نشر مركز “وودرو ويلسون” الدولي للباحثين، ورقة أعدتها مارينا أوتاوا، ضمن برنامج الشرق الأوسط (صيف 2015)؛ تتناول الدور الاقتصادي الذي يلعبه الجيش في عهد السيسي.
استهلت الورقة بالإشارة إلى “اختيار السيسي صراحةً نظاما سياسيًا سلطويًا لإدارة مصر؛ بحجة أن البلاد لا تستطيع تَحمل الديمقراطية حاليًا، وأن الدستور، وإن كان جيدًا، لا يمكن تنفيذه على الفور. وتأكيده على أن استعادة الأمن وإعادة بناء الدولة المصرية القوية يجب أن تكون هي الأولوية في الوقت الحاضر، ويجب على المواطنين التضحية بمصالحهم الشخصية لمصلحة الدولة”.
وقالت الباحثة: إن “الدعم العسكري هو مفتاح فرض هذا النموذج السلطوي، وتحرير النظام من الحاجة إلى دعم الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والناخبين”.
وأشارت إلى أن النموذج الاقتصادي الذي يطبقه السيسي في مصر، وإن لم يتطور تمامًا، يعتمد بشكل كبير على الجيش؛ حيث يريد السيسي نموًا اقتصاديًا سريعًا من أجل استعادة مكانة مصر السابقة بوصفها قوة إقليمية، وهو يعتقد بأن أفضل طريقة لتحقيق النمو الاقتصادي السريع: تنفيذ مشروعات كبيرة تحت الإشراف العسكري”.
وأضافت “رغم أن السيسي لم يستبعد أهمية القطاع الخاص في خطاباته، إلا أن السياسات التي طبقها على الأرض حتى الآن تصب في صالح الاقتصاد العسكري. وسواءً أثمر هذا النهج نموًا اقتصاديًا سريعًا أم لا، فإنه ولا شك سيعزز موقف الجيش”.
ورأت أن “أي سياسة اقتصادية في مصر اليوم لا بد أن تؤثر على ميزان القوى بين ثلاثة مكونات اقتصادية رئيسية، هي:
(1) القطاع الحكومي/العام
(2) القطاع الخاص
(3) القطاع العسكريّ.
وحول المكوِّن الأول، قالت الورقة: “لا يزال القطاع العام، رغم تقلصه نتيجة موجة الخصخصة التي شهدتها البلاد في التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، مصدرًا لتوظيف المصريين، وسلطة البيروقراطيين الذين يشرفون على ذلك”.
وأضافت “القطاع الخاص -91% من المشروعات الصغيرة التي تضم 1-4 عمال، و1% من المشروعات التي تضم أكثر من 100 عامل- لم يثبت أقدامه حتى الآن ليصبح محركا رئيسيًا للتقدم الاقتصادي”.
وأردفت: “أخيرًا، الاقتصاد العسكري- الذي يضم مجالات متنوعة، بَدْءًا بالمخابز والمجازر، مرورًا بمحطات الخدمة، وصولًا إلى المشروعات الهندسية الكبرى مثل توسيع قناة السويس- ينمو بوتيرة غير مسبوقة، نتيجة للسياسات التي يفضلها نظام السيسي”.
ورأت أن “العواقب الاقتصادية المترتبة على تفضيل القطاع العسكري على نظيره الذي تديره الدولة ليست واضحة، وربما ليست مهمة؛ فلا توجد بيانات تظهر أن الأخير أكثر كفاءة أو أقوى إدارة أو أقل فسادًا من الآخر، لكن العواقب السياسية لتفضيل الأول واضحة، ذلك أن وضع الاقتصاد العسكري في مركز إستراتيجية النظام، مع السيطرة على أهم المشروعات، يعزز سلطة الجيش وتأثيره، ويؤخر إمكانية العودة إلى الحكم المدني في المستقبل”.
وحذرت الورقة من أن “إشراف الجيش على المشاريع الكبرى، وتمكين الاقتصاد العسكري للتوسع في جميع القطاعات؛ يحد من مساحة القطاع الخاص، لذلك يشعر مجتمع الأعمال بالقلق إزاء هذا التطور رغم أن أحدًا لا يجرؤ على التعبير عن قلقه علنًا، ويخشى كثيرون من أن هذا النهج الجديد الذي يتبعه الجيش سيقزِّم دور شركات القطاع الخاص لتتحول إلى مجرد يعمل من الباطن في المشروعات التي يهيمن عليها الجيش”.
وختمت بالقول: “بينما خلق جمال عبدالناصر بيروقراطية تعتمد مصلحتها الراسخة على استمرار القطاع العام، يقوم السيسي حاليا بتعزيز أهمية الاقتصاد العسكري، وفي هذا السياق ينشيء مجموعة جديدة من المصالح الخاصة”.