تشهد مدينتا رفح والشيخ زويد، حالة من التناقض بين استمرار نزوح الأهالي هربًا من خطر الاشتباكات، وعودة النازحين أملًا في الاستقرار في أرضهم وهربًا من حياة اللاجئين، محلات تجارية تقفل ويتم عرضها للبيع وأخرى ما زالت تواصل العمل غير عابئة بطائرات الـF16 التي تواصل التحليق في سماء المدينة.
منذ أحداث الأربعاء الدامي، كما أطلق عليها الأهالي، والتي شهدت مدينة الشيخ زويد خلالها أعنف اشتباكات دارت بين قوات الجيش وعناصر ولاية سيناء وما تلاها من مجازر ارتكبهتها طائرات F16 كان آخرها مقتل الشيخ أحمد حماد المنيعي، أحد مشايخ قرية المهدية وصاحب تاريخ من المقاومة مع القوات المسلحة عقب نكسة 67، وحسب ما رصده المرصد السيناوي لحقوق الإنسان، فقد بلغ عدد ضحايا المدنيين في مدينتي رفح والشيخ زويد منذ الأول من يوليو الماضي 36 بينهم 17 طفلًا.
يقول أحد المواطنين من قبيلة الترابين ويسكن قرية المهدية: “منذ شهر تركت المهدية وغادرت بأسرتي، كل جيراني غادروا، منطقتنا تحولت لأرض أشباح لم يتبق فيها أحد، يوم العيد لم يشعر أحد بفرحته؛ فجميعنا كنا نجمع أغراضنا للرحيل بعد أن قضينا ليلة العيد تحت قصف الـF16”.
وأضاف “المهدية بالنسبة لي هي جنة الله على الأرض، فيها ولدت وتربيت وتزوجت وأنجبت، ليس سهلًا عليّ الرحيل عنها، أعود بين الحين والآخر اتفقد بيتي وأرضي ومن بقي من معارفي”.
ويقول “ح.م” من سكان منطقة “بلعة” غرب رفح: “تعرضت منطقتنا ليلة العيد لقصف شديد، جاري من قبيلة الترابين ذهب ليتفقد ماشيته فقصفته الـF16 ومات، وأصيبت جارتنا هناء محمد إبراهيم بقذيفة تفتتت في وجهها وظلت تنزف حتي صباح اليوم التالي والآن مهددة بفقد بصرها، وبعدها بأيام يموت جار آخر وهو مسعد الخرافين برصاص كمين على بعد أمتار من منزله، هكذا أصبحت حياتنا كل يوم نفقد جارًا أو قريبًا لنا، بالأمس ذهبت لأخي بالعريش فقط لأتمكن من النوم ولو لليلة دون صوت قصف الـF16”.
ورغم الخطر الذي يهدد سكان مدينتي رفح والشيخ زويد، غير أن جزءًا من الأهالي قد قرر التعامل معه والبقاء في أرضهم، رافضين الفرار، وقد أطلق الأهالي عبارات يتداولونها فيما بينهم ليعبروا بها عن رفضهم الرحيل مثل “الدانة ولا سكنة جلبانة” و”رصاص الجيش ولا عيشة العريش”.
يقول حسن الأرميلي، من سكان قرية الطايرة جنوب رفح: “أنا باقي في بيتي وأرضي ولن أغادر، يفعلوا ما يريدونه هي حياة واحدة وموتة واحدة، باقي أنا وأبنائي ولن أترك لهم أرضي”.
وأضاف أحد تجار الشارع العام بمدينة الشيخ زويد “لم انقطع يومًا عن فتح دكاني حتي بعد أحداث الأربعاء الدامي، وسأظل أفتحه فهو مصدر رزقي، لا بديل لي عنه ولا أعرف لي مكان آخر غير مدينتي، لن أعيش لاجئًا”.
بين الهرب من القصف والاشتباكات، والهرب من الغربة عن الموطن وحياة اللاجئين، هكذا انحصرت خيارات أهالي رفح والشيخ زويد في ظل صراع لا يهتم طرفاه بسلامة المدنيين ويتنافسا على فرض سيطرتهما على المنطقة حتى لو كان المقابل هو تفريغها من أهلها.