“بلادي وإن جارت عليّ عزيزة”.. أشعار رددها أبناء الوطن سابقًا، لكن الواقع أقوى من الحب، إذ بات ابن الوطن هاربًا من بلده إلى مكان آخر، فالتخلي عن الهوية بدأ اختيارا إجباريا للعديد من المصريين الذين ضاقت بهم السبل للعيش بكرامة في وطنهم.
وأزاح تخلي المعتقل محمد سلطان عن جنسيته المصرية مقابل ترحيله إلى أميركا التي يمتلك أيضا جنسيتها، الستار عن حالات كثيرة ومتشابهة، حيث اتضح وجود 8 أسباب دفعت الكثيرين إلى التخلي عن جنسيتهم من بينهم، 26 خلال العامين الماضيين.
الهروب إلى الحرية
هربًا من القهر إلى الحرية، هكذا كان مصير آخر من تنازل عن جنسيته محمد صلاح الدين سلطان، المتهم رقم 44 في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”غرفة عمليات رابعة”، ونجل القيادي الإخواني صلاح سلطان، والذي يحمل الجنسية الأميركية.
كما تنازل محمد فهمي، الذي يحمل الجنسية الكندية بها، عن جنسيته المصرية بعد أن أصدرت ضده محكمة جنايات الجيزة، حكمًا بالسجن لـ7 أعوام، في 23 يونيو الماضي، لاتهامه بدعم جماعة الإخوان، وتكوين خلية إعلامية وصفت بـ”الإرهابية”، واصطناع مشاهد مصورة وبثها على خلاف الواقع، ليتم إخلاء سبيله بكفالة قيمتها 33 ألف دولار، ما يعادل 250 ألف جنيه، في 13 فبراير 2015.
التمتع بالمواطنة الغربية
في فبراير العام الماضي، وافق اللواء محمد إبراهيم وزير داخلية الانقلاب السابق، على طلب 20 مصريًا بالتنازل عن جنسيتهم المصرية، مقابل التجنس بالجنسية الألمانية والهولندية والأميركية.
الفقر
وفي أكتوبر 2014، حرر خفير بمحافظة المنوفية يدعى السنوسي محمد السنوسي، 45 سنة، محضرًا يحمل رقم 7582 إداري بركة السبع، يطالب فيه بالتنازل عن الجنسية المصرية وحصوله على الجنسية السعودية، بسبب صعوبة الأحوال المعيشية، مشيرًا إلى أنه يعاني الفقر الشديد.
الاضطهاد
سبق وأقدم المواطن عرفات عبد الرحمن محمد، 31 سنة، على التنازل عن جنسيته في محضر رسمي حمل رقم 667 إداري مركز نصر النوبة لسنة 2013؛ بسبب عدم حصوله على فرصة عمل أو قطعة أرض أو سكن وشعوره بالاضطهاد وعدم حصوله على أبسط حقوقه كمواطن مصري.
من أجل منتخبات الخارج
في أكتوبر العام الماضي، تنازل اللاعب أحمد عبد المقصود، لاعب النادي الأهلي السابق عن جنسيته، من أجل الانضمام والمشاركة في فريق المنتخب القطري الأول.
كما استطاعت إسرائيل منح الجنسية المصرية لعدد من اللاعبين، يأتي على رأسهم الـ7 رياضيين الذين احترفوا كرة القدم في أندية إسرائيلية، وهم صفوت حليم وميخائيل يونان وجرجس فوزي بنادي سخنير، ومحمود عباس بنادي هابويل، وحسن توفيق بنادي إيلات وجورج أمسيس بنادي بني يهوذا، فضلًا عن عدد آخر من بعض الألعاب منهم الملاكم محمد صبحي وهو من أب فلسطيني وأم مصرية، ولجأ لإسرائيل بعد رفض المنتخب المصري ضمه، وبطل كمال الأجسام حسام الدريني، الذي فاز بأكثر من بطولة في إسرائيل، ومدرب كرة القدم مصطفى الكينج.
غياب القصاص
وفي ديسمبر العام الماضي، أعلن شقيق أحد شهداء ثورة 25 يناير، عن تنازله عن الجنسية المصرية، احتجاجًا على حصول حسني مبارك الرئيس المخلوع، ونجليه ووزير داخليته والقيادات الأمنية على البراءة، في قضية قتل المتظاهرين.
وكتب حازم، شقيق الشهيد معتز أحمد محمود، عبر حسابه على موقع “فيسبوك”: “أقر أنا المواطن حازم أحمد محمود، مصري الجنسية، وأنا بكامل قواي العقلية، بتنازلي نهائيًا عن الجنسية المصرية، بعد الحكم ببراءة مبارك وأعوانه، ولما شعرت به من ظلم وإهانة، وعدم الشعور بالانتماء لهذا البلد”.
وأضاف “الانتماء لدولة أخرى ليس حبًا فيها أو فخرًا بها، لكن لأنها تحترم مواطنيها، وتقدرهم، وتحترم آراءهم وحريتهم، وأستطيع فيها أن أحصل على حقوقي بالقانون النزيه، دون رشوة أو واسطة”.
انعدام الانتماء
ويقول الدكتور عطية فهمي، أستاذ علم الاجتماع، إن انعدام الشعور بالانتماء دافع قوي يجعل الإنسان التخلي عن هويته وجنسيته، إذ يحاول بكل الطرق الهروب من استمرارية واقع هذه الهوية على امتداد المستقبل والتغيير إلى هوية أخرى.
وأضاف فهمي، في تصريح لشبكة “رصد” الإخبارية، أن “الانتماء لا يختلف عن صلة القرابة، فعندما يجد المرء قريبه فاسدا فيحاول بكل الوسائل التنصل منه، هكذا الحال مع الوطن فإذا لم يجد المواطن الاستقرار النفسي والعدالة الاجتماعية في وطنه يتركه بكل سهولة للبحث عن مأوى وجنسية أخرى”.
وأشار إلى أن زيادة عدد السكان وزيادة القاعدة الشبابية وسط انعدام فرص العمل، سبب تكدس الآلاف من المواطنين في طوابير البطالة، لذلك تأتي موجات من ما يحدث من طلب السفر إلى الخارج، وبالطبيعي التخلي عن الجنسية التي يعتبرونها لا تقدم لهم أي جديد لهم.