لم أكن أقصد شخصًا بعينه، وإنما قصدت تيارًا ينشط هذه الأيام، في تناول سيرة الرئيس ذي البدلة الحمراء، على نحو لا يليق، إنسانيًا أو أخلاقيًا، مع رجل لا يمتلك حق التعقيب والتعليق والتصويب والرد، غير أن مواقع إخبارية أسقطت ملاحظتي العابرة، على شخص الدكتور أيمن نور، الصحفي السابق، والسياسي الحالي، وكان مدهشًا، بل مؤسفا أن تنشر هذه المواقع خبرًا يبدأ بعبارة “فلان (الذي هو العبد لله) ملمحًا عن أيمن نور”.
لكن الأكثر مدعاة للدهشة، أن يتصور الملتفون حول أيمن نور أنه المقصود، فاضطررت إلى التوضيح، مرة أخرى، أنني لم أشاهد حوار أيمن نور التلفزيوني، وأمام هذه “التكهنات الصحفية سأبحث عنه وأشاهده، لأكتب رأيي فيه، تصريحًا، لا تلميحًا، أو تلقيحًا، أو تفحيحًا، وقانا الله وإياكم شر الفحيح.
وبعد مشاهدتي الحوارات الغزيرة لأيمن نور، على القنوات المعروفة بدعم الشرعية، استوقفني أن القاسم المشترك فيها، هو تناول سيرة الرئيس محمد مرسي، من خلال استعراض مواقف شخصية، بين الراوي والمروي عنه، والذي هو في عتمة الزنزانة الآن، مرتديًا ملابس الإعدام، ومن ثم أرى أنه، مع افتراض صحة الوقائع المحكية، فإنه ليس من العدل أن ينفرد طرف بسرد روايته، بينما الطرف الآخر لا يستطيع، خصوصًا أن من الوقائع ما قد يمكن فهمه على أنه مؤثر بالسلب على صورة الرئيس مرسي، لدى مؤيديه، والمطالبين بعودته، بصرف النظر عن اتفاقك واختلافك مع هذا المطلب.
يمكنك، أو يمكنني، أن أضيف إلى ذلك، أن أسلوب السرد والحكي والتذكّر يرتبط في ذائقة القراءة، أكثر، بالشخصيات التاريخية التي عبرت ضفة الحاضر، واستقرت على شاطئ الماضي، وأظن أن الرئيس محمد مرسي لا يزال بيننا، متعه الله بالصحة وفك أسره.
كان أيمن نور يبدأ بعبارة “هناك موقف مؤثر جدًا. لكن، أفضل أن أحكيه في حضور الدكتور مرسي” إلا أنه سرعان ما يستسلم لعطش الذاكرة لاستعراض الأسرار والخبايا، فيحكي كل شيء بالتفصيل، كأنه يتكلم عن شخصية من الماضي، حتى وإن كان قريبًا.. ويصول ويجول في تصوير عناقهما الحزين، بلهجة أقرب للنعي، وإعلان الهزيمة.
وتخيل معي، لو أن كل واحد ممن كانت بينهم وبين الرئيس محمد مرسي مواقف عامة، أو خاصة، ومنهم كاتب هذه السطور بالمناسبة، ماذا ستكون النتيجة، سوى مجموعة من السرديات الكسيرة التي قد تثير الشجن، لكنها، في الوقت نفسه، ترسخ فكرة أن الرجل كان ومضى، بينما لا يزال مواطنون يدفعون، كل يوم، حياتهم ثمنًا للحلم بانكسار هذه الموجة الانقلابية، ورياحها المحملة بغبار يخنق مصر.. وأظن أن تحويل الأمر إلى قصص وحكايات وذكريات، من شأنه أن يسبب شحوبًا في شعلة المقاومة والثورة لدى القطاعات التي لا تزال تزرع الشوارع والساحات بالتظاهرات الغاضبة حتى الآن، كما أنه يفتح الباب لروايات أخرى، بعضها يخالف، أو يناقض، أو ينفي، أو حتى يضيف، بما يجعلنا في ملتقى للسرد، وليس ميدانا للثورة.
وإجمالًا.. لا يمكن لأحد أن يصادر حق أيمن نور في أن يتحول في أثناء الحوارات، إلى رئيس افتراضي، من خلال الرد على أسئلة افتراضية على طريقة “ماذا لوكنت مكان..”. لكن، يبقى لافتًا ومثيرًا للاستغراب أنه طوال ساعات الحوارات لم يستخدم أيمن نور كلمة “الرئيس مرسي”، مفضلًا، إلى درجة الإصرار، استخدام تعريفه بـ”الدكتور محمد”، وأزعم أننا إذا كنا غير معترفين بشرعية الحكم الحالي، السياسية، ورافضين شرعية الانقلاب، الأخلاقية، فإن المنطق يقول إن محمد مرسي هو الرئيس، بحكم القانون الثوري والأخلاقي، على الأقل، لا بحكم الأمر الواقع الباطش الدامي.
أخيرًا روى أيمن نور أن أحد ضباط الحراسة قال له إنه كان يتمنى أن يراه ساكنًا قصر الرئاسة، بدلًا من الدكتور مرسي، ليخلص إلى أن المؤامرة عليه كانت مخيفة، وحين سأله المذيع لماذا لم تبلغه، أجاب بأنه طلب من أحد المقربين منه أن يراجعوا ملفات العاملين بالرئاسة.. وأحسب أنه كان يجب على “الدكتور أيمن” أن يبلغ “الدكتور مرسي” شخصياً، ما دامت العلاقة بينهما متجذرة وعميقة لدرجة الحوارات الثنائية الهامسة، من على بعد متر ونصف المتر.