شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

جمهورية دولة الأمناء

جمهورية دولة الأمناء
على مدار يومين كاملين دخل المئات من أمناء جهاز الشرطة بمديرية أمن الشرقيةفى إضراب عن العمل ،وقام الأمناء بغلق ستة أقسام شرطة فى اليوم الأول ،وفى اليوم الثانى تم غلق تسعة أقسام شرطة ،وذلك للمطالبة بحقوق مالية ومهنية وصحية

على مدار يومين كاملين دخل المئات من أمناء جهاز الشرطة بمديرية أمن الشرقيةفى إضراب عن العمل ،وقام الأمناء بغلق ستة أقسام شرطة فى اليوم الأول ،وفى اليوم الثانى تم غلق تسعة أقسام شرطة ،وذلك للمطالبة بحقوق مالية ومهنية وصحية منها العلاج فى مستشفيات الشرطة ،الموافقة على التدرج الوظيفى للخفراء ،صرف حافز قناة السويس ، صرف حافز الامن العام ١٠٠٪ من الاساسى ،وزيادة بدل مخاطر العمل ،ورفع بدل الغذاء إلى عشرون جنيها،وعدم نقل أى فرد أو وقفه عن العمل إلا عند ثبوت إدانته . كانت تلك المطالب هى جزء من المطالب العشرون التى رفعها أفراد الشرطةفى إضرابهم .

لم تهتم الداخلية بهذا الإضراب فى أول أيامه ،واكتفت بإصدار بيان أكدت فيه أن الإخوان هم الذين حرضوا عدد من أفراد الشرطة على الإضراب وذلك مقابل مبالغ مالية تم دفعها إلى هؤلاء المضربين ،وصرح مساعد وزير الداخلية لشئون الإعلام أن تصرفات هؤلاء الأفراد تتنافى مع قواعد الضبط والربط ويخرجون عن السياق العام ويسعون لشق الصف.

كانت هذه التصريحات والبيانات سببا فى تفاقم الوضع ،فبعد ان كانت مظاهرة لأمناء الشرطة تحولت فى اليوم الثانى لإضراب واعتصام لأفراد الشرطة ، حيث تجمع أعداد أكثر من الأفراد أمام مديرية الأمن بالشرقية ، ويبدو أن الدولة المصرية أرادت أن تعيد ذكريات ٢٥ فبراير ١٩٨٦ عندما أنهت على انتفاضة الأمن المركزى آنذاك ،ولكن تلك المحاولة باءت بالفشل ، فقد تواجدت ثمانية تشكيلات من قوات الأمن المركزى والعمليات الخاصة بمحيط مديرية الأمن ، وحاولت تلك القوات فض إضراب الأمناء بإطلاق الغاز المسيل للدموع وإقتحام مسجد المديرية ،ونظرا لأن هؤلاء الأمناء مسلحين فبادلوا قوات الأمن المركزى إطلاق الرصاص مما أدى توقف عملية الفض .

وهنا بدأ الأفراد المضربين إقتحام المديرية مصحوبا بهتافات ضد الضباط وقيادات الداخليةواستمر الهتاف طوال اليوم ،وارتفعت مطالب الأفراد إلى رحيل وزير الداخلية .

بعد فشل مسار القوة أخذت الداخلية تفكر فى مسار آخر كالتفاوض ،فأرسل وزير الداخلية كبار مساعديه للأمن العام والأمن المركزى لبحث مطالب الأفراد ،ولكنهما وصلا بعد إقتحام الأفراد مبنى المديرية فتم منعهما من دخول مديرية الأمن ، فاستدعى ذلك وصول المستشار العسكرى للمحافظة إلى مديرية الأمن لحل الأزمة ،إلا أن الأفراد طالبوا بتدخل الرئاسة .

أعلنت الداخلية أن مطالب الأفراد تعجيزية ، وأن قبولها هو كسر لهيبة الدولة ،وما هى إلا دقائق وبدأ توافد أمناء الشرطة من المحافظات المجاورة كالإسماعلية والسويس للمشاركة فى هذا الإضراب ،كما صدرت بيانات تضامنية من أمناء الشرطة بالمحافظات المختلفة- القاهرة والجيزة والقليوبية وبنى سويف ودمياط وقنا والاقصر -، فى أثناء ذلك اجتمع مساعدى الوزير مع عدد من الأفراد لبحث مطالبهم والتفاوض حولها ، وتم فض الإضراب وإعطاء مهلة للدولة مقابل إيجاد حلول ترضى هؤلاء المعتصمين.

المثير للدهشة أن محافظ الشرقية لم نسمع له صوت ولا رأى فى هذا الموضوع وكأن الأمر لا يعنيه ،ولكن علينا أن نلتمس العذر للمحافظ فقد كان فى مهمة وطنية حيث افتتح سيادته – اكبر مشروع وطنى فى محافظة الشرقية -كوافير حريمى بكفرصقر ،وبالتالى فهذا المشروع هو أهم عند المحافظ من الاضرابات والاعتصامات ، وربما أراد المحافظ أن يكون له دور ولكن صدرت له التعليمات بالصمت.

خلال مدة الإضراب طالب العديد من المصريين بتطبيق القانون على أفراد الشرطة – المنوط بهم تنفيذ القانون – بدءا من قانون التظاهر حيث تظاهر هؤلاء الأمناء دون الحصول على موافقة أمنية ، مرورا بقانون الكيانات الارهابية لأن المتظاهرين تلقوا مبالغ مالية من جماعة إرهابية ،انتهاءا بقانون مكافحة الارهاب فقد تم تعطيل العمل بالمنشآت الحكومية وإطلاق الرصاص على قوات الامن وتهديد الأمن العام واستعراض القوة وقطع الطرق وإقتحام منشأة أمنية.

ومع كل هذه المخالفات والإنتهاكات التى ارتكبها أفراد الشرطة – وفقا للقانون- فلن تتمكن الدولة من محاسبة هؤلاء المعتصمين ، وذلك لأن أمناء الشرطة هم العمود الفقرى للداخلية ، وأن الضباط بدونهم لا شئ ، فهم أعلم الناس بالقوانين ،وأكثرهم دارية باللوائح، وأكسبهم خبرة بالتعامل مع شرائح المجتمع المختلفة ، وأن جموع الأمناء فى جميع أنحاء الجمهورية على قلب رجل واحد ، وقد رأينا ذلك خلال الإضراب سواء من التوافد على مقر الإعتصام أو إصدار بيانات تضامنية مع المعتصمين.

لذلك فالدولة تعلم علم اليقين أنها لن تستطيع أن تحيل أى من المعتصمين للمحاكمة لأن أقوى فئة فى الداخلية هى فئة أمناء الشرطة ، وهذا يدل على أننا لا نعيش فى دولة القانون بل نحيا فى جمهورية دولة الأمناء .

اعتقد أن هذا الإضراب هو التدشين الفعلى لمهرجان الإضرابات الفئوية ، فالنظام هو من يفتعل المشاكل بأفعاله ، ففى الوقت الذى يقول فيه السيسي أنه يجب على الشعب أن يضحى ولا يصح أن يكون هناك مطالب فئوية ، لأنه لا يوجد موارد ولن تكون هناك تلبية للمطالب فى الوقت الحالى ، نجده فى نفس اللحظة يصدر قرارات بزيادة مرتبات وبدلات ومعاش القوات المسلحة مما يثير غضب الشعب على هذا النظام ،ولذلك خرج الأمناء يطالبون بمساواتهم بزملائهم بالقوات المسلحة، وقد سبق هذا الإضراب بث تجريبى للمظاهرات الفئوية حيث خرج الآلاف من المدنيين للإعتراض على قانون الخدمة المدنية ،وبالتالى سيزداد عدد المشاركين فى مليونية وقف قانون الخدمة المدنية المدعو اليها فى الشهر المقبل .

طالما أن الدولة تكيل بمكيالين ،وأن النظام يرسى دعائم الطبقية والعنصرية ،وأن هناك فئات من هذا المجتمع يتم الاهتمام بها ،وفئات أخرى يتم تهميشها ،فاعلم أن كل فئة ستضطر إلى أخذ حقها من خلال إبراز قوتها وتأثيرها فى المجتمع ، وهذا ما فعتله جمهورية دولة الأمناء.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023