كانت ثورات الربيع العربي نافذة ضوء كبيرة للحركات الإسلامية في المشرق العربي، على اختلاف مسمياتها وتنوعاتها الفكرية، حتى جاءت نكبة الانقلاب العسكري في مصر، والتي مثلت غلقا فاجعا لتلك النافذة أعاد تلك الحركات في معظمها – وخاصة في مصر – إلى أسوأ مما كانت عليه قبل فتح تلك النافذة.
ومنذ ذلك الحين ما فتئت أدبيات الحركة الإسلامية تتحدث عن استمرار تلك الثورات والإصرار على المضي فيها، مع تحولات جذرية – بالحق نشهدها – في الأفكار وبعض المظاهر الإدارية والتنظيمية هنا وهناك، إلا أن الإصرار على مفردات الثورة في الخطاب التعبوي يدلل على مشكلة هي أخطر ما يواجه الحركة الإسلامية في أزمتها الراهنة.
هذه الأزمة أو المشكلة تتمثل – برأيي – في أن تلك الحركة لا زالت بعيدة عن استيعاب ما تحتاجه، وأنها حتى اللحظة لا تدرك ما تريده، أو أنها تدركه ولكنها لا تعرف كيف تعبر عنه التعبير الأمثل، وهذه مشكلة أخرى.
الثورة كمفهوم حركي يقتضي حالة زمنية فريدة تستوجب إجماعًا والتفافًا من طوائف عدة وجماعات مختلفة وأحزاب متعددة، على هدف معين يكون مشتركا بين الجميع وفائدة تحقيقه تعود للجميع، وهو ما تمثل في جميع ثورات الربيع العربي في كل أقطاره، وبالتالي فالاستمرار في الحديث عن مفردة الثورة بما تعنيه تلك الكلمة من حالة معينة بشكل معين تفرضه ظروف زمنية واجتماعية وسياسية معينة، هو مشكلة كبرى في الإدراك أو التعبير عن الإدراك لدى الحركة الإسلامية.
مواجهة الانقلابات تختلف عن مواجهة الأنظمة، ومواجهة الانقلابات المؤدلجة تختلف عن الانقلابات السياسية البحتة – النادرة في تقديري – وبالتالي لا يصلح لها طريقة الثورة، التي تعتبر قدرية بامتياز، ولا أدل على ذلك مما يسمى بالثورة السورية، وليس فيها من الثورة إلا مفهوم عام، فالنظام استعد وأحبط حالة الثورة لدى الشعب السوري قبل بدئها، ولعل هذا ما يبقي الحالة المصرية على وضعها الراهن.
وفي الحالة المصرية تحديدا وعلى الرغم من وجود حديث عن خطة إرباك وإفشال وإسقاط لدى الحركة الإسلامية للانقلاب العسكري، وبفرض التسليم بصحتها ووجودها بل وحتى تطبيقها، إلا أن تحقيق المرجو منها لن يكون بتبني مفردات الثورة التجميعة التوافقية حتى لشركاء رفض الانقلاب العسكري.
تطبيق الخطة يحتاج إلى استخدام أدوات الانقلاب، امتلاكها أولا ثم استخدامها ضده. وأسلحته المعنية والواضحة للعيان أربعة؛ قوة الإعلام أو قوة السيطرة العقلية، وقوة العسكر أو السلاح أو قوة السيطرة المادية، وقوة المالية أو قوة السيطرة الاقتصادية، وأخيرًا قوة السيطرة السياسية.
ومتى ما امتلكت الحركة الإسلامية تلك الأسلحة، فإنها ستستطيع استخدامها – عاجلا أو آجلا – في تحقيق ما تصبو إليه، إلا أن الوضع الراهن يشير بكل جلاء إلى أن الحركة الإسلامية بعيدة كثيرا عن أي امتلاك حقيقي – وأحيانا تبدي أنها بعيدة عن مجرد الرغبة في الامتلاك – لأي من الأسلحة الأربعة، رغم توافر الإمكانيات، ووجود ظاهر لبعض تلك الأسلحة خاصة الإعلامي والسياسي والاقتصادي، إلا أنها كلها أدوات المحتاج لا أدوات الراغب في التملك، فالمحتاج لا يهمه كيف أو ماذا في يده، ما يهمه هو وجود شيء في يده، أما الراغب في التملك فلا يريد من أي شيء إلا أفضله، ولا يحتاز من أي صنف إلا أجوده.
وباعتقادي أن هناك مشاكل داخل الحركة الإسلامية تعوقها عن امتلاك تلك الأسلحة، حيث لا يمكن القول بأن الحركة قد تعافت من الضربات المتلاحقة التي تتعرض لها أمنيا وسياسيا، فأثر ذلك على ترابطها الداخلي على كل المستويات، كما أثر على موازين التربية والحركة بشكل واضح وكلها مشاكل تعوق امتلاك تلك الأسلحة بالنسبة لحركة عقائدية بشكل سليم، ولعل هذا موضوع آخر.
وما أريد أن أخلص إليه، أن الثورة هي حالة قدرية – برأيي – لن تتكرر، وضعت تبعات مختلفة على الحركة الإسلامية وجب التخلص منها، من أهمها العمل الجماعي مع بقية مكونات العمل السياسي بشكل “توافقي” سياسي، وهو ما أثر – ولا يزال – على الأداء السياسي للحركة الإسلامية.
ومن جهة أخرى، لا حل أمام الحركة الإسلامية لحلحلة وضعها الحال إلا بامتلاك أسلحة الانقلاب، أسلحة التأثير والتوجيه والقيادة والضبط، وهو ما يعني خسارة لتحالفات عدة سياسية ولكنه على المدى الطويل سيعطي ثمارًا ناجعة للحركة وللثورة في آن واحد.