يدور جدل في هذه الآونة، حول موقف الإخوان من الفكر الثوري، وهل هو دخيل على أدبياتها، أم أنه أصيل في مناهجها؟ وقد ذكرت من قبل: أن هناك من يظن أنه يحافظ على منهج الإخوان، وأن ما سواه دخيل عليها، بينما ستكشف له مطالعة منهج الجماعة أنه في واد ومنهجها في واد آخر، وبالعودة إلى منهج البنا والجماعة قبل السبعينيات، سيلحظ الباحث الراصد ملاحظة مهمة، أن ما بعد محنة الإخوان في سجون عبد الناصر مختلف تماما عما قبله وبخاصة في أيام البنا.
أما نظريا من حيث أدبيات البنا وموقفه من الثورة، فكتب مقالات تدور في فلك الثورة والعمل لها، والإعداد الكامل لها على كل المستويات، وبخاصة بعد تجربة الإخوان السياسية والدستورية في سوريا سنة 1947م، بترشح عدد من الإخوان في سوريا، فقد دار حوار مهم جدا أتمنى أن أجد مساحة لنشره، بين حسن البنا، ومحب الدين الخطيب، بين له فيه خطأ اعتماده التغيير عن طريق النضال الدستوري البرلماني فقط، وأنه لا بد من إعداد وتهيئة مناخ شامل لهذه الثورة والتغيير، وذلك في مقال كتبه محب الدين الخطيب تحت عنوان: (متى وكيف يكون الحكم الإسلامي؟!) في مجلة (المسلمون) في السنة العدد الأول من السنة الثانية الصادر في ربيع الأول سنة 1372هـ ـ نوفمبر سنة 1952م، ص: 44 – 47.
أما ما يثار من أدبيات الإخوان من الموقف من الثورة، وأننا لسنا دعاة ثورة، فمقصود بها الثورة التي لا قواعد لها تسندها، والتي تأتي من فوق، والتي يكون عمادها قوة مسلحة فقط ليست لها خطط وبرامج وجماهير واعية تحافظ عليها، وترشد مسيرتها.
ودليل ذلك أشهر رسائل حسن البنا والإخوان، والتي لا يدخل إخواني التنظيم دون مروره عليها، وهي رسالة (التعاليم) وفي ركن العمل، يقول حسن البنا: (ومن حقها – متى أدت واجبها – : الولاء والطاعة، والمساعدة بالنفس والأموال.
فإذا قصرت: فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). فهل ستخلع الأنظمة بدون ثورة، أو حراك ثوري شامل؟! أي كلام يحوم خلاف هذا الكلام فهو ضرب من العبث الفكري، ولي لعنق الكلام الواضح.
وكان من منهاج الإخوان الثقافي سنة 1939م، وهو منهج تكويني لدعاة الإخوان، ولا يحق لأحد أن يكون من دعاة الإخوان إلا من اجتاز هذه الكتب بمراحلها، منها كتابان لجوستاف لوبون، وهما: روح الثورات، وسيكولوجية الجماهير. وفيها أكثر من كتاب عن تاريخ الثورات الأوروبية.
هذا بالنسبة لمناهج الإخوان الرجال، أما منهج الأخوات، فأنصح بالرجوع لرسالة مهمة هي أولى رسائل قسم الأخوات المسلمات، تحت عنوان: (مع المرأة المسلمة)، والتي صدرت في أكتوبر سنة 1947م، وورود كلمات الثورة، ضد الأنظمة السياسية والاجتماعية الظالمة بكثرة فيها، ووضوح لا يحتمل اللبس.
لقد آمن البنا بالتغيير، بما يعنيه مفردة التغيير المتاح بكل وسيلة، فسعى لامتلاك كل أدوات التغيير، فأنشأ مؤسسات مدنية تقوم بدور كبير في التغيير من القاعدة، من حيث إنشاء المستوصفات والهيئات الدعوية، والمجالات الاجتماعية وغيرها.
وعلى الإطار الآخر أنشأ هيئات أخرى تعين على التغيير من أعلى، فأنشأ حسن البنا ثلاثة تنظيمات تحت اسم (النظام الخاص) فأنشأ تنظيما يضم المدنيين، وهو (التنظيم الخاص) وكانت أهدافه كما أوضحها الشيخ القرضاوي في مذكراته ثلاثة أهداف:1ـ محاربة الإنجليز. 2ـ الدفاع عن فلسطين ضد اليهود. 3ـ حماية الدعوة من أي عدوان.
وأنشأ الإخوان تنظيما داخل الجيش المصري، وهو ما كان نواة لتنظيم الضباط الأحرار، والذي أسسه الصاغ محمود لبيب، وضم فيه من الإخوان: عبد المنعم عبد الرؤوف، وأبو المكارم عبد الحي، ومن خارج الإخوان وقتها: جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وخالد محيي الدين، والفنان أحمد مظهر.
وأنشأوا كذلك تنظيما ثالثا داخل وزارة الداخلية، وكان يسمى (قسم الوحدات) وكان مسؤوله الأستاذ صلاح شادي وكان ضابطا في وزارة الداخلية. فهل كان إنشاء الإخوان وحسن البنا لهذه الكيانات الثلاثة، لأجل قراءة المأثورات والأذكار داخل وحدات الجيش والشرطة؟! أما أنها كانت تكملة لجهود الحراك الثوري على كل الأصعدة، وهو ما ظهر في مشاركة الإخوان في ثورة 23 يوليو سنة 1952م.
ومن التجارب التي يجهلها البعض، تجربة ثورية بامتياز قام بها حسن البنا والإخوان، وفيها خلع لحاكم مستبد، وهي تجربة (الثورة اليمنية)، بما فيها من صواب وخطأ، لكن دلالاتها القوية لتفكير البنا وتوجههه، وتفكير الجماعة معه، فقد أرسل البنا كلا من: الفضيل الورتلاني، وعبد الحكيم عابدين، وعبد المعز عبد الستار، وغيرهم، إلى اليمن، بعد تواصل لفترة طويلة مع أهلها، وبلغ ظلم الإمام يحيى بن حميد حاكم اليمن مبلغا من الاستبداد والتخلف، وكان من ضمن الإخوان وقتها أحد أبنائه، مؤيدا لهم في ثورتهم، وكان من اليمنيين: عبد الله بن الوزير، والشاعر محمد محمود الزبيري، وغيرهما، وكان سبب فشل هذه الثورة: خطأ قام به إعلاميو الإخوان من باب السبق الصحفي، فنشروا خبر قيام الثورة قبلها بيوم في جريدة الإخوان المسلمين اليومية، فقامت القوى الإقليمية بإجهاضها. يراجع في ذلك مذكرات عبد الله الوزير، وغيره ممن كتبوا عن ثورة الإخوان في اليمن.
هذه لمحات دون دخول في تفاصيل، تبين بجلاء ووضوح أن الخط الثوري أصيل في جماعة الإخوان، وليس معنى ذلك أنه خط عنف أو إرهاب، بل هو خط ثوري بكل ما تعنيه وتحويه كلمة (ثورة) من مقاومة للاستبداد وعدم الاستسلام له، وإنهاء لحكمه بكل وسيلة مشروعة.