بشكل صريح ومباشر، يحسد المعتز بالله عبد الفتاح، الطفل المريض الذي يحرص عبد الفتاح السيسي على الظهور معه، كرجل للخير والبر والإحسان، يحسده على نعمة السرطان، ويغبطه على أن الجنرال يفضله للعب شخصية الراعي الرسمي.
وعلى نحو أكثر صراحة، يطلب المعتز من المصريين أن يشكروا الله على نعمة العسكرة، حتى تظن أنه لن يمر وقت طويل عليه، ليقترح إدراج سور الكلية الحربية والنصب الاذكاري للجندي المجهول ضمن أماكن دور العبادة، وأن ينظر البرلمان المقبل في إصدار تشريع يلزم كل المؤسسات الحكومية والخاصة، والشركات والمصانع والملاعب وملاهي الفضائيات الليلية، بتعليق لافتة على مداخلها مكتوب عليها “هذا من فضل السيسي وجيشه”.
يخرج المعتز بالله عبد الفتاح لسانه للطفل السوري الشهيد، ويكاد يقول له “عندنا سيسي وأنتم لا”، ويتفوق على ذاته في عبادة السيسي وجيشه، بمقال سيسجله التاريخ كأسوأ ما يمكن لباحث علوم سياسية أن يكتبه.
يتساءل العائد من أميركا عقب اندلاع ثورة يناير ببراءة طفل مريض “لماذا نقف دائماً وراء جيشنا؟ هناك عشرات الأسباب التى يمكن أن نذكرها. ولكن، هناك أحداث ومشاهد تجعلنا نعيد التفكير فى نعمة ربنا علينا. ونزداد شكراً له عليها.
ثم يدخل في صلب الموضوع “ما الفرق بين صورة الطفل إيلان السورى وصورة الطفل عمر صلاح، مريض السرطان الذى اصطحبه الرئيس السيسى على متن يخت المحروسة فى افتتاح قناة السويس؟
لا يضيع “المعتز بالله عبد الفتاح السيسي” وقتا فيجيب بصرامة: والحمد لله على نعمة جيشنا.
تتقافز من بين سطور الباحث السياسي رغبات عارمة في أن يحل مكان الطفل المريض بالسرطان في حياة السيسي، يلبسه الزي العسكري، ويصطحبه في جولاته الافتتاحية، ويأخده معه إلى الكلية الحربية للعب مع الطلبة الجدد.
وتدهشك هذه المهارة العجيبة في التقاط التوقيتات، إلى الحد الذي تحتار معه، هل يحدث قبل النشر أن يرسل “عبد الفتاح” إلى “السيسي” للمراجعة والتعديل، أم أنه العكس، حيث يرسل “السيسي” إلى “عبد الفتاح” للتصحيح والنشر فورا.
عاد الجنرال من جولته محقونا بكمية هائلة من “البوتينية” دفعته إلى أن يكون أول مكان يذهب إليه بعد الرجوع هو الكلية الحربية، ليقول للمصريين بشكل عملي: أنتم رعايا الدولة العسكرية، وعبيد إحساناتها، ويقول لطلاب الحربية أنتم حكام المستقبل وملاكه، ثم يجدد تهديده وتحذيره لمن يعترض”عاوزين تبقوا زي سورية والعراق” .
الرجل الذي أقسم بالله حين كان وزيرا للدفاع، منقلبا، أنه، ليس لديه أو لدى الجيش أي مطمع في الحكم، ثم كرر القسم “لا والله ما حكم عسكر”، يكاد يكون الذهاب إلى الكلية الحربية فقرة ثابتة، متممة لكل زياراته الخارجية.
لا يرتدي الجنرال ملابسه الرياضية، ويركب دراجته، مرة، ويذهب إلى عمال المحلة أو كفر الدوار، أو طلاب جامعة القاهرة أو الأزهر، دائما محيط بالعسكر، ومحاط بهم، في رسالة واضحة للكل: مصر جيش نشأت له دولة، وليست دولة أنشئ لها جيش، يرددها فعلا وقولا: نحن سلطة عسكرية صريحة، وإلا مصير السوريين اللاجئين المهاجرين ينتظركم.
يكشف كل ما يدور في مصر هذه الأيام عن سيناريو لقطع الطريق أمام من يفكرون في دولة مدنية، ليبقى كل شيء في يد العسكريين، ويدور في فلكهم، بدءا من البرلمان وحتى زجاجة الزيت وولاعة السجائر، وليست عمليات قطع الرؤوس المدنية التي شاركت في عملية الثلاثين من يونيو، سوى ترسيخ لفكرة أن المؤسسة العسكرية، وليست النخب المحركة لقطاعات من الجماهير، هي التي أطاحت الرئيس المنتخب، وقضت على ” مؤامرة 25 يناير”، وبالتالي لا فضل لأحد على الجنرالات في إيصال واحد منهم إلى سدة الحكم.
انتهت فترة المزاوجة بين يناير ويونيو، وها هو رأس حمدي الفخراني يطير في الهواء، ليكون عبرة لمن يعتبر، ودرسا قاسيا لكل من يفكر في مزاحمة ملوك العسكرة، وأظن أن كل رجال أعمال، وأحزاب، انقلاب الثلاثين من يونيو، يتحسسون رؤوسهم الآن، بعد أن زمجر الجنرالات، وكشروا عن أنيابهم في وجه كل من يخرج عن النص، ويجرؤ على المنافسة، فيستوعب محمد أبو الغار مضمون الرسالة سريعا، ويتراجع عن اعتزال اللعب الحزبي، بعد ساعات من إعلان قراره.
وفي مناخ مثل هذا، من الطبيعي أن يخلع المعتز بالله ملابسه الأكاديمية، ويردد مثل بلياتشو “الحمد لله على نعمة الجيش٠٠ والسيسي”.