عبر ثقوب خرقناها في جدران زنازيننا نستطلع من خلالها أخبار الخارج نتلمس منها ما يبهج ويحيي فينا الأمل تابعنا على قدر المتوفر من معلومات الانتخابات المغريية بشغف وسرور بالغ، وقد يسأل سائل متعجبا مالكم وما يحدث خارج بلادكم، ألا يكفيكم همكم؟!
والذي يطرح هذا التساؤل يغيب عنه واقع جديد يتشكل في المنطقة تبعا لتداخل عدد من الإرادات بين مصالح دولية وطموحات إقليمية، وبروز فاعل كان مغفلا في حسابات القوى الدولية والإقليمية في ما يتعلق بالشأن الشرق أوسطي، ألا وهو الإرادة الشعبية التي استفاقت وأدركت حقوقها المسلوبة والمخططات التي تحاك لها، فعزمت على انتزاع الحقوق من تحت أضراس الاستبداد الجاثم على الصدور في صور مختلفة، منها وصاية ملكية، أو جمهوريات متسلطة، أو عسكرية مهيمنة، أو ديموقراطيات زائفة.
وتفجرت ثورات الربيع العربي التي غفل السائل أيضا كيف أنها أطلقت شرارتها في تونس ثم ما لبثت أن اشتعلت في مصر، وليبيا، وسوريا، والعراق ومؤخرا في لبنان، وهناك من البلدان من ينتظر وستصل إليها إن شاء الله وسيطرق الربيع بابها.
هذا كله يعطي دليلا دامغا أن ألم الأمة واحد والحلم أيضا واحد، وأن المستقبل يجب أن يكون أكثر اتساعا من ضيق الوطنيات والقوميات، وتُزال فيه داخلنا الحدود الترابية التي رُسِمت لنا على هوي غيرنا.
صحيح أن موجات الربيع العربي لم تصل إلى شواطئ المملكة المغربية بصورتها البهية في بلدانها التي انطلقت فيها، لكن بلا أدنى شك وصلت أصدائها إلى مسامع الجميع هناك؛ إلى الشعب استنهاضا وشحذا، وإلى النظام الملكي إنذارا وتحذيرا، فتلقف النظام الإنذار على محمل الجد واستبان له علو الموجة، وأنه لا مناص من الانحناء لها حفاظا على عرشه، بخلاف أنظمة اخرى استكبرت وعاندت ورفضت الانصياع لإرادة شعوبها فكان عنادهم واستكبارهم محركا لثورات هدمت عليهم عروشهم، وأدخلوا بلادهم بأنانيتهم أتون حروب أهلية وموجات عنف بتفاوت درجاتها، وعاثوا سفكا للدماء وتشريدا للشعوب في جميع أنحاء العالم.
وبيت القصيد هنا أن الثورة ليست غاية في حد ذاتها إنما هي وسيلة لتحقيق أهدافها التي قامت من أجلها والقيم التي تسعى لغرسها، فإذا تحققت الأهداف وترسخت القيم بطريق آخر غيرها فبها ونعمت، أما وأن الأنظمة استعصت وقطعت كل السبل لتحقيق حلم شعوبها فلم يتركوا لها بديلا غير الثورة طريقا يسلكونه.
حلم الشعوب
ويتلخص هذا الحلم في التحرر من الاستبداد والقهر والوصاية، والتخلص من الفاسدين المفسدين الذين ينهبون ثروات الأمة، وفي تشكيل مناخ وواقع سياسي هذه محدداته:
تعددية حزبية، وتداول سلمي للسلطة بناء على آلية ديمقراطية، والحق في المعارضة السياسية، وسمو القانون وانطباقه على الجميع، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، ومجتمع مدني قوي يمنع تغول السلطة -أي سلطة- على حقوق شعبها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحدده قيم العدل والمساواة وتهيمن عليه ثقافة مفرداتها التسامح، والاختلاف، والتكافل، والتراحم.
هذا المناخ هو الذي يفتح الآفاق أمام الإبداع وشحذ الطاقات للعمل، وتعود فيه الخبرات التي هجرت أوطانا تقتل إبداعهم، ويتحول فيه الاختلاف تنافسا وثراء يستفيد منه الوطن.
ختاما هنيئا للشعب المغربي الشقيق هذه الخطوة نحو الحلم المرتجى، والتي أظهرت درجة النضج التي وصل إليها الشعب المغربى فأصبح صوته ينم عن إرادته واختياره المحض -دون مؤثر- لما يراه الأصلح والأنجز والأنظف يدا.
هذا لا يمنعنا أن نوجه نصيحتنا لأشقائنا في المغرب ان يعتبروا بالتجارب المحيطة بهم في مسارهم نحو الحلم، وما حدث من الالتفاف على اهداف الثورة وتشويه رموزها والانقلاب على إرادتها، فأبقوا أعينكم مفتوحة، فكثيرة هي قوى الظلام التي ستلقي أمامكم الأحجار لإعاقة تقدمكم وتنتهز لحظة مناسبة يعدون لها ليسلبوكم حلمكم.