تقوم المعادلة في مصر الآن على: لا يجوز أن تكون ضد الإرهاب، وفي الوقت نفسه ضد الانقلاب وضد الاحتلال.
عرض السيسي الرمضاني يلزمك بشراء الباقة كاملة، ومن لم يفعل خائن لوطنه، كاره لجيشه، صرصار لا يستحق إلا جزمةً، تُقذف في وجهه، في برنامج تلفزيوني على الهواء مباشرة، أو يذبح بها.
هي المعادلة الفاسدة ذاتها التي تأسست عليها جريمة السطو المسلح على ثورة يناير، في الثلاثين من يونيو: إذا كنت من المحتجين على أداء الرئيس محمد مرسي، ومن الراغبين في انتخابات رئاسية مبكرة، عليك أن تكره مؤيديه، وتشارك في ذبح الإخوان وإبادتهم، وتقبل بأن تضع يدك في أيدي فلول دولة مبارك، وتحتضن الثورة المضادة، وتحملها فوق ظهرك، وتعادي المقاومة الفلسطينية، ولا تقول لإسرائيل العدو، بل الصديق والجار، وتغلق فمك وتخرس تمامًا عن هتاف الثورة الأشهر “يسقط حكم العسكر”، وتبلغ عن جارك، وتعتبر رقص سما المصري، وفتاوى إلهام شاهين، وتجليات الحاجة ياسمين الخيام، سواءً بسواء مع حنجلة يونس مخيون وياسر برهامي ونادر بكار، وعجين الفلاحة الذي يمارسه المعتز بالله عبدالفتاح، والمفتيان السابق والحالي، والبابا، وتعتبر كل ذلك قمة الوطنية، ومنتهى الانتماء والتضحية من أجل الوطن.
عرض السيسي يقول لك إن بقاءك على قيد الحياة مرهون بالإيمان بالثالوث، السيسي- الانقلاب- الاحتلال، ومن يخرجون عن ذلك حقّت عليه اللعنة، فينفون في الأرض، فوقها وتحتها، سجنًا أو اعتقالًا أو اختفاءً قسريًا، كما أفتى “الإمام الزند”، وتقطع أيديهم وأرجلهم وأجسادهم بالسيوف والسياط، كما تشاهد في لقطات الفيديو التي يسربونها على سبيل الردع والتخويف، كما جرى في مدينة كفر الشيخ، حين ذهبت قوات الشرطة، مصطحبة البلطجية المدججين بالسيوف، للقبض على مجموعة من المعارضين/ الإرهابيين، وقبل أن تبتلعهم سيارة الترحيلات، كالذبائح، كانت السيوف قد قالت كلمتها، وكتبتها بالدم على أجسادهم.
ليس مسموحًا لك أن تعيش إنسانًا وسط الوحوش في غابتهم الفسيحة، ليس مقبولًا أن تكون ضد الإرهاب، وفي الوقت نفسه، مع الإنسانية، بل يجب أن تكون ضد الاثنين معًا، كما لا يجوز أن تكون مع جيش بلدك، وفي الوقت نفسه، ضد انقلاب قياداته على ثورتك وديمقراطيتك، بل يجب أن تأخذ الاثنين معًا، كما لا يصح أن تكون مع الجيش المصري، وفي اللحظة نفسها ضد التطبيع الاقتصادي والعسكري مع إسرائيل، بل لا بد أن تقبل بالاثنين.
وإجمالًا، هم يعتبرون وطنيتهم الفاسدة جوهرًا واحدًا هو عبدالفتاح السيسي، وأقانيم ثلاثة، هي الرضا بالانقلاب والموافقة على التعاون مع الاحتلال في الحرب على الإرهاب، وكراهية كل أشكال المعارضة والمقاومة.
ولأن هذه الأمة لم تتصحّر إنسانيًا بعد، فقد بقي فيها أمثال المنصف المرزوقي، استطاع أن يحقق معادلة الفطرة الإنسانية السوية، ليكون ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، مع كفاح الشعب الفلسطيني، طلبًا لحريته واستقلاله، وفي الوقت نفسه، ضد الإرهاب. لذا يكون أول ما يفعله المرزوقي، عقب تحريره من أسر قوات الاحتلال، ضمن المشاركين في أسطول الحرية لكسر الحصار الجائر على غزة، هو التوجه بإكليل من الورود، إلى النصب التذكاري لضحايا الحادث الإرهابي، في مدينة سوسة.
يقدم المرزوقي درسًا بسيطًا، في الاستقامة معًا، ملخّصه أنه عادي جدًا أن تكون ضد الاحتلال وضد الانقلاب، وفي الوقت نفسه ضد الإرهاب.
من الممكن أن تكون إنسانيًا ومتحضّرًا وواضحًا، وليس شرطًا ولا قدرًا أن تكون مثل عمرو الشوبكي، الباحث السياسي والنائب السابق في برلمان مصر “الثورة” الذي لكي يثبت أنه وطني نموذجي، يحب السيسي والعسكر، مثل عينيه، يتبنى الرواية الصهيونية الدحلانية المنتشرة عن اتهام “حماس” بالوقوف وراء الإرهاب في سيناء.
يقول الشوبكي -على فضائية دحلان- “إن حركة حماس قد تكون متواطئة في أحداث سيناء الأخيرة، ووجود عناصر تكفيرية داخل قطاع غزة”، مشددًا على أن حركة حماس جزء من جماعة الإخوان المسلمين، وأن هناك تحديات أمنية تواجه ملف “تنمية سيناء”.
هكذا بالليكودي الفصيح، يروج الباحث المحترم، ما تسكبه ماكينات الدعاية الإسرائيلية من سخائم، وعوادم، من دون تعديل في الصياغة.
لكل ذلك وغيره، يبقى موقف اللاعب أحمد الميرغني، حتى لو كان عابرًا، وحتى لو كنت ضده سياسيًا، جديرًا بالاحترام، ومستحقًا للدفاع عن حريته، وحقه كإنسان، لا صرصار.