في الوقت الذي كان يرقص فيه بعضهم طرباً أو افتعالاً، بتفريعة قناة السويس، كانت قوات الأمن المصرية تقوم بتصفية خمسة مواطنين، قيل إنهم ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين في الفيوم. تزامُن الاحتفال والرقص بالقتل والتصفية بات أمراً معتاداً ومكرراً في مصر، طوال العامين الماضيين، بعد أن أصبح القتل مشروعاً وطنياً للنظام العسكري الذي يحكم البلاد منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013.
الأنكى ما نقلته جريدة الشروق الجديد المصرية في عدد يوم السبت، الثامن من أغسطس الجاري، عن جريمة التصفية، والتي تبنت فيها بالكامل رواية وزارة الداخلية عن الجريمة، من دون تغطية لشهادات أهالي القتلى، أو من شهدوا وقوع الجريمة، واستخدمت المفردات والكلمات التي تستخدمها الوزارة في التعاطي مع “الإخوان”، مثل “خلية إرهابية” و”أوكار التنظيم”… إلخ، في سقطة مهنية مُخجلة.
القتل والتصفية والتخلص من الخصوم هم أساس المشروع السياسي الوحيد لنظام الجنرال عبدالفتاح السيسي، منذ طلب التفويض المشؤوم في السادس والعشرين من يوليو 2013، والذي نجح من خلال أذرعه الإعلامية في تحويل “القتل” إلى مشروع وطني، يتم الاحتفاء به، ودعمه شعبياً، وسط قبول داخلي وتواطؤ خارجي غير مسبوق. فعمليات القتل والتصفية والتخلص من الخصوم التي تتم خارج القانون، سواء في البيوت أو في الطرقات أو في لجان الامتحانات أو في السجون، يتم التعاطي معها وكأنها حق وواجب على الدولة القيام به، من دون مساءلة أو محاسبة. وهو مشروع فاشي، لا يفرق بين إسلامي وغير إسلامي، أو إخواني وغير إخواني. فشيماء الصباغ التي قتلها ضابط شرطة قبل شهور كانت تنتمي لتيار اليسار، وكانت تحمل وروداً بيديها وليس سلاحاً، وإسلام عطيتو الذي تمت تصفيته في أثناء أدائه الامتحانات في كلية الهندسة في جامعة عين شمس لم يكن إسلامياً، والمحامي كريم حمدي الذي قُتل من التعذيب في قسم المطرية لم ينتم للإخوان، وعصام دربالة الذي مات، قبل أيام، في سجن العقرب لم يكن إخوانياً، وغيرهم عشرات لقوا حتفهم، إما تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز وأقسام الشرطة أو بالتصفية والقتل المباشر.
حسب مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب، فإن حوالى 36 شخصا لقوا حتفهم بسبب التعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز في مصر خلال شهر يوليو فقط. وحسب تقديرات المنظمة العربية لحقوق الإنسان، فإن هذا العدد يصل إلى حوالى 71 شخصا قتلوا بالطريقة نفسها منذ يناير الماضي. أما حسب تقديرات مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان، فإن العدد وصل إلى 285 عملية قتل داخل السجون والمعتقلات، منذ يونيو الماضي فقط.
يمثل استحلال القتل واستمراؤه أحد الملامح الرئيسية للأنظمة الديكتاتورية، خصوصاً التي تأتي بعد الانقلابات. وهو ما حدث في حالات كثيرة، كتبنا عنها سابقاً، سواء في تركيا بعد انقلاب 1980، أو في تشيلي بعد انقلاب 1973 تحت قيادة الجنرال بينوشيه، أو في الأرجنتين تحت حكم الجنرال خورخي فيديلا، وغيرها من الديكتاتوريات العسكرية. وهو أمر لا يمكن لهذه الأنظمة العيش بدونه، ليس فقط لأنه يساعدها على التخلص من الخصوم الرئيسيين، وتثبيت أركان حكمها، وإنما أيضا لأنه يخلق حالة من الدعم والمباركة الشعبية لعملية التصفية باعتبارها فعلاً أخلاقياً واجباً. وهو ما يحدث في مصر حالياً بشكل حرفي. فعمليات القتل التي تجرى بحق المخالفين والمعارضين السياسيين تجري كلها خارج القانون، وتتم بالطريقة نفسها، والرواية التي تبررها دائما حاضرة وجاهزة، مثلما حدث في حالة الأشخاص الخمسة الذين تمت تصفيتهم، قبل أيام، أو في الثلاثة عشر الذين قتلوا أيضا بالطريقة نفسها في شهر رمضان في شقة في مدينة 6 أكتوبر، وقيل إنهم كانوا يخططون للقيام “بهجمات إرهابية” محتملة.
ليست المشكلة فقط في آلة القتل الممنهج التي يتبعها النظام العسكري، وإنما في حالة الهياج والهوس الشعبوي بعملية القتل، والتي تعكس حجم التخريب الذي تعرضت له العقول والقلوب والضمائر في مصر. فقد أصبح معتاداً أن نسمع دعوات وصرخات على الهواء، وفى الفضائيات، تحرّض وتدعو إلى قتل المعارضين والتخلص منهم، أو أن نرى رقصا واحتفالاً على جثث من تمت تصفيتهم وقتلهم. فهؤلاء المحرّضون والداعون إلى القتل يتصرفون وكأن قتل المعارضين هو القاعدة، وما دونه هو الاستثناء. بل يرى بعضهم أنه كلما ازداد القتل والتصفية كان ذلك دليلاً على نجاح الحاكم وكفاءته.
وعلى الرغم مما سبق، لا يخجل الجنرال السيسي من تكرار مقولته المتهافتة، إنه جاء لإنقاذ مصر من الخراب والدمار، وإنه “يدعو إلى الحياة، بينما يدعو خصومه للموت”، وهو الذي حوّل القتل والتصفية إلى “مشروع وطني”، يجري الاحتفاء به شعبياً، من دون أدنى إحساس بالذنب، أو وخزة من ضمير.