يعاني قطاع غزة من أزمات متعددة، ومشاكل كبيرة، إثر الحصار الممتد منذ أكثر من ثمانية أعوام، فضلا عن خوض القطاع لحربين كبيرتين خلفتا دمارا كبيرا في القطاع، إلا أن أكبر مشكلة يعاني منهما القطاع هي اجتماع الحًر والظلام على غزة في آن واحد، فأضحت الحياة فيها لا تطاق خاصة في ساعات الليل، وتعالت معها دعوات المظلومين “حسبنا الله ونعم الوكيل”، على كل معتد أثيم صديقًا كان أم عدوًا.
منذ ثمانية أعوام وغزة تشكو أزمة في الكهرباء، والتي تفاقمت مع قصف الاحتلال لمحطة التوليد الوحيدة إبان عدوان 2008، وقد حال الحصار الإسرائيلي دون إصلاحها كليًا أو تطوير مصادر الطاقة المزودة للقطاع الذي يقترب عدد ساكنيه من مليوني نسمة.
اعتاد الغزيون على إدارة الأزمة وفق مصادرهم المتاحة سواء من “إسرائيل” التي تمد القطاع بـ 120 ميجاواط، ثم المحطة التي تورد 70 ميجاواط بعد إصلاحها جزئيًا، ومصر التي تمد رفح المجاورة لها بـ 25 ميجاواط ، وحسب سلطة الطاقة فإن هناك عجز ثابت يصل إلى 50% في حال كانت هذه المصادر متوفرة، لكن في حال حدوث أي خلل في هذه المصادر، فإن الأزمة تتفاقم ، وتصبح الكهرباء ضيفا عزيزا طال فراقه وانقطاعه، حيث تقطع الكهرباء لأغلب ساعات اليوم وأحيانًا إلى أيام وليالي.
في الوضع الطبيعي ، اعتاد الفلسطينيون انقطاع الكهرباء لفترة قد تصل إلي ساعات، لكن الأزمة التي ينظر لها على أنها سياسية بامتياز تجددت في القطاع الذي يحيي سكانه هذه الأيام الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي صيف العام الماضي، بعد توقف محطة التوليد عن العمل إثر امتناع الحكومة في رام الله عن توريد الوقود الصناعي الخاص بتشغيلها والذي يمر من خلال معبر كرم أبو سالم الذي تديره سلطات الاحتلال.
وأعادت الحكومة فرض ما تسمى بضريبة “البلو” على الوقود الصناعي الخاص بالمحطة ما يعني مضاعفة ثمنه وهو أمر تعجز عن سداده سلطة الطاقة في غزة.
وتقول سلطة الطاقة في غزة – في بيان لها وصل “رصد” – إن الآلية المعمول بها منذ أشهر لتوريد الوقود لمحطة توليد الكهرباء تتضمن خصم القيمة الحسابية لضريبة “البلو” فقط من سعر الوقود ومقابل مبلغ شهري ثابت “30 مليون شيكل” بغض النظر عن كمية الوقود الموردة.
وانتهت الآلية المذكورة حسب قرار مجلس الوزراء بنهاية شهر رمضان، ولم تبلغ بتجديدها أو تغييرها حتى الآن، و طلبت هيئة الطاقة من هيئة البترول في رام الله تحويل مليون لتر على أن يتم تسديد تكاليفها المالية لاحقًا، إلا أن هيئة البترول رفضت ذلك.
وتطالب سلطة الطاقة مرارا بالإعفاء الكامل لجميع الضرائب المفروضة على وقود محطة الكهرباء لمدة عام باعتبارها تقدم خدمة أساسية وإنسانية للمجتمع، على أن تقوم بتحسين مستويات التحصيل وشريطة توفير عدادات مسبقة الدفع التي التزمت بها حكومة التوافق، “إلا أنه لم يتم الاستجابة لهذه المطالبات ولم يتم توفير عدادات مسبقة الدفع”.
وحسب البيان، فإن سلطة الطاقة في غزة التزمت بالحوالات المالية طوال أربعة أشهر، “وذلك لخلق مناخ إيجابي ولإثبات التزام سلطة الطاقة بتحويل كل ما يتوفر من أموال لشراء الوقود، وكذلك من أجل التخفيف عن معاناة الناس في غزة وتجاوز فترة الامتحانات وشهر رمضان وأيام العيد”.
وبيّنت أن آخر الحوالات المالية لشراء الوقود حُوّلت الأربعاء الماضي، ولم تتمكن سلطة الطاقة من التحويل بعد ذلك، لعدم توفر الأموال اللازمة، على حد تعبيرها.
وحملت حركة حماس رئيس السلطة محمود عباس ورئيس حكومة التوافق رامي الحمد لله، كامل المسؤولية عن تداعيات استمرار الأزمة.
واعتبر الناطق باسم حماس في غزة فوزي برهوم – في تصريح صحفي وصل “رصد” – ما يمارسه عباس والحمد الله وتخليهما عن مسؤولياتهما الوطنية والإنسانية تجاه غزة وأهلها التي كان آخرها وقف تزويد محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة بالوقود الصناعي المطلوب وإصرارهما على فرض ضرائب باهظة عليه، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها غزة وأهلها “هو عمل لا إنساني وخطيئة كبرى بحقهم هدفه مفاقمة معاناة السكان المحاصرين أصلًا من قبل العدو الإسرائيلي وشل حياتهم اليومية وتعطيل متعمد لكل مرافق الحياة”.
وطالب الناطق باسم حماس بالعمل الفوري على إنهاء وحل مشكلة الكهرباء، ووقف التلاعب الخطير بحياة المواطنين الفلسطينيين وتجنيبهم أي ابتزاز سياسي.
وتنذر أزمة الكهرباء بكارثة في قطاع غزة الذي يعاني أصلا من أزمات كبيرة جراء الحرب والحصار، وحذرت مصلحة المياه في غزة من “أزمة إنسانية وبيئية”، تهدد حياة سكان قطاع غزة، “1.8 مليون نسمة”، بسبب عجز المصلحة عن تشغيل مرافق المياه والصرف الصحي.
وأشارت إلى أن أزمة الكهرباء تتزامن مع فصل الصيف وما يرافق ذلك من استهلاك كميات كبيرة للمياه، لافتة إلى انقطاع المياه عن مساحات واسعة في قطاع غزة، إضافة إلى توقف مضخات الصرف الصحي، وضخ مياهها إلى البحر دون معالجة، الأمر الذي يتسبب بمشاكل بيئية وتلوث.
وأوضحت – في بيان لها وصل “رصد” – أن 190 بئرًا للمياه، و57 محطة لتجميع وضخ مياه الصرف الصحي، و4 محطات معالجة مركزية، أصبحت تعمل بشكل جزئي، جراء انقطاع التيار الكهربائي.
وناشدت المصلحة المؤسسات الإنسانية الدولية، بالتدخل العاجل لحل أزمة انقطاع التيار الكهربائي، ومنع حصول كارثة إنسانية وبيئية.
الفلسطينيون من جانبهم، يفرون من حر منازلهم وعتمتها إلى البحر الذين يجدون فيها المتنفس من كل ضيق وهم، وسط زحام شديد من الزائرين له.
وأطلق صحفيون ونشطاء إعلام فلسطينيون حملة على صفحات الفيسبوك وتويتر “غزة_مظلمة”، طالبوا فيها بضرورة وضع حل جذري لأزمة الكهرباء التي تعصف بالقطاع منذ سنوات.
وذكّروا العالم بأن عشرات الفلسطينيين بينهم عائلات كاملة ، لقوا حتفهم حرقا بسبب الشمع البديل أو انفجار مولدات الكهرباء.
ويقول المهندس أحمد أبو العمرين المختص في شؤون الطاقة، إن ما يجري هو إدارة لأزمة الكهرباء الذي تعاني أصلا عجزا ثابتا يقترب من 50% ، مشيرًا إلى أن مصادر الطاقة المتوفرة الآن كانت كافية للقطاع قبل 10 سنوات وأكثر، وهي لم تتطور بسبب الحصار.
وأوضح أبو العمرين – في ورشة عمل له أقامها المكتب الإعلامي لحماس في رفح – أن حل أزمة الكهرباء بشكل جذري لا يكون إلا بإضافة مصادر جديدة، بمد خط جديد من الاحتلال يصل إلى 100 ميغا وات، وتشغيل المحطة الحالية على الغاز وهي أقل كلفة وأكثر كفاءة أو بربط غزة مع المنظومة العربية الثمانية.
ونوه إلى أنه من السهل توفير هذه المصادر ، إلا أن السلطة ومصر يرفضان ذلك في حين أن الاحتلال وافق على تزويد القطاع بخط كهرباء جديد.
ويأمل الفلسطينيون وفي ذكرى أطول حرب خاضوها مع الاحتلال، أن تنتهي أزماتهم عن قريب في ظل الحديث المتكرر من قبل المسؤولين عن انفراجات تلوح في الأفق ومفاوضات غير مباشرة لإعادة الاعمار ورفع الحصار، آملين أن يكون ذلك عاجلًا غير آجل.