نزل خبر إطلاق سراح الإعلامي أحمد منصور دون توجيه أية تهمة له في ألمانيا، بردًا وسلامًا على أنصار الحق والشرعية في كل مكان في العالم، ومحبطًا كئيبًا على أتباع الانقلاب!
عامان فقط من الانقلاب كانا كافيين لتسقط كل الأصنام الإعلامية والسياسية والدينية في مصر! عامان فقط كانا كفيلين بتمايز المجتمع المصري في كل قطاعاته؛ لنرى شبابًا يضحون بزهرة حياتهم لأجل القيم والمبادئ التي يؤمنون بها والمستقبل الذي يتمسكون به، ونرى في المقابل شيخًا ديوثًا أو سياسيًا خائنًا أو إعلاميًا عميلًا أو عسكريًا منقلبًا!
إلا أن الانقلاب في مصر لم يكشف كل الأصنام على المستوى المحلي فقط في مصر، وإنما امتد ليكشف بعضًا من الأصنام الخارجية على المستوى الدولي! والذي كان آخر تداعياته اعتقال الإعلامي أحمد منصور في برلين!
فمنذ اليوم الأول، كان هناك تعتيم إعلامي عالمي على غلق القنوات وتكميم الأفواه والانقلاب العسكري المسلح بدعوى الاستجابة للجماهير في مصر.
وطوال عامين، شهدت مصر أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر في رابعة والنهضة، وامتد القمع ليشمل الصحفيين والإعلاميين وكل من يجرؤ على انتقاد السلطة الجديدة، حتى لو كان من مؤيدي 3 يوليو، دون أدنى اعتراض من دول الغرب التي تدعي التمسح بقيم الحرية والديمقراطية، اللهم إلا بعض التصريحات الخجولة جدًا، وغالبيتها من منظمات حقوقية غير حكومية، بينما استقبلت حكومات هذه الدول قائد الانقلاب وفردت له السجادة الحمراء.
***
الخطأ ليس خطأ الغرب، وإنما خطأ من ظنوا فيه خيرًا أو انتظروا منه الانتصار لقضيتهم العادلة، وليس هذا الخطأ راجعًا إلى حقيقة أن السيسي قام بانقلابه بدعم وتأييد وتوجيه غربي فقط، ولكن لأن ارتباط الغرب بالحرية والديمقراطية محض دعاية تحتاج للكثير من التدقيق!
صحيح أن في الغرب هناك فقط حدود لتغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات ولا سيما القضائية، إلا أن العقلية واحدة، والتركيبة النفسية غالبًا واحدة، نفس المادية والبراجماتية والرغبة في الفوز والانتصار للمصالح ولو على حساب المبادئ!
لا فارق بين هتلر وأيزنهاور، بين روميل ومنونتجمري، بين برلين ولندن، بين أميركا واليابان! بل إن من أطلق قنبلتين نوويتين على مدينتين آهلتين بالسكان هي الولايات المتحدة وليس هتلر النازي، والذي إن توصل لهذا السلاح ما تردد في استخدامه بنفس القسوة، فلا فارق بينهما إذن!
***
يقول روجيه جارودي، في كتابه المهم “كيف نصنع المستقبل”، موضحا أن الحلفاء في الحرب العالمية الثانية لا يختلفون كثيرًا عن هتلر، تحت فصل بعنوان “هتلر كسب الحرب”:
“لقد تم تطبيق البرنامج الهتلري في السيطرة على العالم نقطة نقطة؛ بدءًا من انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم تبعية أوروبا ومحاولة غزو الأجناس الأدنى في كل أنحاء العالم.
وقد تم ذلك بواسطة خصوم هتلر المؤقتين في الغرب، والذين كانوا قد حبذوا صعوده إلى السلطة حتى عشية الحرب لأنهم كانوا يرون فيه حاجزًا ضد الاتحاد السوفيتي (إمداد بالحديد والصلب من فرنسا، قروض من إنجلترا، والإعداد في عام 1939 لحرب إنجليزية فرنسية ضد الاتحاد السوفيتي من فنلندا إلى القوقاز).
وفي أعقاب الحرب، تم استخدام خبراء هتلر كي ينجزوا بوسائل أخرى خطط هتلر للسيطرة على العالم”.
كيف نصنع المستقبل.. طبعة دار الشروق صـ 76 و 77 بتصرف
أي ما يريد روجيه جارودي قوله، أن الغرب دعم هتلر وهو يعلم بما يحمله هذا الأخير من أفكار نازية عنصرية دموية، ولا مشكلة في ذلك طالما أن سهام هتلر موجهة نحو الاتحاد السوفيتي، لا نحو الغرب! فلما عقد هتلر معاهدة عدم اعتداء مع ستالين (رسميًا كانت معاهدة عدم اعتداء فقط، لكن سريًا كانت تنص على اقتسام أوروبا الشرقية بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية) وبدأ هتلر باجتياح غرب بولندا ثم لوكسمبورغ وهولندا وبلجيكا ولاحقًا فرنسا، وبدأ في مهاجمة الجزر البريطانية وحصارها، أصبح هتلر نازيًا خطرًا على البشرية!
لذا فلا تستغرب إذا عرفت أن روجيه جارودي نفسه تعرض للاعتقال وحكم عليه بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ لتجرؤه على التشكيك فقط في عدد ضحايا المحرقة اليهودية “الهولوكوست”.
***
الغرب إذًا يعرف السيسي جيدًا؛ لأنه ابن القيم الغربية التي تؤمن بتفوق أحد الأعراق على بقية الأجناس، وأن الناس خلقوا طبقات، ووجوب استمرار الأقوى بالقوة! السيسي يمثل النفاق الغربي والاستعلاء على الغير والبراجماتية اللامتناهية وازدواج المعايير والرغبة في الحصول على أكبر قدر من المصالح مهما كان الثمن، حتى ولو كان الثمن دهس جميع الشعارات التي يتشدقون بها والمبادئ التي يرفعونها!
وصدق أحمد منصور حينما قال عقب اعتقاله في ألمانيا: كل الدول يحكمها سيسي إذا مست مصالحها!
هنيئًا للزميل أحمد منصور حريته.. والعقبى لكل معتقلي الرأي إن شاء الله!