في جماعة الإخوان المسلمين داء خطير، أسميه داء (ثقافة الطبطبة)، وسلوك العجزة والازدواجية في معالجة أمور تحتاج إلى حسم ووضوح، لكن للأسف تستخدم ثقافة التباطؤ، والطبطبة، والمحايلة، حتى تنتهي اللحظة المناسبة للعلاج والحسم في الأمر، وقتها يخرج صاحب الداء أو الكارثة بمشهد المناضل البطل المضحي، ليرمي بالاستقالة في وجه الإخوان، أو بالانقلاب عليهم.
حدث هذا في مصر وبلاد شتى، تعرضت فيه الجماعة لمواقف لم تكن بحاجة إلى تأليف القلوب، بقدر ما كانت بحاجة إلى الصراحة والحسم والشفافية، وخلط البعض فيها بين الستر على فضائح الناس الخاصة، وبين الحسم في سلوكيات ضررها يقع على الأفراد والمجتمعات، فليس هناك تعارض بين أن تستر الشخص، وبين أن تتخذ إجراء حاسما حيال تجاوزاته الفكرية أو الخلقية أو المالية، أو السياسية، إلى آخر هذه التجاوزات التي تحدث، والأمثلة على ذلك كثيرة.
فمثلا: يحاول الإخوان الحصول على توافق، وظهور لأفراد بجانبهم من غير الإسلاميين، فيدللون فيهم، أو غير مسلمين، ثم يكتشفون أنهم لم يحسنوا تقدير الأمور، وبدلا من حسم الأمر وبيان الحقيقة، يزدادون في جرعة الطبطبة على الشخص، أو الكيان، وكأن على رأسهم بطحة، وقد حدث هذا من الإخوان فترة حكمهم، وبعد حكمهم.
وما يقال عن مواقف الإخوان ممن خارجهم، يقال كذلك عن مواقفهم ممن يتجاوز بداخلهم، فتراهم وكأن الدعوة والجماعة حائط مائل، آيل للسقوط، يخشون عليه من نسمة الهواء، فلا داعي لكشف فلان المكشوف أنه يسرب للأمن أخبار الجماعة، أو أنه متجاوز، وعليه تجاوزات واضحة، السكوت عليها يؤذن بخراب على الدعوة والأفراد، وذلك –للأسف- من باب الحفاظ على هيبة الدعوة، وكأنهم أحرص على الدعوة والإسلام من محمد بن عبد الله صلى الله عليه سلم، الذي رجم ماعزا والغامدية، وقطع يد المخزومية التي سرقت، ولم يقل: أخشى أن يفقد الناس الثقة في الإسلام، وتهتز صورة الدين في أذهانهم، ناسين أن الصورة تهتز وتخدش بالصمت المريب على تجاوز من يتجاوز، وعلى خطأ من يخطئ، كائنا من كان، فكم من أناس تركوا الدعوة لعلة الصمت حيال من تجاوز، أو أنه رأى سياسة الكيل بمكيالين، فالحسم والحزم في مواقف، بينما التباطؤ والطبطبة في مواقف أخرى.
يذكرني الإخوان في سياسة الطبطبة هذه بالقصة التي تحكى لنا في الريف المصري: أن خواجة غير مسلم مشى في الريف، وكان أحد الفلاحين يسوق له الحمار، فسمع الخواجة صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يتلو القرآن، فأعجبه الصوت والقرآن فأسلم، وبينما يمر الفلاح به إذ مروا على مسجد يرفع فيه الآذان رجل سيئ الصوت جدا، فأمسك الفلاح بخطام الحمار وهو يخاطبه: حا حا لاحسن يكفر!! وكأن مسؤولية الإيمان والكفر، صارت مسؤولية الرجل سائق الحمار، ولذا فهو يسرع الخطا به، وكأن الإسلام سر قوته وضعفه، في حلاوة صوت قارئ للقرآن، أو نشاز صوت مؤذن آخر، ناسين أن القوة والضعف تتمثل في قوة تنفيذ المبادئ، والحسم فيها، وعدم قبول التجاوز، وليس في قوة الشكل، وظهوره بالمتماسك والقوي، بينما يغض الطرف عن الأخطاء.
مطلوب من الإخوان التخلي عن سياسة الطبطبة هذه، سواء في مجال السياسة والتحالفات وما فيها، أو في بنيانهم الداخلي، وكياناتهم الداخلية، لتكن هناك مبادئ ولوائح وأسس واضحة لا تقبل التجاوز، كائنا من كان، شخصا أو كيانا.
تنبيه: كل من يفهم أن المقالة هي إسقاط على حالته، فهذه ليست مسؤولية الكاتب، إنما هي مسؤولية دماغ سعادته شخصيا.