يقول المحللون والمراقبون لاوضاع غزة “لا دخان بدون نار”، وذلك تعليقا علي نفي الرسميين أو صمتهم حول ما ينشر عن مفاوضات غير مباشرة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي حول تهدئة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار وفتح المعابر وإنشاء ميناء بحري.
ومن اللافت هذه الأيام أن الإعلام الإسرائيلي لا يكف الحديث عن ضرورة إعمار غزة؛ منعا لتجدد المواجهة، هذا في الوقت التي تسمح فيه سلطات الاحتلال بمرور وفود أوروبية إلى غزة عبر (إيرز) الذي تسيطر عليه شمال القطاع، في حين تلتزم حماس الصمت فيما يثار عن وجود مفاوضات غير مباشرة وتكتفي بالمطالبة بضرورة رفع الحصار وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية.
دعوات إسرائيلية لإعمار غزة
يقول النائب الإسرائيلي عن حزب “هناك مستقبل” “يلين” إنه تجري مفاوضات بين حماس وإسرائيل عبر جهات أجنبية رغما عن أنفنا”، فيما قال موقع “والا” العبري إن “إسرائيل” تدرس إقامة ميناء بحري في غزة المطلة على ساحل البحر المتوسط وهو أحد مطالب حماس في اتفاق وقف اطلاق النار الذي رعته مصر ولم ينفذ منه شيء، بسبب العلاقة السيئة بين حماس والنظام الحاكم هناك.
وتطرق رئيس وحدة الأبحاث في هيئة الاستخبارات العسكرية، العميد “ايلي بن مئير”، اول امس الثلاثاء إلى اعادة إعمار غزة بعد حملة “الجرف الصامد”. وشدد خلال استعراض قدمه لأعضاء في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية على الدور المهم لترميم قطاع غزة بمنع جولة العنف القادمة.
وقال حسب ما نقل “والا” إن “إسرائيل تسمح بدخول المساعدات والمواد من أجل الإعمار المدني في قطاع غزة، وتبذل كل ما باستطاعتها لكي تخفف على وضع المواطنين. إنّ إعمار القطاع هو قاعدة للحفاظ على الهدوء المتواصل”.
وأمام تجاهل مصر وسلطة محمود عباس للوضع المأساوي في غزة، يجد الكاتب الإسرائيلي المعروف “عاموس هرئيل” أنه “من المريح أكثر لإسرائيل التوصل إلى تفاهمات غير مباشرة مع حماس، لا تلزم نتنياهو بتقديم تنازلات سياسية (طالما لم يعترف علانية بحماس كشريك)، مشيرا إلى أن “هذه هي خلفية النشاط المتزايد للمندوبين القطريين في المنطقة الذين لا ينشغلون فقط في جهود اعادة اعمار قطاع غزة.
ويشير الكاتب إلى دور تركي أيضا في الوساطة ، مذكرا أنه “في الصيف الماضي في خضم الحرب، رفضت اسرائيل بشدة مشاركة تركيا وقطر في الوساطة مع حماس، ودخلت في مواجهة مع الولايات المتحدة بسبب استعدادها لفحص مقترحات هذين البلدين للتوصل إلى تسوية”، لكن “يبدو الآن أن إسرائيل غيرت من توجهها. هناك الكثير من اللاعبين الذين ينافسون على الملعب الغزي، وغيرهم الكثيرين ينشطون من وراء الكواليس”.
ويحذر الكاتب الإسرائيلي من انفجار الوضع في غزة ، مشيرا إلى الواقع الاقتصادي الصعب هناك” حيث يقترب معدل البطالة من 50٪، وتواجه مصادر المياه الصالحة للشرب الخطر ويشعر السكان بضائقة متواصلة تجعل فمن الصعب توقع الاستقرار مع مرور الوقت”.
الزهار: الحديث عن تثبيت وقف اطلاق النار
من جهته، استغرب عضو القيادة السياسية لحماس محمود الزهار في حديث لرصد الحديث عن وجود مفاوضات غير مباشرة بين حماس والاحتلال، قائلا “لم تكن هناك حكومة إسرائيلية (فترة انتخابات الكنيسيت) حتى نقول أن هناك مفاوضات معها .. إذا كان هناك حكومة مستقرة ممكن نفهم أن هناك مفاوضات”.
لكنه نبه إلى أن حماس من حيث المبدأ فاوضت “إسرائيل” بشكل غير مباشر في صفقة تبادل الأسرى، ونوه أن “من يظن أن صفقة التبادل في مقابلها رفع الحصار فهو مخطئ ، صفقة التبادل مقابلها تبادل .. منفصلة تماما”.
وشدد الزهار أن “تثبيت وقف اطلاق النار من جانبنا مرتبط برفع الحصار ..إذا لم يرفع الحصار فنحن غير ملتزمين بالتهدئة.. ما هو مطلوب أن تقدم حكومة الاحتلال ما عندها”.
وعن زيارة وزير خارجية ألمانيا “فرانك فالتر شتاينماير”، إلى غزة مؤخرا، وتصريحه بضرورة إعادة الإعمار ورفع الحصار وتأكيده على “التنمية في غزة مقابل أمن إسرائيل”، فسرها الزهار بالقول : المعادلة تثبيت وقف اطلاق النار هو أمن للجميع.. مقابل رفع الحصار.
ورأى الزهار أنه ما كان لوزير خارجية ألمانيا بالذات أن يصل إلى غزة إلا بموافقة “إسرائيل” وبالتالي ما صرح به متفق عليه ألمانيا و إسرائيليا ، مشيرا إلى “منع الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر من الوصول لغزة.. فلو كانوا يرفضون مجيء الوزير الألماني ما سمحوا له بالدخول إلى غزة.”.
ويفهم من حديث وزير الخارجية الألماني، حسب الزهار، أن العدو الإسرائيلي مستعد لرفع الحصار في مقابل تثبيت وقف اطلاق النار”، مشيرا إلى أن كل القيادات الإسرائيلية ما عدا وزير الجيش يعلون الذي خرج مهزوما من الحرب الأخيرة، تقول لا بد من رفح الحصار وفتح المعابر”.
وعن استمرار الوساطة المصرية لتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار الذي رعته خلال العدوان الأخير، أكد الزهار أنها توقفت لأن الجانب الإسرائيلي يعلم أن سوء العلاقة بين حماس ومصر سيؤثر بشكل أو بآخر على شكل الوساطة… هم يريدون وساطات أخرى وهذا هو الموقف الإسرائيلي”.
وانتقد الفلسطينيون بشدة الوساطة المصرية خلال الحرب ، التي كانت أكثر ميلا إلى المطالب الإسرائيلي وفق ما يقول المراقبون ، وسط مطالبات لحماس بمفاوضة العدو الإسرائيلي بعيدا عن الوسيط المصري.
ولا يرى الكاتب الفلسطيني المقرب من حماس مصطفى الصواف أي مشكلة في التفاوض ” إذا كان على تحقيق مصالح عامة دون اعتراف أو تنازل للعدو” قائلا: لماذا الخوف من التفاوض حتى لو كان بشكل مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي أو بشكل غير مباشر نحافظ فيه على الثوابت ولا نفرط بالحقوق ولا نغير في أهدافنا ونعمل على الإعداد والتجهيز ليوم المواجهة الحتمية التي لا بد عنها، لأن القاعدة هي عدم الاعتراف وتحرير الأرض وإقامة الدولة بعد العودة والتي نتمنى أن تكون قريبة.
وأكد أن “أي اتفاق لن يكون مقدسا وبالإمكان فسخه في أي وقت إذا لم يلتزم العدو به ونصبح في حل منه؛ ولكننا بحاجة إلى ضامن حقيقي يكفل هذا العدو ويلزمه ما يوقع عليه على أن لا يكون كالضامن المصري الذي يعمل لتحقيق مصالح (إسرائيل) على حساب مصالح شعبنا الفلسطيني.