لم ينته عام 2014، إلا وتحول عبدالفتاح السيسي إلى نموذج يحاكي “الحاكم بأمر الله” في التاريخ؛ إذ كرست كل أجهزة النظام نفسها، لترويج فكرة وحيدة، تقول إن مصر الآن بين يدي حاكم هو الأقوى وهو الأحكم، يحسد العالم كله المصريين عليه، ويتمنون مثله، لتذوّق طعم النجاح والتفوق.
في نوفمبر 2014، نشرت الصحف العاملة على تسويق الجنرال السيسي خبرًا نصه “قال اللواء مدحت قريطم، مساعد وزير الداخلية لشؤون خدمات الأفراد، إن الوزارة ستطرح لوحة معدنية باسم “السيسي 1″، وسيتم تقدير ثمنها بنحو 30 مليون جنيه في مزاد علني، لبيع اللوحات المعدنية لدعم صندوق “تحيا مصر”. وأضاف قريطم، في حواره في برنامج “على مسؤوليتي”، مع الإعلامي أحمد موسى على قناة “صدى البلد”، أن “هناك كثيرًا من المواطنين في الدول العربية رغبوا في شراء بعض تلك اللوحات، وأن هناك كثيرًا من التسهيلات لأصحاب تلك اللوحات، ويمكن ترخيصها في أي من محافظات الجمهورية، كما أنها قابلة للتوريث”.
كان ذلك قبل اندلاع فضيحة تسريبات “الأرز الخليجي”؛ إذ دشنت كراكات الإعلام السيسي مرحلة الحفر العميق في الوجدان المصري، لتثبيت السيسي زعامة سياسية وروحية ودينية، قادرة على صناعة المعجزات، تلمس الملف، أي ملف، فتنهمر منه الإنجازات والنجاحات، بدءًا من ملف “الحرب على الإرهاب”، وليس انتهاء بملف المعجزات الاقتصادية، وتحويل مصر إلى نمر اقتصادي، يزأر هنا، فتصاب الدول الصناعية الكبرى بالهلع.
مضت على خبر “لوحات السيسي المعدنية” ثلاثة أرباع السنة، ولم يخرج علينا مسؤول في وزارة المالية، يقول كم بلغت الحصيلة، بالمليارات أم بالملايين، في دولة يمرح بشوارعها نحو عشرة ملايين سيارة، كما مضى عامان على تدشين حرب السيسي على الإرهاب، الذي كان مجرد “محتمل”، فتحول إلى واقع يخرج لسانه للجميع، على الرغم من التفويض الشهير الذي حصل عليه، وعلى الرغم من الإعلانات المتكررة يوميًا عن عمليات التهجير والإجلاء والإبادة، وتهديم البيوت والمساجد، وفقا لقاعدة الطب الغبية: أسرع وسيلة للقضاء على المرض التخلص من المريض نفسه.
وأيضًا لم يخرج أحد ليحدثنا عن الحصيلة، سوى هذه النعوش اليومية التي تمزق قلوب القرى والأحياء الشعبية، حاملة جثامين الأحبة، من جنود “غلابة”، يستشهدون في حرب تخوضها مصر كلها، من أجل أحلام مريضة لشخص واحد، لا يحترم لها تاريخًا، ولا يعرف لها جغرافيا.
أظهرت تجربة عامين من قرصنة عبدالفتاح السيسي على الحكم، أنه فشل في كل شيء، فشل حتى في استبداده وديكتاتوريته، فقدم نموذجًا هزيلًا منخفض القيمة والحجم للمستبد الديكتاتور، كما ظهر في التجارب التاريخية المماثلة؛ إذ كان الاستبداد في مصر يتأسس دومًا على رفع شعارات محاربة العدو الإسرائيلي، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. الآن أنت بصدد استبداد تعتبره “إسرائيل” ابنًا لها من الرضاعة، وتسخر كل إمكاناتها الدبلوماسية لتسويقه ودعمه في الخارج، ولا تخفي سعادتها باعتلائه الحكم، كما أنه شديد الوفاء لهذه الرعاية.
أحسب كم مرة تحدث عبدالفتاح السيسي عن حرصه على سلامة إسرائيل وأمنها، في وقت يواصل فيه مهمته في حرق مصر، اجتماعيًا وسياسيًا، واستنزافها عسكريًا؟
كم مرة تحدث السيسي، والذين معه، عن المعارضين المصريين كعدو، مقابل الحديث عن إسرائيل كصديق وشريك؟
مرة أخرى، ليست مصر وحدها في خطر، مع استمرار هذا الجنون الذي تجاوز مرحلة طلب التفويض من مصريين لقتل مصريين آخرين، إلى التحريض، علنًا، على الحرب الأهلية، كما حدث في جنازة النائب العام، حين طلب من كل المصريين الثأر من الجناة، هؤلاء الجناة الذين لا يعلم إلا الله من يكونون، وأظن أن هذه هي الترجمة الحرفية لمفهوم الدعوة للاحتراب المجتمعي والحرب الأهلية.
إن إصرار هذه السلطة على إحراق كل شيء، بات ينذر بأن مصر باتت على بعد خطوة من سوريا والعراق.
مصر تحتاج رئيسًا يعرفها، وليس تميمة أو علامة تجارية، أو رقمًا مميزًا على لوحة معدنية لسيارة.
مصر تحتاج قيادة تأخذها إلى المستقبل، لا تردها إلى الماضي الكئيب.
رحم الله شهداء مصر، عسكريين ومدنيين، وحماها من حرائق الفاشلين.