البراميل المتفجرة بالبذاءة والقبح التي ألقيت، من القاهرة، على سيدات وفتيات بيروت المشاركات في تظاهرات واعتصامات “ريحتكم طلعت”، ليست تعبيراً عن حالة سعار ذكورية، لا ترى في المتظاهرات إلا مجموعة من “المزز”، كما أنها لا تعبّر بحال عن عداء اصطناعي، لدى أردأ ما في الشعب المصري، تجاه الشعب اللبناني، بالكيفية نفسها التي حاول بها إعلام حسني مبارك صناعة مناخ عدائي عام بين المصريين، ضد الشعب الجزائري، لمناسبة مباراة في كرة القدم. هي حالة عداء وكراهية، من مجموعات بعينها، ضد فكرة الثورة والتغيير والتظاهر ضد الفساد وضد الظلم، تجعلهم يهبطون إلى قاع “البهائمية”، ليغترفوا السخائم والبذاءات، ويلقوها في وجه كل من يجرؤ على هز وضعية السكون والبلادة والتكلّس التي علّمتهم حكومتهم أن يطلقوا عليها “الاستقرار”.
وقد عانت النساء المصريات المشاركات في الوقفات والتظاهرات الاحتجاجية ضد الاستبداد والفساد قبل ثورة يناير وفي أثنائها وبعدها، كثيراً، من هذا الروث القيمي، وتلقين كميات هائلة من قمامة القول والفعل، صادرة من صحف ومحطات تلفزيون حكومية، ونقابات مهنية وشبكات تواصل اجتماعي.
ومنذ الوقفات الاحتجاجية على سلالم نقابة الصحافيين في العشرية الأخيرة من حكم حسني مبارك، مروراً بالتظاهرات والوقفات المصاحبة لانتفاضة عمال المحلة الكبرى، ثم الاحتجاجات على مقتل الشاب خالد سعيد، وانتهاءً باعتصامات ثورة يناير واختراع السلطة العسكرية فضيحة “كشوف العذرية”، ثم تعرية المتظاهرات وسحلهن بالشوارع، واستخدام الأسلحة الجرثومية، يتم بكثافة لضرب التجمعات المعارضة والمطالبة بالتغيير.
وما تُرمى به اللبنانيات المتظاهرات الآن سبق استخدامه بالطريقة نفسها، وربما من دون تغيير في المصادر والألفاظ، ضد وقفة شاركت فيها المصريات بكثافة، بحضور الدكتور محمد البرادعي، ضد قتل شهيد الشرطة خالد سعيد في الإسكندرية، حيث تحوّلت صحف نظام مبارك إلى منصات لإطلاق الاتهامات غير الأخلاقية، والطعن في السيدات والفتيات المشاركات.
وكما سجلت في ذلك الوقت، كان الأسوأ من المخبرين المتهمين بتعذيب خالد سعيد وقتله، العيون الوقحة التى راحت ترصد وتدقّق في تفاصيل أزياء السيدات النبيلات المحترمات، اللاتي شاركن في مسيرة الاحتجاج مع البرادعي، تلك العيون المسكونة بغباء أمني جعلها ترى في الآلاف الغاضبة مجرد مئات، ودفعها إلى أن تتحرّش صحافياً، بكل صفاقة، بمسيرة الغضب النبيل التي لم تجد فيها إلا وليمة لهواة التحرش بالنساء. هل نبكي خالد سعيد، أم نبكي على صحافة حوّلها بعضهم إلى فتاة ليل ساقطة؟
في ذلك الوقت، أجمعت صحف الجمهورية والمساء، الحكوميتان، والوفد المسماة معارضة، على رواية واحدة ساقطة تقول “حضر د. البرداعي متأخراً عن موعده الذي كان مقرراً له قبل صلاة الجمعة، ما دفعه إلى الصلاة في مسجد سيدي جابر الشيخ، وهاجم أتباعه إمام المسجد، لأنه أطال في خطبته. الأمر الذي تسبب في إصابة البرادعي بالملل”!
وعزفت الجوقة أيضاً “البرادعي اضطر إلى التجوّل على كورنيش النيل معظم الوقت بصحبة زوجته ومجموعة من النساء اللاتي حضرن معه بملابس صارخة، لا تتناسب مع الموقف المحزن لأهالي قتيل البانجو الذين زارهم البرادعي، وقام بالتصوير في الشقة بجوار سرير الضحية كنوع من الشو الإعلامي”.
وفي ما بعد، ومع اندلاع ثورة يناير، ومشاركة المرأة المصرية فيها بكثافة، تم التصويب على الاعتصامات بالأسلحة القذرة نفسها، حيث كان النهش في سيرة المتظاهرات على أشدّه، فضلاً عن إطلاق قطعان من الذئاب المتحرشة لبث الرعب في التجمعات.
هذا القبح الذي طال نساء مصر سابقاً، هو الذي لحق باللبنانيات حالياً، مأخوذاً عن سينما عادل إمام التي قدمت النموذج في تسفيه التظاهر، سلاحاً شعبياً نبيلاً، من خلال احتقار المرأة، باختزالها إلى مجرد فرصة سانحة للتحرش وإقامة علاقة، في صخب التظاهرات.