قد يبدو نظاما مبارك والسيسي متشابهين، لكنهما ليسا متطابقين؛ فالسيسي لن يكون قادرًا على تكرار نظام مبارك؛ لأنَّه يفتقر شكلًا ومضمونًا إلى السيطرة التي طورها مبارك طيلة فترة حكمة التي امتدت 30 سنة على النظام السياسي والرعاية الاجتماعية.
فمنذ أيامه الأولى، ربَّى مبارك نظامًا داخليًا للحكم يعتمد على عناصر أساسية تتسم بالضعف، لكنها موجودة، مثل: الأحزاب والبرلمان والدستور ومنظمات المجتمع المدني.
وهكذا أصبح نظام مبارك عبارة عن بنية ديمقراطية بدون مكونات، بعبارة أخرى، استأنس مبارك العملية السياسية وقلل أي تهديدات يمكن أن تقوض حكمه.
لكن عبدالفتاح السيسي بدأ حكمه بإلغاء كل العناصر السياسية الأساسية في مصر، وليس مجرد إضعافها كما فعل مبارك، فاستبعد معارضيه، خاصة الإخوان المسلمين الذين وصمهم بالإرهاب، ورفض تأسيس أو رئاسة أو حتى الانضمام إلى أي حزب سياسي. بالإضافة إلى ذلك، أجَّل الانتخابات البرلمانية لأكثر من عامين، واحتفظ بسلطة التشريع لنفسه، وواصل حملته القاسية ضد حرية التعبير والتجمع.
ورغم الدعم الهائل الذي منحته قطاعات واسعة من الشعب المصري لعبدالفتاح السيسي بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، لم يكن المصريون ينظرون إليه باعتباره رئيسًا أبويًا للدولة، في حين كان مبارك يصوّر نفسه كشخصية أبوية تستمد شرعيتها من كونه أحد قادة حرب أكتوبر 1973، التي لطالما اعتبرها المصريون رمزًا للانتصار ومدعاة للفخر، أما السيسي فلم يرسم لنفسه صورة مماثلة؛ ربما بسبب صغر سنه نسبيًا، أو لأن خطابه الإعلامي لم يقدمه في صورة أبوية.
ويمكن ملاحظة تناقض واضح بين مواقف الرئيسين تجاه المعارضة السياسية، فعلى الرغم من أن قسوة مبارك وصلت إلى حد حظر جماعة الإخوان المسلمين وسجن منافسه في الانتخابات الرئاسية عام 2005، أيمن نور، إلا أن الرئيس الأسبق لم يستبعد تمامًا أي طرف من المشهد السياسي، رغم أنه تعامل مع المعارضة بدرجات متفاوتة من العنف والتسلط.
ويرجح أن الفضل في “الحكم الاستبدادي الحكيم” خلال عهد مبارك يعود إلى فريقٍ من نخبة الفقهاء التشريعيين والسياسيين مثل: فتحي سرور ومفيد شهاب وزكريا عزمي وكمال الشاذلي.
أشخاص مثل هؤلاء غير موجودين في إدارة السيسي، التي تتشكل إلى حد كبير من العسكريين الذين عرقلوا ليس فقط ثورة يناير لكنهم فشلوا أيضا في استعادة أسس نظام مبارك.
لم يحدث سابقًا -حتى في أقوى أيام مبارك- أن استُبعِدَت المعارضة من المشهد السياسي عن طريق غلق المجال أمام الأحزاب السياسية أو الحركات الاجتماعية، والقبض على المجموعات الشبابية مثل 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين، وتسييس الأحكام القضائية.
أدت هذه الإجراءات والسياسات في عهد السيسي إلى وجود خلل خطير في آلية السياسة المصرية ككل.
هذا ليس دفاعًا عن نظام مبارك الاستبدادي، لكن هذه الأمثلة لتوضيح أنه حتى الدكتاتوريات تحتاج إلى سياسة حكيمة للحفاظ على الحكم.
لكن في الواقع، لا يبدو أن السيسي يفهم أن مبارك لم يستمر في الحكم 30 عامًا لأنه قضى تمامًا على معارضيه، ولكن لأنه دشن نظامًا سياسيًا سمح، رغم سلطويته وقمعه، بالحد الأدنى من المشاركة السياسية، والتعبير عن الرأي، والنشاط الاجتماعي.
ولم يكن ذلك بدافع حبه للديمقراطية، وإنما لضمان استمرار حكمه.
كان هذا النظام السياسي فعالًا لدرجة أنه أصبح مألوفًا لدى المعارضة السياسية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي اندمجت مع قوانين اللعبة وتعايشت معها وأصبحت ترسًا أساسيًا فيها.
فحتى الأنظمة الشمولية الأكثر قوة تحتاج إلى هذه العناصر لكي تكون قادرة على المشاركة في اللعبة السياسية.
إن مصر تعاني من فراغ السياسي لن يملأه حتى تزوير الانتخابات البرلمانية. صحيحٌ أن نظام مبارك كان فاسدًا، لكن ما يديره السيسي يفتقر لأدنى أشكال النظام. وإذا كان المناخ السياسي الجاف في عهد مبارك أفرز الجماعات والمنظمات التي أطاحت به في نهاية المطاف بعد ثلاثين عاما عبر مظاهرات سلمية، فإن علينا التزام الحذر؛ لأن المناخ السياسي في عهد السيسي يجفف منابع التعبئة الاجتماعية السلمية وقد ينتج عن ذلك انفجارا سياسيا يستحيل السيطرة عليه.