قال المهندس الهندس ممدوح حمزة، إن وصف تفريعة قناة السويس بـ”قناة جديدة” هو مبالغة أو مغالطة غير مقبولٍ أن تصدُر عن الحكومة المصرية، قائلا: “التعريف المناسب هو “توسعة قناة السويس” بغرض تحسين الملاحة والمناورة بزيادة المسار المزدوج لمرور السفن وتوحيد العمق بكامل القناة”.
وأوضح “حمزة” في دراسة له نشرت بصحيفة “التحرير” عدة أمور بخصوص قناة السويس، لا سيما بعد افتتاح التفريعة وما أثير بشأن فوائدها ومميزاتها.
وبحسب الدراسة يقول “حمزة”: “منذ إنشاء قناة السويس في شهر نوفمبر من عام 1869 حتى الآن ينحصر دخل قناة السويس في العائد من الملاحة فقط، ولم نحقق أي عائد من الموقع، اللهم إلا ميناء شرق بورسعيد والعين السخنة، عند مدخلي القناة اللذين شرفت بتخطيطهما وتصميمهما، لكن مع الأسف العائد منهما لمصر هو الفتات، بينما العائد الحقيقي ذهب للشركات المحتكرة التي تسلمت الميناءين من الحكومة المصرية تسليم مفتاح، بعقود أقل ما يقال عنها إنها ضيعت على مصر حقها”.
ويضيف: “علمًا بأن مصر قبل إنشاء قناة السويس كانت تحقق عائدا كبيرا متنوعا نتيجة موقعها المتميز من خلال دخول التجارة الدولية إلى أراضينا من السويس مثلا، حيث كان تتم إعادة تصديرها من الإسكندرية، بعد تعامل الشعب معها وتحصيل الجمارك، أي أن “الشعب” كان يستفيد استفادة مباشرة بالتربح من خلال التعامل مع البضاعة من النشاط الصناعي، واللوجيستي، والخدمي، والذي كان موجودًا بالفعل”.
وأشار إلى أن أن قيمة دخل قناة السويس من الملاحة حاصل ضرب رقمين: الأول: هو الحمولة العابرة بالطن، والثاني: هو رسم العبور لكل طن طبقًا لما تحدده الهيئة، مشيرًا إلى أن الحمولة العابرة يتحكم فيها حجم التجارة العالمى المتغير ما بين الشرق والغرب، أما “الحد الأقصى للرسوم” لكل طن فيحددها ويشكل سقفًا لها تكلفة النقل بالطرق البديلة لنقل البضاعة ما بين الشرق والغرب.
ويبين أنه في الماضي كان هناك طريق بديل وحيد وهو طريق “رأس الرجاء الصالح”، أما الآن فهناك أربعة طرق بديلة إضافية وهى طرق ليست الأمثل، لكنها بالفعل تشكل بدائل جزئية، ولكن جاذبة لبعض البضائع، ومن بعض الموانئ كما هو موضح في الخرائط رقم (1،2،3) وهي الطرق البديلة للخطوط الملاحية، والتي قد تؤثر جزئيا على تدفق السفن إلى قناة السويس وهي كالآتي:
البديل الأول: طريق الحرير
يقول “حمزة: “وتوضحه خريطة رقم (1) خط السكة الحديد الذي يربط ما بين أقصى شرق الصين إلى أقصى غرب إسبانيا بطول (13000) كم، والذي يعرف باسم طريق الحرير وتم تنفيذه، وطبقًا لمعلوماتي تم تسيير رحلتين بالفعل فيه”.
البديل الثاني: محور إيلات أشدود
ويشير “حمزة” إلى أنه هذا الطريق توضحه خريطة رقم 2 التي تبين مخطط مشروع إنشاء محور إيلات أشدود والذي بدأ تنفيذه العام السابق بتمويل صيني 5 مليارات دولار مقابل غاز من البحر المتوسط، وفي حال الانتهاء من تنفيذه سيكون ميناءً محوريا داخليا خلف إيلات وخط سكة حديد يبلغ طوله نحو 300 كم، ويبدأ من إيلات على البحر الأحمر جنوبا ويتجه حتى ميناء أشدود على البحر المتوسط.
البديل الثالث: المسار القطبي
وتوضحه -بحسب ما قاله “حمزة” في دراسته- خريطة رقم (3) بمسمى المسار القطبي، حيث تبلغ مسافة المسار الملاحي من كوريا إلى روتردام (15000) كم، بينما تصل المسافة عن طريق قناة السويس إلى (22000) كم، وهو يستخدم الآن عدة أشهر في السنة.
البديل الرابع: قناة بنما ومخطط مشروع قناة نيكاراجوا:
ويلفت “حمزة” إلى أنه بالإضافة إلى قناة بنما بعد التعميق والتوسعة، هناك مخطط مشروع قناة نيكاراجوا والذي قد ينهي أهمية قناة بنما، وبدأ تنفيذه فعليا في عام 2014 بتمويل من الصين قدره 50 مليار دولار، وهذا يمثل تحديا جزئيا رابعا ويفقد قناة السويس الخطوط الملاحية المتوجهة للشواطئ الشرقية لأمريكا، إلا أن هناك قناة ملاحية جنوب تايلاند في حالة الانتهاء منها ستوفر ثلاثة أيام في زمن الرحلة من الشرق إلى الغرب، مما يصب لصالح قناة السويس.
وبناء على ما سبق، يؤكد ممدوح حمزة أنه وبذلك فإن القول بأن نفريعة قناة السويس ستزيد (فضلا عن أنها ستضاعف) دخل القناة يكون صحيحًا في حالة تجاوز حجم التجارة العابرة قدرة استيعاب القناة قبل إنشاء التوسعة، أي أن يزيد متوسط عدد السفن العابرة عن 78 سفينة يوميا وهي القدرة الاستعابية الآمنة الحالية للقناة.
وأكد أن دخل القناة من الملاحة هو دخل مستقل عن أي مجهود تقوم به الحكومة المصرية، بل هو دخل مرتبط ارتباطًا وثيقًا بحجم التجارة العالمية من جهة، وبالطرق البديلة لهذه البضاعة والتي يجب أن تكون تكلفة رسومنا أقل من تكلفتها من جهة أخرى.
ويستعرض “حمزة” في دراسته رسمًا بيانيًا يظهر تطور دخل القناة من عام 2000 حتى الآن.
وأوضح من خلال الرسم البياني أن دخل القناة منسوبًا إلى الدولار المقابل لسلة العملات ويعكس ليس فقط حجم التجارة العالمية المارة بالقناة، ولكن أيضًا يعكس القيمة الشرائية لسلة العملات، مثلًا الزيادة من ٢ مليار سنة ٢٠٠٠ إلى ٥ مليارات سنة ٢٠١٥ ليست زيادة مطلقة، بل إنها أيضًا تعكس التدهور في القيمة الشرائية للعملة.
ومضى قائلا: “إذن القيمة الرقمية للزيادة لا تعكس بالضرورة زيادة في الدخل الفعلي للبلاد، وهنا أؤكد أن دخل قناة السويس الصافي في هذا العام لا يشكل أكثر من 1.5٪ من الدخل القومي المصري، مما يعني أننا نتحدث عن دخل ضئيل بالنسبة للناتج القومي، وهذا الدخل ليس لنا فيه يد، بل إن “العوامل الخارجية” هي التي تتحكم فيه، أي أن دخل قناة السويس من الملاحة مرتبط ارتباطا وثيقا بمرور السفن والشأن العالمي في الاقتصاد، وليس بالشأن الداخلي لهيئة قناة السويس”.
وكشف أن النتيجة المستخلصة من ذلك هي أن مصر ليس لها ناقة أو جمل في زيادة أو نقصان حجم التجارة العالمية المارة في قناة السويس، وبالتالي ليس لها تأثير في محاولة زيادة دخل قناة السويس من الملاحة الآن، اللهم إلا إذا زاد العمق لتستوعب نوعيات أكبر من السفن.
وفي ختام دراسته طرح “حمزة” عدة تساؤلات قائلا: “والسؤال الآن: هل كان من الضروري أن يتم تنفيذ التوسعة الجديدة خلال عام؟ وهل هناك تأكيدات من الدراسات أن الملاحة العالمية ستزيد على القيمة الاستيعابية الحالية للقناة وهي نحو 78 سفينة في اليوم، علمًا بأن ما يمر الآن هو 50 سفينة في اليوم، وليس لدينا إلا أن ندعو الله أن يتحقق الأمل والحلم بل والمعجزة لهذه الزيادة؟”.
وأكد أن الحقيقة الثابتة عن التوسعة الجديدة هي ما أدلى بها عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها هدية مصر للعالم، قائلا: “السؤال: هل لدينا فائض لنعطي هدايا؟!”.