يشير الانتقاد الإعلامي الذي يتلقاه السيسي من قبل الإعلاميين المشهود لهم بالولاء للدولة والرئاسة خلال الفترة الأخيرة، إلى أنه ومع استمرار سؤ الأوضاع ،ربما أثار حفيظة هؤلاء الاعلاميين والسياسيين لانتقاده، كوسيلة لحفظ ماء الوجه أمام الجمهور الذي يعي ويدرك تماما استمرارية الفساد وسؤ الأوضاع داخل البلاد.
لكن دبلوماسيون ومحللون -بحسب رويترز-، يقولون إنه لا يوجد خطر عاجل على رئاسة السيسي، وإنه قد يكون هو نفسه ضحية لنجاحه في سحق التشدد الاسلامي وتحقيق استقرار للاقتصاد.
هياكل السلطة في مصر ليست متماسكة
وبدأت الصحف المصرية الإشارة إلى أن السيسي ليس معصومًا، ولم يكن التفكير في ذلك واردًا عند الإطاحة بجماعة الاخوان المسلمين من السلطة في 2013 وكان وقتها وزيرًا للدفاع.
والانتقاد محسوب وغالبا ما يكون غير مباشر، وعلى سبيل المثال حددت صحيفة الوطن تحديات قالت إنها تعترض طريق إصلاحات السيسي ومنها الفساد والمحسوبية، وزعمت أيضا ارتكاب الشرطة لانتهاكات تثير غضب المواطنين..
وقال اتش.ايه هيلير المتخصص في الشؤون العربية في مركز بروكينجز لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن والمعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن، “ربما لا يوجد سبب مؤسسي لهذا الانتقاد المحدود في الصحافة المصرية، لكن ما قد يظهره هو مزيد من الأدلة على أن هياكل السلطة في مصر ليست متماسكة بالشكل الذي قد يظنه الجميع خارج البلاد..”
وأضاف، لقي الانقلاب العسكري دعمًا كاملًا من قادة الجيش وأجهزة الأمن وكبار رجال الأعمال وأغلب وسائل الاعلام المحلية، وأن السيسي بعدها أصبح رئيسا بحشدهم جزئيا على الأقل، وسط حملة قمع لجماعة الإخوان المسلمين التي أعلنتها الحكومة جماعة إرهابية تهدد وجود مصر، مشيرًا بأن نجاحه في تحييد الجماعة وتقليص عدد الهجمات التي ينفذها متشددون يتمركزون في سيناء يعني أن مؤيديه المتنوعين الذين لم يعد يقلقهم التحدي الاسلامي يحولون انتباههم إلى مصالحهم الخاصة.
وقال دبلوماسي غربي “لا يتعلق الأمر كثيرا بسياسات المؤامرة بل بعودة الاهتمام بمتطلبات الحياة اليومية المعتادة، موضحًا بأنها علامة على نجاح السيسي في التعامل مع الأزمة الاقتصادية والأمنية لكنها علامة أيضا على ضعفه حتى الآن في إدارة مراكز القوى الأخرى، والبيروقراطيون في أجهزة الأمن والقضاة والبيروقراطيون ورجال الاعمال.
واستطاع الرئيس المخلوع حسني مبارك إدارة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتراكمة في مصر على مدى عقود من خلال حزبه الوطني الديمقراطي حتى الاطاحة به في 2011 . لكن السيسي ليس لديه كيان حكومي قوي لمساعدته.
وقال هيلير “رئاسة السيسي أكثر تماسكا من أي نظام في السنوات الأربعة المنصرمة.. لكن ليس بالمقارنة مع مبارك.”
احتكاك متوقع مع رجال الاعمال
ويقدم رجال الأعمال الذين ساعدوا مبارك على التشبث بالسلطة كل هذا الوقت مثالا على المشاكل المعقدة التي يواجهها السيسي. ويريده البعض أن يعجل بالإصلاحات في حين يسعى آخرون إلى عودة الرأسمالية الفاسدة لعهد مبارك من أجل مكسب شخصي.
وترجع مصادر أمنية انتقادات هذا الأسبوع إلى رجال أعمال أقوياء لهم علاقات بوسائل الاعلام. فيما قال مصدر أمني “الخلافات القائمة بين السيسي ورجال الأعمال هي السبب، وأن رجال الاعمال يعارضون ما يرونه اعتمادًا من السيسي على مؤسسات يمتلكها الجيش ومسؤولي مخابرات سابقين لتنفيذ المشروعات.
ويجب أن يتحسس السيسي خطواته“
وأشار المصدر الأمني أن بعض شركات القطاع الخاص، ترى أن تقليل سيطرة الجيش على ما يقول محللون إنه نسبة كبيرة من الاقتصاد وهو تحرك قد يثير نفور قادة الجيش الأقوياء.
اصطدام الجيش بالسيسي
وقال كمران بخاري من مؤسسة ستراتفور جلوبال للمعلومات، “الالتزامات السياسية والاقتصادية للسيسي تتناقض مع تلك الخاصة بالجيش وايضا المؤسسة الأمنية الداخلية.. والقطاعات القوية ربما تلح على حاجته للانخراط في الاصلاحات.”
وبدأت الصحف المصرية التي كانت في وقت ما تمطر السيسي بالمديح في الشكوى بشأن الرجل الذي يمتد طموحه من القضاء على التشدد الاسلامي الى تحويل مصر إلى مركز قوة اقتصادي.
وسيكون أسوأ سيناريو بالنسبة للسيسي حدوث تذمر في الجيش الذي يهيمن على مصر منذ عقود أو من جانب دول الخليج المعارضة لجماعة الاخوان التي ضخت مليارات الدولارات الى البلاد منذ سقوط مرسي.
ولا توجد إشارة على أن أيا من الجانبين انقلب على السيسي أو يعتزم ذلك. لكن التغطية الإعلامية أثارت رغم ذلك تكهنات يمكن أن تجعل مهمة السيسي أصعب.
ولا شك أن السيسي يخضع لتدقيق أكبر مما كان في أي وقت مضى. وظهر في حديثه الشهري الثلاثاء الماضي، حذرًا وأقل ثقة من المعتاد أثناء توجيه كلمة مسجلة للأمة عبر التلفزيون.
وقال السيسي “مهم قوي انكم تتأكدوا… إن انا مفيش حاجة عندي بخبيها عليكم. انا بقول كل اللي موجود من تحديات بمنتهى الوضوح.” واضاف أنه شعر أن المصريين أصبحوا غير مستريحين إزاء التقدم في المشروعات الاقتصادية على مدى الشهور القليلة المنصرمة.
وقال المذيع التلفزيوني عمرو أديب، إن السيسي كان يحاول في كلمته طمأنة المصريين إلى أنه يتأكد من أن المشروعات المتعددة ستنجح، وأنه يشعر بقلق بشأن أحاديث الناس.
ورغم أن السيسي حسّن الاقتصاد بعد سنوات من الاضطراب منذ الإطاحة بمبارك فقد ركز حديثا على السياسة الخارجية، وأمر بضربات جوية في ليبيا بعدما نشر تنظيم الدولة الاسلامية تسجيل فيديو يبين ذبح 21 مصريا في ليبيا.
وتساعد مصر السعودية أيضا في حملة جوية في اليمن ضد المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران.
وقد تعزز تلك التحركات مكانة السيسي الإقليمية لدى حلفاء أقوياء مثل السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة لكن من المحتمل ان يواجه ضغطا متزايدا للوفاء بوعود قطعها الزعماء المصريون المتعاقبون.
وتوجد علامات ملموسة قليلة على أن مليارات الدولارات من مساعدات الخليج وصلت إلى المصريين الذين ما زالوا يأملون في بنية تحتية أفضل ومدارس ووظائف.
ومن المرجح أن يأتي الاختبار الكبير القادم للسيسي في شهور الصيف القائم حيث تواجه الحكومة ضغطًا لتخفيف انقطاع الكهرباء.