أثار قانون “مكافحة الإرهاب” الجديد في مصر حالة من الانقسام بين من يرى أنه يضيق على الحريات العامة ومن يراه وسيلة لتحقيق العدالة الناجزة التي وعد بها السيسي قبل ذلك في أحد تصريحاته الصحفية.
وكان عبدالفتاح السيسي -قائد الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب في مصر- قد صادق أمس الأحد على قانون “مكافحة الإرهاب”، وتم نشره في الجريدة الرسمية؛ ليصبح موضع التطبيق اعتبارًا من اليوم الاثنين.
نافعة: يضييق على الحريات
ويرى حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه “لا يمكن تحديد مدى فعالية القانون في مكافحة الإرهاب، إلا أن المتفق عليه هو أن القانون يضيق من نطاق الحريات ويتوسع في تعريف مفهوم الإرهاب”.
وتابع -في تصريحات لوكالة “الأناضول للأنباء”- أن القانون “يضيّق على حرية الإعلام وقادة الرأي، ولا توجد ضمانة تؤكد على تطبيقه فقط على مرتكبي الأعمال الإرهابية”.
وأكد نافعة أن “المحك هو طريقة تطبيق القانون، والذي سيحدد موقف المجتمع منه”، مستدركًا: “لكن المرجح أنه صمّم ليضيّق على الحريات العامة كالرأي والتعبير والاجتماع”.
… ويكمم أفواه الصحفيين
وحول مدى اختلاف القانون عن مشروع القانون الذي أثار حفيظة الصحفيين في يوليو الماضي، قال نافعة: إن “الاختلاف هو استبدال عقوبة الغرامة بعقوبة الحبس “للصحفي” التي كانت ضمن المشروع السابق”.
وكانت نقابة الصحفيين المصرية شنت -في يوليو/تموز الماضي- هجومًا ضد مشروع قانون لمكافحة الإرهاب كان ينص على معاقبة أي صحفي ينشر أي معلومات مخالفة للبيانات الرسمية للحكومة بالحبس مدة لا تقل عن عامين.
وينص القانون الجديد على أنه يعاقب بغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد عن 500 ألف جنيه من ينشر أخبارًا عن “الأعمال الإرهابية والأعمال المرتبطة بمكافحتها بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع”.
عبدالرحيم: لم يستجب لمطالبنا
وقال جمال عبد الرحيم، سكرتير عام مجلس نقابة الصحفيين: إن “القانون لم يستجب لمطالب النقابة التي قدمتها في مذكرة رسمية لمجلس الوزراء كمقترح بتعديل المواد (26، و27 ، و29 ، و37)، وإلغاء المادة 33”.
وأضاف عبد الرحيم لـ”الأناضول” أن “المادة الوحيدة التي عدلت هي المادة 33؛ باعتبارها غير دستورية؛ ﻷن الدستور المصري ألغى الحبس في جرائم النشر باستثناء 3 جرائم، وهي التحريض على العنف والتمييز بين المواطنين والخوض في اﻷعراض”.
وأضاف أن “المادة 33 استبدلت حبس الصحفيين بغرامة مالية تصل 500 ألف جنيه، وهو رقم مبالغ فيه بشكل كبير، ويؤدي حتمًا إلى حبس الصحفيين وإغلاق الصحف، فلا يوجد صحفي قادر على دفع هذه الغرامة”.
وانتقد عبد الرحيم نص المادة بشدة، مؤكدًا أنها “تحول الصحفي لمجرد ناقل للحدث بإجباره على الاعتماد على البيانات الرسمية فقط، في حين أنه من الطبيعي أن يعتمد الصحفي على مصادر متنوعة وليست الجهات المعنية فقط”.
وأوضح عبد الرحيم أن “المادة 37 تعاقب الصحفي الذي ينشر أخبارًا متعلقة بمحاكمات اﻹرهاب بغرامة 10 آﻻف جنيه دون موافقة المحكمة، وقد أبدت النقابة لمجلس الوزراء اعتراضها على هذه المادة؛ باعتبار أن الطبيعي هو علنية جلسات المحاكم ما لم يصدر قرار بسريتها أو حظر النشر، ومن الطبيعي أن ينقل الصحفي ما يدور في جلسات المحاكم العلنية”.
عيد: تكريس لدولة الظلام
من جانبه، قال جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان: إن القانون “تم إصداره ليلاً، مما يشير لتكريس دولة الظلام وغياب الحريات، وإن الصدور المفاجئ -على الرغم من الاعتراضات والانتقادات الموجهة ضده- لا يبشر بخير”.
وتابع عيد في تصريحاته لـ”الأناضول” أن “القانون تم إصداره في سياق تعمد لتعطيل وجود برلمان منتخب مختص بالتشريع، لتعزيز انفراد الرئيس بتشريع القوانين المكرسة لحكم الفرد”.
سالم: تحقيق العدالة الناجزة
على الجانب الآخر يرى الدكتور نبيل مدحت سالم، أستاذ القانون بجامعة عين شمس، أن “القانون الجديد سيسرع من إجراءات المحاكمات مما يحقق العدالة الناجزة”.
وأضاف سالم لـ”الأناضول” أن “قانون مكافحة اﻹرهاب الجديد شدد عقوبات ارتكاب اﻷعمال اﻹرهابية لتصل للسجن المشدد واﻹعدام في حال وقوع وفيات أو اﻹضرار بسلامة المواطنين، فيما كان قانون العقوبات يحدد عقوبة اﻷعمال اﻹرهابية بالسجن والسجن المشدد، ونادرًا ما كانت تصل للإعدام”.
وأوضح سالم أن القانون يهدف للحد من الجرائم الإرهابية باستباقها بعقوبات عن الشروع في ارتكاب هذه الجرائم”، ووصف القانون بأنه “مكمل لقانون العقوبات”.
ومنذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي (أول رئيس مدني منتخب في مصر) في يوليو 2013 تتحكم سلطة الانقلاب العسكري المتمثلة حاليًّا في “مؤسسة الرئاسة” في سلطة التشريع في البلاد، لحين انتخاب مجلس النواب الجديد (لم يحدد موعده بدقة بعد).