عندما انطلقت «عاصفة الحزم» قبل أشهر، تصدّر أنصار تنظيم «داعش» حملة التشكيك فيها، شاركهم الحملة أعداؤهم التقليديون، الحوثيون وجماعة الرئيس المخلوع ومن لف لفّهم من إيرانيين ولبنانيين حزبيين.
أول من أمس، عندما انطلقت «عاصفة الجنوب» لتحرير مدينة درعا شرارة الثورة السورية، تصدر أنصار «داعش» مرة أخرى المثبطين والمشككين فيها، ولم ينافسهم في ذلك غير أنصار النظام، من الطبيعي أن ينزعج الحوثيون أو أنصار النظام السوري، ولكن لماذا تضيق «داعش» وكتائبها الإلكترونية بهكذا انتصارات؟
يجيب عن هذا السؤال حسن حسن (هكذا هو اسمه)، وهو باحث مستقل يعمل مع معهد «تشاتام هاوس» ودخل سوريا مرات عدة والتقى الثوار وأنصار «داعش» هناك، فألف لاحقًا كتاب «داعش.. داخل جيش الإرهاب».
يقول -في مقالة نشرها في إبريل الماضي في صحيفة «ناشونال» الإماراتية-: إن هناك «تطورين مهمين جاريين في المنطقة أوقعا ضررًا على شعبية داعش وأهميته بمقدار أكبر مما أوقعته تسعة أشهر من القصف الجوي والمعارك ضده في سوريا والعراق».
أولهما: كان انتصارات الثوار السوريين المتعاقبة في شمال سوريا واستيلاؤهم على مدينة إدلب ثم جسر الشغور، وما تلا ذلك من انتصارات في وسط سوريا وجنوبها، والتي أدت -وفق رأي حسن حسن- إلى «سرقة الثوار الزخم من داعش» ما أفقده بعض الجاذبية التي يوظفها في التجنيد. ويضيف قائلًا: «لقد أخبرني كثيرون داخل سوريا، أن داعش فقد بعض المتعاطفين معه بعدما أظهر الثوار قدرة واكتسحوا مدنًا ومواقع عسكرية حصينة للنظام خلال الأشهر الأخيرة».
تفسير حسن صحيح، فليس كل أنصار «داعش»، وخصوصًا المحليين منهم، مؤمنين به عقائديًا، على الأقل لم يكونوا كذلك لحظة الانضمام إليه وتعرضهم لعمليات التدريب والتأطير وغسل الدماغ. الانتصار يجلب الأنصار، والقوة تجذب المستضعفين الناقمين على النظام، فوجدوا في «داعش»، وخصوصًا في زمن تراجع الثورة السورية، «الأمل» في أن يقتص لهم ويشبع رغبتهم الغريزية في الانتقام من نظام ظالم بطش بأهلهم وأحبائهم، ومن ثم فإن ظهور بديل يجمع بين القوة والقدرة والاعتدال كفيل بسحب البساط من تحت أرجل «داعش»، إن لم يكن بسحب جل أنصاره، فعلى الأقل يستنقذ بعضهم ممن لا يزالون على الأطراف، كما يقطع الطريق على حملاته في تجنيد «ضحايا» جدد.
التطور الثاني، الذي أفقد «داعش» شيئًا من جاذبيته في التجنيد والاحتفاظ بالأنصار، وفق متابعة حسن حسن، هو رد فعل الرأي العام في المنطقة حيال «عاصفة الحزم»، التي أطلقتها السعودية بتحالف عربي- دولي في مارس الماضي ضد المتمردين الحوثيين «هناك انحسار ملحوظ في الإشارات الإيجابية نحو الجماعة بين جمهورها الذي يتعاطف معها عادة، لقد تحولت حماستهم نحو «عاصفة الحزم» التي رأوها حربًا على أتباع إيران في المنطقة».
يضيف قائلًا: «ترافق مع ذلك انتشار قناعة أن السعودية لم تعد ترى في جماعة الإخوان المسلمين تهديدًا عليها، أدى ذلك إلى تصاعد الشعور بالتفاؤل وتنامي شعور إيجابي نحو الحملة على الحوثيين». بمعنى آخر، رأى هؤلاء الغاضبون في «عاصفة الحزم» مشروعًا يغنيهم عن الانحياز إلى تنظيم متطرّف.
نظرية حسن حسن ربما تبدو منطقية، فليس كل أتباع «داعش» تكفيريين، أو على الأقل لم يبدأوا كذلك أول ما طرقوا بابها، فحال الهزيمة والإحباط وعدم وجود «مشروع بديل» يقف في وجه الظلم والاستبداد والاضطهاد، هو ما خلق للتنظيم جاذبيته بين شباب أكلهم الغضب ويريدون الانتصار للإسلام، تجدهم في الرياض أو تونس، وحتى بعيدًا في كوبنهاغن وبروكسيل، يعتقدون أن أهل السنّة في العراق والشام يتعرضون لأبشع حملة تنكيل وتقتيل، ومعهم حق في ذلك، بينما لا يتحرك العالم لنصرتهم، فيشدون الرحال بعيدًا من حياتهم الآمنة ورغد العيش إلى ما يرونه «أرض الجهاد والعزة والكرامة» هذا المحرك لهجرتهم يتحول عندما يصلون إلى بلاد «داعش» إلى عنف أعمى وكراهية وتكفير وإرهاب.
يعضد نظرية حسن حسن، رأي للداعية السعودي سلمان العودة، ألقى به للمناقشة قبل أيام في برنامج «في الصميم» أشهر برنامج حواري سعودي خلال شهر رمضان الجاري، يرى أن من أدوات مواجهة العنف توفير مشروع عربي إسلامي نهضوي بديل، يستوعب طاقة هائلة للشباب المسلم «الإنسان داخله طاقة تتحرك، لا يمكن أن تقول له اجلس وخليك ساكت، لا بد أن تشغله بشيء، لا بد أن تحقق له بعض الأحلام حتى تضمن أن تكون الطاقة في مصرفها الصحيح».
للأسف «طاقة» الشباب المسلم محل اتهام الآن، رغم أن الأصل فيها أنها طاقة معتدلة، ولكن غياب المشروع الصحيح دفعهم إلى المشروع الخطأ. تجربة «عاصفة الحزم»، وانتصارات الثوار السوريين تشير إلى الاتجاه الصحيح الذي يمكن أن تصب فيه هذه الطاقة، بل توظف لخدمة أهدافه الإستراتيجية في إعادة بناء المنطقة وتحريرها من الطائفية والاستبداد معًا.
من الظلم أن تكون مشاركة أيرلندي أو فرنسي في صفوف قوات الحماية الكردية، التي حققت انتصارات ملحوظة في شمال سوريا، مقبولة دوليًا، رغم أنها جماعة متهمة بتهجير العرب والتركمان من الأراضي التي تقع تحت سيطرتها، ما يشكل جريمة حرب، ولكن صاحبنا يتصور وسط المقاتلين الأكراد ممتشقًا سلاحه مستعرضًا، يعرضها على صفحته في «فيس بوك»، ويعود إلى وطنه ليجري لقاءات صحفية بوصفه بطلًا، بينما مجرد ذهاب شاب عربي هناك يجعله محل اتّهام!
إنها معضلة أخلاقية هائلة، وفي حلها وصفة قديمة للقضاء على «داعش».