تجري “اسرائيل” والأردن، منذ عدة شهور، اتصالات لفتح المسجد الأقصى أمام دخول الزوار غير المسلمين، وذلك بعد 15 عامًا من إغلاقه في وجههم.
ويسمح اليوم لليهود والمسيحيين بالدخول إلى باحة الحرم، لكنه لا يسمح بدخولهم إلى المباني الأساسية، المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
لكن مصدرًا في ديوان رئيس حكومة الاحتلال، نفى النبأ أمس، وقال إنه “لا تجري مفاوضات ولا تغيير في الوضع الراهن في الحرم القدسي”.
وعلمت “هآرتس” أن الاتصالات بين الجانبين بدأت في نوفمبر الماضي، بعد استجابة رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو” لطلب وزير الخارجية الأميركي “جون كيري”، إجراء لقاء ثلاثي مع الملك عبدالله؛ على خلفية ازدياد التوتر في الأقصى، ورغم تقدم الاتصالات، إلا أنها واجهت مصاعب كبيرة، ولم يتم التوصل إلى اتفاق حتى اليوم.
وطالب الأردن بمنع دخول الجنود بالزي العسكري إلى داخل المساجد، وكذلك منع اليهود المتدينين الذين يمكنهم استغلال الزيارة لأداء الصلوات داخل المساجد.
ولكن “إسرائيل” رفضت هذا الطلب، وفي وقت لاحق وافق الأردن على إلغاء المنع الجارف لدخول المتدينين اليهود مقابل إنشاء آلية تنسيق تمنع دخول المستفزين إلى المساجد.
وتم الكشف عن جزء من هذه الاتصالات في إطار التقرير الذي ستنشره اليوم مجموعة “الأزمة الدولية” وهي جهة غير حكومية مقرها في بروكسل. وقد التقى معدو التقرير مع العديد من صناع القرار في “إسرائيل” والأردن والسلطة الفلسطينية، وحسب استنتاجاتهم فإن من شأن خطوة كهذه أن تحقق الهدوء في الأقصى، لكنهم يقدرون أن التغييرات السياسية في “إسرائيل” قد تصعب على خطوة كهذه.
يشار إلى أنه حتى العام 2000، كان يمكن لكل زائر شراء بطاقة دخول من الوقف وزيارة المسجدين، لكنه في سبتمبر من ذلك العام، وفي أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “أريئيل شارون” إلى الأقصى واندلاع الانتفاضة الثانية، تم وقف التنسيق بين “إسرائيل” والوقف الإسلامي، ومنع طوال السنوات الثلاث التالية دخول اليهود والسياح إلى باحة الأقصى.
وفي أغسطس 2003، طرأ التغيير حين قرر وزير الحرب الإسرائيلي ورغم معارضة الوقف والأردن، فتح أبواب الأقصى أمام اليهود والسياح، ولكنه منعهم من دخول المساجد. ومنذ ذلك الوقت تجري الزيارات رغم موقف الوقف المعارض، ويترافق بمواجهات غير متناهية بين المستوطنين اليهود الذين يرتبط غالبيتهم بحركة أمناء الهيكل المتطرفة وبين المرابطين والمصلين المسلمين.
في السنوات الأخيرة، يدخل إلى الأقصى سنويا نحو عشرة ملايين مسلم وقرابة 300 ألف سائح و11 ألف يهودي متدين. وقبل سنة، وعلى خلفية موجة المواجهات التي اندلعت في مناطق شرقي القدس والعدوان الأخير على غزة ازداد الوضع الأمني تدهورًا في الأقصى، وفي عدة حالات هاجم الفلسطينيون المجموعات اليهودية وقوات الشرطة بالحجارة والمفرقعات النارية، وأصيب العشرات جراء المواجهات واستخدام قوات الأمن لأسلحة تفريق التظاهرات.
ويؤمن الجهاز الأمني الإسرائيلي بأن الأحداث في الأقصى أسهمت كثيرًا في ازدياد المواجهات في القدس الشرقية وفي الضفة عامة. ومن بين الوسائل التي استخدمتها “إسرائيل” في محاولة لقمع المواجهات في القدس والأقصى، كان تقييد جيل المصلين المسلمين الذين يسمح بدخولهم إلى الحرم، ومنع الشبان دون سن الثلاثين بشكل خاص من الدخول.
وخلال اللقاء الثلاثي الذي جرى بين “نتنياهو” و”كيري” والملك عبدالله في الأردن في نوفمبر 2014، تم الاتفاق على خطوات لم يتم نشرها، لكنه يلاحظ منذ ذلك الوقت قيام سلطات الاحتلال ببذل جهود لتقليص التوتر في الأقصى، من خلال وقف القيود التي تفرضها الشرطة على دخول المصلين، وتم تقليص مجموعات الزوار اليهود، بحيث لا يزيد عدد المشاركين في كل زيارة على 15 شخصًا، بل تم تشديد الفحص الأمني عليهم.
وعلى هذه الخلفية، تتواصل الاتصالات في سبيل التوصل إلى اتفاق حول الزيارة إلى الأقصى والمساجد، كما كان الوضع قبل عام 2000.
ويعتقد مسؤول رفيع في القصر الملكي الأردني، أن الاتصالات يمكنها أن تثمر عن انجاز داخلي كبير لأنها تعني اعترافًا إسرائيليًا بسيادة الملك على المسجد الأقصى، ويؤمنون في القصر الملكي بأن التعرض للأقصى يمكنه أن يقود إلى اضطراب في المملكة يهدد العرش الملكي.
وأضاف مصدر في القصر الملكي، في تصريح لمجموعة الأزمة، “لقد نجحنا بامتصاص الربيع العربي تقريبًا دون مظاهرات يزيد عدد المشاركين فيها على 800 شخص، لكن التصعيد في الحرم يمكنه أن يخرج إلى الشوارع 80 ألف شخص”. وتؤمن حكومة الاحتلال أنه إذا أسفرت الاتصالات عن تحقيق اتفاق، فإن كل الأطراف ستربح من ذلك؛ فباستثناء اليهود والسياح الذين سيتمكنون من العودة لزيارة المساجد، سيتم تجديد التنسيق الأمني الكامل بين “إسرائيل” والوقف والأردن، والذي ينحصر حاليًا في المسائل المتعلقة بعمل الشرطة وبشكل جزئي بعمليات الحفر الأثرية، وسيستعيد الملك الأردني مسؤولية الأردن عن الأقصى ويحظى بالتفوق في صراعه ضد الجهات الإسلامية في بلاده، كما أن فتح أبواب المساجد أمام الزوار لقاء مقابل مادي، سيغني صندوق الوقف الاسلامي ويزيد من مصلحته في الحفاظ على الهدوء في المكان.