بعد عامين على الانقلاب العسكري على الديموقراطية في مصر، ما زلت أؤمن أن استعادة مسيرة الثورة وتغلبها على الثورة المضادة، لن يتحقق إلا بالاستمساك بسلميتها التي بدأت بها، وبوحدة صف ثوار يناير الذين أشعلوا وهجها.. هذان المرتكزان هما سبيل نجاة الثورة من سرطان الثورة المضادة الذي أجهز على فصلها الأول. وحدة صف ثوار يناير لا تعني أن يؤمن كل منهم بفكر الآخر، لكن أن يكون لهذه الوحدة أساس مشترك هو في حدوده الدنيا التخلص من هذا الانقلاب الفاشي الذي يعرض مصر كلها وأمنها القومي لخطر محدق، واستعادة الثورة وأهدافها (العيش والحرية والعدالة والكرامة). ولا يتناقض الحديث عن هذه الوحدة مع دعوة الجميع إلى تصحيح أخطائه.
الرئيس مرسي -فك الله أسره وحفظ دمه- يتحمل بشجاعة منقطعة النظير الآن مجابهة الانقلاب العسكري ويضع حياته على المحك لاستعادة الثورة ومكتسباتها. الإخوان المسلمون، هم وشبابهم وقياداتهم -فك الله أسر جميع معتقليهم وحفظ دماء وأرواح المحكوم عليهم منهم بالإعدام ظلمًا وبهتانًا- يدفعون باهظ الثمن بكل شجاعة وتضحية الآن دفاعًا عن الثورة في مواجهة الانقلاب.
لا يستطيع أي منصف إلا أن يقف احترامًا أمام هؤلاء المصريين الأبطال الأحرار من الشباب والرجال والسيدات الذين يتصدون لهذا الطغيان والإجرام الممنهج، من شباب التيار الإسلامي والإخوان وغيرهم كثر من المصريين غير التابعين لتنظيم أو جماعة سوى الثورة، وهم الأكثرية العددية التي تزداد يومًا بعد يوم بسبب ممارسات هذا النظام الانقلابي الفاشي، كل يوم في الشوارع والميادين، يضحون بأرواحهم ودمائهم.
تحية مليئة بالفخر والإعجاب بهذه الروح الوطنية الوثابة وبالتضحيات الغالية التي تسطر تاريخًا ناصعًا ومشرفًا لحركة وطنية مصرية حقيقية.
كل من يتهم هؤلاء الأبطال بالإرهاب لا يعدو إلا أن يكون أداة قذرة في يد مجرمين، أو مغيب الوعي بإعلام محرض.. ففي كل الثورات لطالما كانت قوى الاستبداد والفاشية تتهم الثوار بنفس التهمة “الإرهاب”. وليس أدل على ذلك من نيلسون مانديلا الحائز على جائزة نوبل للسلام، بعد أن كان يصنفه النظام العنصري في جنوب إفريقيا على أنه إرهابي.. ونعم الإرهاب!!! وهل هناك عنصرية أكثر من قتل المصريين على الهوية.. فكل من هو مشتبه بانتمائه فكريًا للإخوان بات هدفًا للظلم ومصادرة الأموال والاعتقال والتعذيب والإعدام والتصفية الجسدية، وكل من يعارض الانقلاب العسكري يصك بصك “الإخوان”.. أو يكون متعاونًا معهم.. أو إنه طابور خامس لهم.. ليكون مبررًا لممارسة كل البشاعات التي تمارس ضدهم.. إذًا فالإخوان أخونوا الدولة في عام أتى منهم رئيس للحكم بشكل ديموقراطي، وأخونوا الشعب في عامين من معارضتهم للانقلاب، وهم بين قتيل وجريح ومعتقل ومطارد.. ولا عزاء للأغبياء.
الشباب من الحركات الثورية والشبابية مثل 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين ومجموعة “لا للمحاكمات العسكرية” وغيرهم أمثال أحمد ماهر وعلاء عبدالفتاح ومحمد عادل وماهينور المصري وهاني الجمل وسناء سيف وغيرهم الكثيرون -فك الله أسرهم جميعًا- يدفعون الآن أيضًا ثمنًا باهظًا من حرياتهم أمام هذا النظام الاستبدادي الفاشي.
لا يمكن لإنسان يطالب بالحرية والكرامة والعدل باعتبارها قيمًا أصيلة، إلا أن يقدر هذه التضحيات الغالية ويتضامن ويدافع عن كل مظلوم ويطلب الحرية لكل معتقل ويقف من أجل هؤلاء أمام ظالميهم وسجانيهم. كل التحية لهم ولكل الأحرار خلف أسوار الظلم والاستبداد.
أعلم ما يفكر به البعض، وما قد يتبادر إلى ذهن البعض الآخر.. والحقيقة إن الانشغال الآن بتقييم الأوزان النسبية للأخطاء، على غرار من أخطأ أكثر ومن كان خطؤه أقل أو من أخطأ أولًا ومن تبعه بالخطأ، هو ضرب من ضروب الترف الفكري الذي لا نملكه في لحظة تسيل فيها دماء كل أبناء الوطن دون أن يسألهم قاتلهم: هل أنت إسلامي أم ليبرالي أم يساري أم من شباب الألتراس!
الواقع الآن، إن هناك رجالًا ونساءً، شبابًا وشيوخًا، بل أطفالًا قصر، يتحملون ويضحون من أجل استعادة الحرية والكرامة مرة أخرى، من كل التيارات السياسية.. كل حسب قدرته وطاقته وحجمه وخطأ الكبير كبير.. وخطأ الصغير صغير.. ودور الكبير كبير ودور الصغير صغير. من يتجاوز هذا الواقع للعودة إلى الخلف، لأحاديث سفسطائية، هو نوع من الهروب المبرر في مثل هذه الظروف. أكثر من أربعين ألف معتقل في دولة، بات نظامها الحاكم بحكم الأمر الواقع، يحتفل إعلامه التحريضي بتشييد السجون الجديدة كإنجازات له.. مئات من الذين قضوا في غياهب أماكن الاحتجاز تحت وطأة التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد.. مئات من المخفيين قسريا ويزداد حصيلتهم يوما بعد يوم. آلاف قتلوا برصاص حي خارج نطاق القانون أو من على منصات القضاء.
واجبنا وهدفنا يجب أن يكون الحرية لكل مصري من كل ظلم وأن تستعيد مصر إنسانيتها لتحقيق العدل والحرية والكرامة للجميع، وأن يحاسب من أجرموا وقتلوا المصريين منذ 25 يناير حتى الآن. وليس أدل على ما أتحدث عنه من تلك الصورة المعبرة لعصام سلطان وعلاء عبدالفتاح وهما يتشاركان غذاءهما ويرفعان أيديهما معا خلف قضبان الاستبداد والظلم معبرين عن وحدتهما ضد هذا الانقلاب الغاشم الذي أتى على الأخضر واليابس.
الحديث عن وحدة الصف الثوري، ليس يوتيوبيا ولا يجب أن يكون كذلك؛ نحن نتحدث عن وحدة بين كل من يبذل ويضحي، ومن يريد أن يبذل ويضحي، فالوطن والثورة ملك الجميع لا يحتكرهما أحد، لا من ما زال ينتظر و يُنظّر، أو من هو متفرج من برج عالٍ.
الدكتور البرادعي، على سبيل المثال، وخصوصًا بعد سلسلة تصريحاته منذ 3/ 7/ 2013 وإلى الآن، والتي أفصح فيها متباهيًا عن دوره كسفير للنوايا غير الحسنة للانقلاب العسكري على الديموقراطية في مصر، متى تكفر عن أخطائك أنت أيضًا؟!
كانت مهمتك أنت وشريكك آنذاك، قبل الانقلاب، هي التسويق الدولي له. فوزير الدفاع المنقلب عبدالفتاح السيسي عليه التحدث والتشاور وإطلاع صديقه وزير الدفاع الأمريكي شاك هيجل بالمستجدات، بحسب ما جاء في حديثه الشهير للواشنطن بوست في 5/ 8/ 2013؛ حيث قال نصًا: إن “الولايات المتحدة لم تكن بعيدة بأي حال من الأحوال عما يجري هنا، وكنا حريصين على أن نمد مسؤوليهم بإحاطات كافية حول الوضع الراهن، ومنذ شهور أخبرتهم بأن هناك مشكلة كبيرة في مصر، وطلبت دعمهم للمشورة كشريك إستراتيجي وحليف لنا”، وهو ما يعني أن خطة التخابر الدولي للانقلاب على المؤسسات المنتخبة كانت موزعة بين عبدالفتاح السيسي وبينك.. السيسي مسؤوليته تحضير البنتاجون وأخذ الضوء الأخضر، ودورك -باعتبارك مدنيًا- هو قيادة الدبلوماسية الدولية للانقلاب لإقناع الفاعلين السياسيين الدوليين.
نعم أنت استقلت اعتراضًا على مجزرتي رابعة والنهضة وما تلاهما، وهو موقف أفضل من أقرانك في جبهة الإنقاذ التي مثلت القشرة السياسية الرديئة للانقلاب. لكنك أيضًا، وبالمنطق نفسه، كنت حاضرًا في مذبحتي الحرس الجمهوري والمنصة بوصفك نائبًا لرئيس مؤقت ومعينًا من شريكك آنذاك وزير الدفاع المنقلب. الأهم من هذا، أنك صرحت لجريدة النيويورك تايمز في 4/ 7/ 2013 قائلًا: “سعيت بجد لإقناع القوى الغربية لعزل الرئيس مرسي بالقوة”، وأكدت في الحديث نفسه أنك كنت في يوم 3/ 7/ 2013 على تواصل هاتفي ولفترات زمنية مطولة مع السيد جون كيري والسيدة كاثرين آشتون لإقناعهم بضرورة عزل الرئيس مرسي للبدء في مرحلة ديموقراطية.. كان هذا دورك بالمشاركة مع دور السيسي.
أتعلم يا دكتور برادعي أن هناك رئيسًا منتخبًا ورئيس برلمان منتخبًا ونوابًا منتخبين وعشرات الآلاف من شركاء الثورة، وممن كانوا القوة المحركة الحقيقية لحملة التغيير التي ترأستها في 2010، في غياهب سجون الظلم والاستبداد.. والمئات منهم معلقة رقابهم على المشانق الآن ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام في أي لحظة بسبب هذا الانقلاب؟! أتعلم يا سيد برادعي أن الرئيس المنتخب الذي سعيت حثيثًا لإقناع قوى غربية لعزله بالقوة، قبل الانقلاب وأثناءه، متهم بتهمة جزافية ووهمية هي “التخابر” مع جهات أجنبية (المقاومة الفلسطينية)، في حين أن ما قمت به أنت مع شريكك آنذاك وزير الدفاع المنقلب، وبحسب تصريحاتكما، هو عين التخابر مع جهات أجنبية للانقضاض على مؤسسات مصرية منتخبة ديموقراطيًا؟!
ماذا تعني تصريحاتك في مايو الماضي حين أكدت ثلاثًا أنك “وقعت” على خارطة طريق وخطة ما بعد الانقلاب مع السيد برناردينو ليون، والتي أسست للمرحلة السوداء التي تعيشها مصر الآن. ماذا تعتبر هذا كله؟! لم توضح في تصريحك هذا هل كان هذا التوقيع في إحدى زيارات السيد برناردينو ليون المتكررة قبل أشهر من إعلان الانقلاب، تحديدا منذ شهر فبراير إلى شهر يونيو 2013، ولقاءاته المتكررة معك ومع قيادات جبهة الإنقاذ التي كنت أنت من ترأسها. أم أنك وقعت خطة ليون بعد الثالث من يوليو؟!
لماذا توقفت عن التغريد؟ ومتى توجه خطابا لشعبك معتذرا، أو حتى تغريدة من 140 حرفًا؟! متى تقوم بالجهد الحثيث نفسه مع أصدقائك أمثال السيد جون كيري والسيد برناردينو ليون لإقناعهم أنك أخطأت وأن الديموقراطية المزعومة التي كنت تبشر بها على ظهور الدبابات لم تأت؟! متى تسعى حثيثا لإقناعهم بالتخلي عمن أتيت بهم ليذبحوا المصريين ويعيدوهم لعصور الفاشية العسكرية المظلمة والاستبداد والفساد؟! هل تستدرك خطأك قبل جريمة إعدام تجهز للسيد مرسي الذي كنت تتحدث عن خروج مشرف له؟! هل تكفر عن ذنبك في حق الثورة المصرية قبل نشوب حرب أهلية لاحت نذرها في مصر بعد أعمال التصفية الجسدية لخصومك السياسيين؟!
أنت في فيينا الآن، وتسافر وتحضر مؤتمراتك، وإن أردت القيام بشيء فستستطيع فعله. فهل ستأتي متأخرًا… أم أنك قررت ألا تأتي أبدًا؟