المرتفعة.
أفراد هاتين الطبقتين يميلون إلى الاحتكاك بالثقافات الأخرى؛ لأن الكثير منهم يمتلك رفاهية السفر إلى الخارج أو حتى التواصل دوليا. علاوة على ذلك، فتحت العولمة عدة أبواب أسهمت في جلب العقليات الغربية الغريبة إلى الثقافة المصرية عبر شبكة الإنترنت.
ومع وصول نسبة التمدُّن إلى 45.8% في عام 2015، من المحتمل جدا أن يتعرض المواطنون الذين يسكنون الريف إلى النظم التي يعتنقها الشباب في المناطق الحضرية في وقت ما.
وبالتالي، من خلال التواصل والملاحظة، قد يكتسب شباب الريف هذه السلوكيات التي ستشوه مرة أخرى القيم والمعايير التقليدية التي يتبناها كثير من المصريين. ورغم ذلك، يُستَبعَد أن تتأثر هذه الفئات بشكل كبير. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن التقاليد والأعراف الثقافية لا تزال متجذرة بعمق في هياكل أسرهم.
ولأوضح الموقف، اسمحوا لي أن عرض ما يعتبره هؤلاء المراهقون- في أواخر العشرينيات- عاديا:
– الفتيات اللواتي كنَّ يدخنّ بسرية؛ لتجنب أن يشاهدهن أحد أفراد الأسرة، أصبحن الآن يدخنّ علنا في مقاهي القاهرة.
– أصبحت الملابس أكثر ضيقًا وتكشُّفًا.
– يقضي كثير من الشباب والفتيات ليالي الجمعة سويًا دون رقيب.
– أحيانا يحدث ذلك في الحانات والأندية التي تقدم المشروبات الكحولية.
– تحول الساحل الشمالي من كونه وجهة لقضاء عطلة الصيف مع الأسرة إلى ما يشبه جزيرة إيبزا الإسبانية.
– صحيح أن الوضع الاجتماعي الراهن لا يزال مناهضا للشرب وعدم الاحتشام، لكن الشباب يسيرون حاليا على درب تطبيع هذه الممارسات.
ويبقى الزمن وحده كفيلا بمعرفة ما إذا كانت السلوكيات والمواقف التي نراها اليوم ستنتقل إلى حياة شباب الجيل القادم أم لا.